عنب بلدي – رهام الأسعد
حملات مندّدة وأخرى تسعى لتغيير الواقع وجدت في معاناة السوريين بيئة خصبة بغية التأثير على صانعي القرار، وإثارة الرأي العام المحلي والعالمي نحو قضايا عالقة يعاني منها الشعب السوري في الداخل أو في الخارج.
مهدت الأحداث المتواترة التي تشهدها سوريا منذ أكثر من ست سنوات لنشاط حملات المجتمع المدني، عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وحملت في مضمونها مساعٍ نحو حشد المواقف تجاه القضية السورية ولفت أنظار المجتمع الدولي باتجاه معاناة السوريين على الصعيد الميداني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولكن هل تحقق الأثر المطلوب؟
حملات منظمة.. والتأثير “حضر ثم غاب”
باعتباره منبرًا عامًا متخصصًا بحملات المجتمع المدني، جذب موقع “آفاز” العديد من الناشطين السوريين لإطلاق حملات خاصة بالشأن السوري وصل عددها تقديريًا إلى ما يزيد عن مئة حملة منذ عام 2011، حسبما أفاد مدير عمليات المناصرة لمؤسسة “آفاز” بالعالم العربي وشمال إفريقيا، وسام طريف.
طريف أضاف، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أنه ومنذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا عام 2011، بدأت حملات خاصة بالشأن السوري عبر موقع “آفاز” وصفها بالناجحة، مشيرًا إلى الحملة الأولى التي دعت إلى جمع تبرعات للناشطين السوريين من أجل تدريبهم على العمل الصحفي وتزويدهم بالكاميرات ووسائل الاتصال والتقنيات الخاصة بتغطية المظاهرات آنذاك، والتي حققت الهدف المطلوب منها، على حد قوله.
كما أشار طريف إلى حملات خاصة باللاجئين السوريين استهدفت الاتحاد الأوروبي وحكوماته من أجل فتح أبوابه أمامهم واستقبالهم، معتبرًا أنها “حققت تأثيرًا” حتى نهاية عام 2015، لكن هذا التأثير تراجع بعدها بسبب اتفاقيات واعتبارات دولية خرجت عن سيطرة مؤسسات المجتمع المدني عام 2016.
وباتجاه معاكس نوّه طريف إلى وجود حملات كانت “أقل تأثيرًا” من سابقاتها رغم أنها “محقة”، مخصصًا بالذكر الحملات المنددة بالسياسة الروسية وتدخلها العسكري في سوريا، إذ أطلق ناشطون، عام 2013، حملة عبر موقع “آفاز” طالبوا فيها الحكومات الأوروبية بمقاطعة شركة “روزوبورون اكسبورت” الروسية المصنعة للأسلحة، ومنعها من المشاركة في معارض بالدول الأوروبية وبيع الأسلحة هناك.
وجاء في نص الحملة “نطالب الحكومتين البريطانية والفرنسية بمقاطعة (روزوبورون اكسبورت) إلى أن تتوقف عن تزويد النظام السوري بالأسلحة، كي تثبتا لروسيا أن قرارها بالوقوف مع مجرم حرب غير مقبول إطلاقًا”.
إلا أن الحملة لم تستطع التأثير على قرارات الدول الأوروبية، رغم أنها حصدت ما يقارب ثلاثة آلاف توقيع، وأرجع طريف ذلك إلى ما أسماه “ضغوط المصالح الدولية”.
ومن الحملات التي لم تحقق هدفها أيضًا، ذكر طريف الحملة التي دعت الدول الخليجية إلى فتح أبوابها أمام السوريين، وتلك التي طالبت الحكومة التركية بإلغاء تأشيرة الدخول على السوريين أيضًا.
وختم حديثه بالقول إن مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني تعيش جميعها بحالة “عجز” حيال ما يعانيه السوريون وسط هيمنة المصالح الدولية، مضيفًا “لا أحد استطاع إحداث تغيير يوفر شروط العيش الكريم للمواطنين السوريين أينما كانوا”.
حملات فردية بانتظار الصدى
بعيدًا عن المواقع المختصة والحملات المؤسساتية، يعمد ناشطون سوريون إلى إطلاق حملات فردية تدعو إلى وقفات اعتصامية في الشوارع أو حشد تضامن شعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع قضية بارزة متعلقة بالشأن السوري.
عنب بلدي تحدثت إلى الناشط السوري محمد حسن، أحد منسقي “اعتصامات الثورة السورية في لبنان”، والذي أشار إلى المساعي التي يقوم بها بمساعدة 12 ناشطًا سوريًا وبالتعاون مع العديد من المنظمات الحقوقية اللبنانية، ومنها صوت النسوة والنادي الألماني في الجامعة الأمريكية والمنتدى الاشتراكي وغيرها من المنظمات.
حسن أشار إلى ضعف تأثير تلك الحملات بشكل عام رغم التفاعل الشعبي معها، إذ غالبًا ما تقتصر على “تسجيل المواقف” دون تلبية المطالب، مستدلًا بذلك على اعتصام “أنقذوا حلب”، العام الماضي، والذي شارك فيه النائب اللبناني وليد جنبلاط وزوجته وعددٌ من المنظمات الحقوقية، تنديدًا بالقصف الروسي على المدينة، مشيرًا إلى “لعبة” تمارسها الدول الكبرى خارج أي اعتبار.
إلا أنه اعتبر أن بعض الحملات، رغم عدم إحداثها تغييرًا ملموسًا، نجحت في تأجيج الرأي العام تجاه قضية تمسّ السوريين، ومنها قضية “التهجير القسري” واتفاقيات إخلاء المدن، إذ ساهمت الحملة الخاصة بها، نهاية العام الماضي، بإثارة الرأي العام، على حد قوله، وأصبح عنوان الحملة شعارًا عريضًا لكافة التجمعات السياسية المعارضة.
تضامن شعبي رغم غياب التأثير
رغم ضعف التأثير الذي تحدثه بعض الحملات الخاصة بالشأن السوري، إلا أن التضامن الشعبي معها كان كفيلًا بجعلها فعّالة في حشد المواقف من ناحية، ودليلًا على فشل صانعي القرار بإحداث التغيير المطلوب من ناحية أخرى.
عنب بلدي رصدت أبرز الحملات الخاصة بالوضع السوري والتي حصدت تأييدًا شعبيًا، ومنها:
حلب تحترق
اجتاح وسم “#حلب_تحترق” مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان النظام السوري البدء بمعركة “استرداد حلب” في 20 نيسان عام 2016.
وشنت قوات النظام السوري بغطاء روسي حملة قصف مكثفة على المدينة استهدفت خلالها البنى التحتية والمرافق الحيوية التعليمية والإغاثية، وكان على قائمة المتضررين القطاع الطبي.
وانتشرت صورٌ وصفت بـ “الدموية” لمدنيين تحت الأنقاض أثارت الرأي العام العالمي، ما دفع بعض الناشطين إلى إطلاق حملة “حلب تحترق” على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي حصدت أكثر من نصف مليون تغريدة في موقع “تويتر”، كما اصطبغت منصات التواصل الاجتماعي باللون الأحمر الخاص بالحملة، في محاولة من قبل الناشطين لنقل ما يحدث في المدينة.
من ناحية أخرى، أطلق ناشطون عبر موقع “آفاز” حملة، في 30 نيسان 2016، طالبوا فيها شركة “جوجل” بوضع علامة على محرك البحث للإشارة إلى المجازر التي تجري في مدينة حلب، دون استجابة لمطلبهم.
ونشط وسم “ #حلب_تحترق” مجددًا عقب الحملة “الدموية” التي استرد فيها النظام السوري المدينة في 22 كانون الأول الماضي، إلا أنه رغم التضامن الكبير من شعوب العالم، لم يحصل على استجابة من المجتمع الدولي لإيقاف الحملة أو التقليل من آثارها على المدنيين.
لتحسين وضع اللاجئين في تركيا
نتيجة لتذبذب وضع السوريين القانوني في تركيا، أُطلقت حملات عدة عبر موقع “آفاز” ومواقع التواصل الاجتماعي لإيجاد حل يضمن لهم استقرارًا في البلاد التي استقبلت قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري منذ عام 2011.
آخر تلك الحملات أطلقها ناشطون، في 18 حزيران الماضي، مطالبين السلطات التركية بمنح إقامات للسوريين المخالفين على أراضيها، وجاء في نص الحملة التي انطلقت من “آفاز”، “مئات السوريين يعيشون في تركيا بوضع مخالف من دون إقامات سياحية، ولتصحيح أوضاعهم هناك شرط خروج ودخول”.
وتابع الناشطون “ولكن مع فرض تأشيرة الدخول على السوريين إلى تركيا يستحيل بذلك خروجهم منها، لذلك نطالب بالعمل على تصحيح وضع المخالفين بإسقاط شرط الخروج والدخول”، وحتى الآن لم تلقَ الحملة أي رد.
من جانبها، شغلت الفيزا التي فرضتها السلطات التركية على دخول السوريين إلى أراضيها، في 8 كانون الثاني 2016، حيزًا من اهتمام الناشطين، فأطلقوا وسم “ #إلغاء_الفيزا_للسوريين”، بالإضافة إلى حملات طالبوا فيها بإلغاء الفيزا التي “حرمت آلاف السوريين من عائلاتهم”، وحتى الآن لم تُجدِ تلك الحملة نفعًا.
“كيماوي خان شيخون”
عقب مجزرة الكيماوي التي شهدتها بلدة خان شيخون في محافظة إدلب السورية، في 4 نيسان الماضي، تصدّر وسم إدلب باللغة الإنكليزية المراتب الأولى عالميًا في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
في حين حل وسم “Syria” باللغة الإنكليزية بالمرتبة 15، أما وسم “#خان_شيخون” فحل في المرتبة 150، وسط تغريدات واسعة من قبل ناشطين من مختلف دول العالم.
التغريدات التي أرفقها أصحابها بالوسوم السابقة، تنوعت بين صور وتسجيلات تظهر آثار الكيماوي على المصابين، وبين الذين دعوا إلى محاسبة النظام السوري معتبرين أنه المسؤول عن الهجمات، التي أودت بحياة 87 مدنيًا وأكثر من 400 إصابة.
ومازالت حتى الآن التحقيقات جارية في تحديد المسؤول عن الهجوم، وسط تنديد دولي وشعبي رافقته العديد من الحملات المطالبة بمحاسبة المسؤولين عنه، لتبقى احتمالية المحاسبة مجهولة.