سامي الحموي – حماه
لا تعدو حماة كونها إحدى محافظات سوريا، وشريكة لباقي بقاع الشام في الثورة ضد حكم الأسد، غير أنها وككل جزء من التراب السوري تتفرد برواية خاصة ورؤية في الثورة والكفاح وخصوصية جعلت النظام يتقن فن التعامل «الهمجي والمناورة «التشبيحية» فيها، حديثنا هنا يراه البعض ليس بالجديد، ولكننا نستهله مع مرور ثلاث سنوات قضاها الحمويون يقارعون نظامًا أبى أن يسلم السلطة أو يتقبل ولو مجرد فكرة إسقاطه، فاستعان بحلفاء ظاهرين ومبطنين لكي يستمر، وتستمر معه حلقات المعاناة السورية وتدخل عامها الرابع.
- رواية حموية
لا تغيب عن أذهان أهالي حماة أحداث 1982 الأليمة، والتي حفرت في وجدانهم حقدًا دفينًا على نظام البعث، وذلاً اختلط بخبزهم، ومشاعر يخافون إظهارها حتى بين أفراد العائلة الواحدة، ومع انطلاقة الانتفاضة الشعبية ضد سلطة بشار الأسد دخلت حماة في حيزٍ جديد، وكان لابد للقيد النفسي الذي زرعه حافظ الأسد أن ينكسر، فتعالت الأصوات رافعة سقف مطالبها في مظاهرة مسجد عمر بن الخطاب في أول نيسان، ولتصدح الحناجر بعبارة «الشعب يريد إسقاط النظام». تتوالى الأحداث وتخرج المدينة في مظاهراتها المليونية الشهيرة متحدية بذلك نظام دمشق، ما حدا بالأخير استخدام القبضة الحديدية واجتياحها في أول تموز 2011، لتبدأ المعاناة الحقيقية في المدينة، ويبدأ معها الحراك المسلح ممزوجًا بسلمية مميزة في أحيائها، كحي باب قبلي على سبيل المثال لا الحصر، ولتظل المدينة بنشاطها السلمي والعسكري حتى نيسان 2013 عندما اجتاح النظام حي طريق حلب (الملاذ الأخير للثوار داخلها) منهيًا بذلك حراكها العسكري ولتقتصر الثورة على نشاط سلمي يكاد يندر مع مرور الوقت واحتلال كامل وتضييق على الحريات من اعتقال وسرقة وأشكال متعددة من التشبيح تمارسها ميليشيات الأسد داخلها، بينما كان مصير ثوارها إما القتل أو الاعتقال أو النزوح إلى الريف القريب.
- رؤية ثورية
اختلفت رؤى ثوار حماة ما بين الحاضر والأمس، فكانت تعتمد ضمن المدينة على استمرار الحراك السلمي بكافة أشكاله إضافة لحراك مسلح يستطيع حماية الأحياء وتنفيذ ضربات موجعة لمراكز النظام داخلها، بينما اليوم وبعد أن رجحت كفة النظام في أحياء حماة، يعتمد الثوار على منهجية جديدة تتمثل بالعمل العسكري واسع النطاق في أرجاء الريف الحموي، والتضييق يومًا بعد يوم على مداخل المدينة من عدة اتجاهات ومحاولة التقدم باتجاهها، فيما يقتصر الحراك داخلها على الجانب الإغاثي وبعض العمليات المحدودة لعناصر الحر من قنص وعبوات ناسفة تستهدف عناصر النظام.
- خصوصية حماة
خصوصية حماة تكمن في ديموغرافيتها السكانية، حيث أن ريفها الغربي ذو أغلبية علوية إضافة لأقليات في ريفها الشرقي، ونزوح أكثر من مليون مواطن إلى المدينة جعل سكانها يتجاوزون المليونين، وكلما زادت ضراوة المعارك في الأرياف والمدن القريبة يزداد معها عدد الوافدين إلى حماة المدينة، مما ينذر بكارثة إنسانية محتملة، تقف المعارضة عندها عاجزة عن شن أي عمل عسكري ضمن المدينة في الوقت القريب والبحث عن حلول وخطط تحول دون مأساة ربما تكون الأكبر في تاريخ الثورة السورية، كما أن لحماة وضعها الجغرافي المعقد، حيث أنها تتوسط البلاد وتشكل عقدة حيوية يستفيد منها النظام بقوة، وباتت مؤخرًا مركزًا لشن الغارات من مطارها العسكري وتوجه الأرتال نحو الريفين الشمالي والشرقي، الأمر الذي يجعلها أيضًا محط أنظار قوات المعارضة.
ثلاث عجاف مرت دون أن يرى السوريون حريتهم التي ينتظرونها بشغف، في ظل انخفاض في تعاطي الدول التي تصف نفسها «صديقة» للسوريين، وتواطؤ غربي أشبه بتحالف معلن مع نظام الأسد، وواقع إنساني مرير جعل الأمم المتحدة تغض الطرف عن أعداد الضحايا في سوريا، وكأن قدر السوريين اليوم أن يقفوا في وجه أعتى قوى الشر التي جعلت من سوريا ساحة لتصفية الحسابات.