المواطن الكلب

  • 2017/07/16
  • 12:20 ص

إبراهيم العلوش

في الوقت الذي تخاطب الوثائق الرسمية المواطن السوري بلقب السيد، فإن السلطات على أرض الواقع تخاطبه بلقب “المواطن الكلب”، وخاصة في قطاعات المخابرات والجيش والشرطة والمالية.

الذهاب الى أي مخفر شرطة، أو فرع أو مفرزة جنائية يتيح لك ارتداء لقب المواطن الكلب عند الباب الرئيسي، وقد تعفى من هذا اللقب إذا أقنعت الشرطي في براكية الاستقبال، بأنك قادم لدفع ما يلزم، فتنقلب “تعكيشته” الى ابتسامة عريضة، وتتفجر ينابيع النخوة العربية في وجهه الذي كان مكفهرًا قبل لحظات قليلة من إخراج التميمة، التي تتزين بصورة الأب القائد باني سورية الحديثة!

عند الذهاب إلى التجنيد الإجباري، وعند الباب الرئيسي للقطعة العسكرية، تنهال عليك كلاب الانضباط والأمنيين بتشكيلة واسعة من الألقاب، ومن وسائل التحقير الوطني والعسكري، التي تنم عن حقيقة الشرف العسكري، الذي تجلى لاحقًا لكل السوريين بتدمير المدن وتهجير نصف عدد السكان، بمكنسة الأسد أو نحرق البلد، والتي تحولت حاليًا إلى الأسد ونحرق البلد.

أما أفضل تجليات لقب المواطن الكلب فهي المعتقلات، وجلسات التعذيب، وأحكام الإعدام الاعتباطية، والزيارات التي وصلت أجورها في الثمانينيات إلى نصف كيلو من الذهب، من أجل رؤية معتقل على بعد عشرين مترًا، حيث يمرّ المعتقل أمام أهله في تدمر، أو صيدنايا، ليقتنع أهل المواطن الكلب، بأنه مايزال على قيد الحياة فقط!

منذ انفجار الثورة السورية اهتز لقب المواطن الكلب، فالجموع الألفيّة التي ملأت شوارع المدن والقرى مطالبة بالحرية، لم تعد تقبل لقب المواطن الكلب، بل انعكس الأمر في الشعارات، وفي الهتافات، واُستعمل اللقب ليصف المخبرين، والجلادين، وأزلام النظام من شبيحة، ومرتزقة، ومجرمين يستثمرهم في الحفاظ على جرعة الإذلال التاريخي للشعب السوري.

لكن الدعم الإيراني والروسي، الذي ضخ الإمكانات الحربية، والمالية، والبشرية لإركاع الشعب السوري، جعل لقب المواطن الكلب لطيفًا، في نظر الكثير من السوريين الذين تشردوا، وهدمت بيوتهم، ودمّر نسور جيشنا الأبطال مدنهم وقراهم، بالبراميل المتفجرة، وبالصواريخ، وقتل أبناءهم بتشغيل فرّامات اللحم البشري في صيدنايا والمزة، وفي مختلف المعتقلات والأقبية، وحتى على الحواجز التي صارت تعد بالآلاف.

لقد اضطرب لقب المواطن الكلب، وترك مكانه لألقاب أشد شراسة وقسوة، تسببت بترحيل نصف سكان سوريا من بيوتهم، لتتسلمهم جهات أخرى، وتستكمل تحقيرهم كالدواعش، وجبهة النصرة، ومشتقاتهما، ومتطرفي الدول المستضيفة للاجئين، الذين صار لقب اللاجئ الكلب أخف لقب من ألقاب التحقير والكراهية، وأخف وقعًا من مطالبات إرجاعهم إلى معتقلات النظام، أو من وصمهم بالإرهابيين، والدواعش وما إلى ذلك من أسماء المواطن غير الحسنى التي ابتكرها نظام الأسد.

الدساتير السورية المقبلة يجب أن تحدد بدقة لقب المواطن لدى كافة الجهات الرسمية، وغير الرسمية، ويجب عليها أن تنهي ثنائية اللقب الدارجة في أجهزة الدولة، بين لقبي السيد في الوثائق الرسمية، والكلب لدى السلطات على أرض الواقع!

وكذلك رجال الدين الذين يحتلون مساحات واسعة من رقعة القهر، عليهم أن يحددوا ألقابنا، وينتهوا من ازدواجية اللقب، بين لقب أخي المؤمن، ولقب الكافر والمرتد، وأن ينتهوا من حالة التشفي التاريخية من عذابات البشر، بإطلاقهم تبرير القهر بالمقولة الشهيرة، كما تكونوا يولى عليكم، وأن يكفّوا عن النأي بأنفسهم عنا، وكأنهم من طينة نورانية، أو مريخية، أو مجرد مندوبي ترويج للطاعة والخضوع.

جماعة “والله كنا عايشين” يحنّون إلى لقب المواطن الكلب، ويعتبرونه هدفًا استراتيجيًا لمستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويفتون بأن التخلي عن هذا اللقب هو سبب كل هذا الدمار والتهجير والوحشية، وما على السوريين إلا الاقتداء بهم، والتذلل للنظام على مبدأ عبدة الشيطان، الذين يتقربون منه ليس حبًا به، بل تجنبًا لمصائبه ومكائده.

فأحد عبدة الشيطان هؤلاء، قُتل ابنه تحت التعذيب، وقامت دورية من المخابرات بتسليمه هوية ابنه، فاستشاط غضبًا وحنقًا أثناء العزاء، ليس على النظام وجلاديه الذين قتلوا ابنه، بل على أحد معارفه، الذي حرض أجهزة المخابرات ضد ابنه، وافترى عليه بتهمة مساندة الثورة، فالنظام بنظره لا يلام على قتل ابنه، بل يلام من كتب التقرير به، فكأن النظام بنظره مجرد آلة لطحن البشر، ولا ذنب له بما يتم رميه في فم هذه الآلة القاتلة.

يتقاذف الكثير من اللاجئين في المهاجر ألقابًا أخرى، أشد فتكًا من لقب المواطن الكلب، ويتهمون بعضهم بالعمالة لهذا الجهاز الدولي، أو ذاك، ويدرجون أسماء ضحايا تسبب هذا بقتلهم، أو ذاك، ويصورون محادثات ومقاطع فيديو لتثبيت ألقاب التلاعب والعمالة، وليثبتوا للآخرين بأنهم أبرياء، أو بأنهم مثل منافسيهم على الأقل، ولا يزيدون سوءًا عن غيرهم في جريمة التضحية بالسوريين، والتسبب لهم بالمزيد من البؤس والعذاب.

هل نستطيع، نحن السوريين، أن نجترح لقبًا واحدًا للمواطن السوري، ونتخلص من هذه الازدواجيات في الألقاب، هل سنعود إلى لقب المواطن السيد- الكلب إذا انتصر النظام، أم لقب المؤمن- المرتد إذا انتصر مندوبو التنظيمات المتشددة، أم نقف حائرين مثل ذلك القروي الذي كتب معروضًا لأحد القضاة، واحتار في لقب مخاطبته، فكتب أخيرًا:

السيد الباشا الأخ الرفيق الشيخ القاضي: فلان الفلاني!

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي