برهان عثمان – أورفة
يعتبر سلاح تنظيم “الدولة الإسلامية” سرًا ربما يحتاج فترة طويلة للكشف عن تفاصيله، وربما تُدفن تلك التفاصيل تحت ركام المدن التي حكمها، وتوسّع داخلها في سوريا والعراق منذ عام 2014، إلا أنه بقي حتى اليوم محتفظًا بخصوصية قدرته التسليحية.
وتستقرئ عنب بلدي مصير السلاح المنتشر في المنطقة الشرقية من سوريا، في ظل التغيرات المتلاحقة التي تشهدها، تزامنًا مع معارك ضد التنظيم في كل من دير الزور والرقة، عارضةً روايات أشخاصٍ عايشوا حُكم التنظيم واحتكوا بعناصره.
بنية أمنية وسرية
أبو خطاب (29 عامًا)، عنصرٌ من “الجيش الحر” في مدينة دير الزور سابقًا، قال إن دير الزور كانت مركزًا لعشرات مخازن السلاح قبل دخول تنظيم “الدولة” إلى المحافظة، إلا أن الأخير استحوذ على كمياتٍ كبيرةٍ منها في ذلك الوقت.
المقاتل الذي نزح وعائلته إلى ريف دير الزور، عقب دخول التنظيم إلى المدينة، لفت إلى أنه “لا يُمكن لأي شخص تحديد حجم تسليح التنظيم ومصادر سلاحه، الذي عُرف بعضها وبقي جلها مجهولًا رغم كثرة الروايات التي تنسج حوله”.
وتحدثت تقارير عن اعتماد التنظيم على السلاح، الذي استحوذ عليه من معاركه في العراق، وأشار أبو خطاب إلى أنه “من الصعب تقدير ما خسره التنظيم أو الكمية التي مازالت داخل مخازنه، وحتى مع عناصره وأمرائه، ويعود ذلك للبنية الأمنية والسرية والتكتم الشديدين”.
“كان لكل قطاع في دير الزور، مسؤول عن التسليح يرفع تقاريره إلى أمير التسليح العام في المدينة أو المنطقة”، كما أوضح عنصر “الجيش الحر”، مؤكدًا أن “ذلك يشمل فقط السلاح المستخدم في القطاعات والمعروف لدى الجميع، أما بقية كميات الأسلحة ومخازنها فهي مجهولة بالنسبة للمسؤولين كما العناصر”.
التقسيمات الإدارية والعسكرية التي وضعها التنظيم، ساعدته في إدارة شؤون التسليح بشكل جيد، وفق رؤية “أبو خطاب”، الذي قال إنه “رغم وجود الديوان المركزي للحرب، إلا أنه لم يضم كشوفاتٍ واضحة عن أعداد الأسلحة وأنواعها وكمياتها”.
رغم خروج المقاتل من دير الزور قبل أشهر، إلا أنه يؤكد انتشار العديد من مخازن الأسلحة، “التي يعرفها عدد من الأمنيين (الثقات)، وهي مجهولة بالنسبة لبقية العناصر والأمراء”، معززًا روايته “ربما يوضح هذا جزءًا من أسباب عدم تأثر التنظيم بالمنشقين عنه باختلاف رتبهم، مع احتفاظه بقوته النارية، رغم فقدان العديد من مصادر تمويله”.
استراتيجية في إخفاء الأسلحة
رغم تهرّب الكثير من الأهالي من الخوض في الحديث عن التنظيم، خوفًا من “أذرعه الممتدة” وعقابه، وفق وصف البعض، إلا أن كثيرين أكدوا أنه “مايزال فاعلًا وقادرًا على الوصول إلى أعدائه، كما أن سياسته الأمنية وحرصه، ساهما بشكل كبير في بقاء مخازنه ومصانع أسلحته بعيدة عن متناول كثيرين من المنتسبين إليه”.
أبو علي ناشط من دير الزور، قال إن الكثيرين من مقاتلي التنظيم، يجهلون أنواع الأسلحة التي يحوزها، “إلا ما وقع تحت أيديهم”، مشيرًا إلى أن ذلك “لا يزعزع ثقتهم بامتلاكه ترسانة من الأسلحة الفردية والثقيلة، والقذائف الصاروخية قريبة المدى والمتوسطة”.
كما يتحدث البعض عن إجراء التنظيم تجارب كيميائية، سعيًا لتطوير ذخيرته وزيادة قوتها، وهذا يعزز عشرات التقارير التي صدرت عن منظماتٍ حقوقية، وأكدت امتلاك التنظيم أسلحة كيميائية استخدمها في مناطق مختلفة من ريف حلب والمنطقة الشرقية.
الناشط الثلاثيني اعتبر أن “التنظيم لا يستخدم جميع أسلحته وإنما يدّخر قسمًا منها”، مستشهدًا بما جرى في العراق منذ سنوات، “التنظيم وزع سلاحه على عدة مناطق وفي مخازن متباعدة وصغيرة، لتخفيف خسائره الناتجة عن القصف او عن الانسحابات المفاجئة”.
ورأى أن التجارب السابقة للتنظيمات الجهادية، “تؤكد أنها تضع خططها للحاضر والمستقبل، بما يضمن بقاءها فاعلة، وهذا ينطبق على تنظيم الدولة الذي حافظ على وجوده منذ سنوات بدءًا من ظهوره في العراق”.
فرضيات حول مصير الأسلحة
نُسجت فرضياتٌ مختلفة حول مصير أسلحة التنظيم، في حال طرده من المناطق التي يسيطر عليها، بين الاستحواذ عليها من قبل القوات المواجهة له، وأبرزها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أو استحواذ “التحالف الدولي” عليها، باعتباره داعمًا للمعارك ضد التنظيم على الأرض.
الصحفي طه المحمد (27 عامًا) من دير الزور، وأحد المتابعين لشؤون التنظيم، رأى في حديثه لعنب بلدي أن انسحابه من منطقة ما، لا يعني انتهاء وجوده فيها “فهوغالبًا ما يترك العديد من الخلايا النائمة، التي تنتظر تعليماته إلى جانب عناصره المتخفين والمتعاطفين معه”.
“يُمكن لهؤلاء العناصر أن يتحولوا إلى جنود في أي لحظة”، وفق رؤية الصحفي، “لذا فالحاجة دائمة إلى توفر السلاح في مكان قريب يسهل الحصول عليه حين الحاجة”، مشيرًا إلى أن “الأسلحة التي يخلفها التنظيم وراءه، غالبًا ما تكون بسيطة وبكميات قليلة”، وتساءل طه “أين ذهبت كل تلك الترسانة التي كنا نشاهدها؟”.
يتفق معظم من استطلعنا آراءهم أن سلاح التنظيم يُخفى أو يُهرّب من المناطق التي يخسرها، ويرون أن مصير الأسلحة سؤال يطرح نفسه “بقوة”، خلال الأحداث الحالية، وخاصة في الفترة المقبلة “على اعتبار أن السلاح سيبقى أحد أدوات صناعة المشهد السوري لفترة طويلة من الزمن”، وفق رؤيتهم.