عنب بلدي – العدد 109 ـ الأحد 23/3/2014
أصبحت ظاهرة الوقوف ساعات عديدة على الحواجز الأمنية في انتظار الدور شائعة وبشكل كبير، حيث تنتظر كل سيارة دورها بالتفتيش، حتى يسمح لها بالمرور على الحاجز، مرات مع تفتيش، وأخرى فقط بإشارة من عنصر الأمن المناوب بأن يمشي سائق السيارة أو السرفيس، وغالبية المرات مع العبارة التي بات المواطنون يسمعونها كثيرًا «اطلااااااع»، والتي أضحت إشارة خلاصهم على الحواجز الأمنية بعد انتظار ساعات طويلة.
على حاجز الطرابيشي (كفرسوسة-اللوان) يقف طابور السيارات بانتظار دورهم بالتفتيش، وتقول سعاد (22سنة) والتي تعايش مثل هذه الحالة بشكل يومي «كنا بآخر سرفيس، ولما صار دورنا بعد ساعة وربع من الانتظار فتح عنصر الأمن باب السرفيس بقوة بالغة، وصرخ «اطلاااااااع» لدرجة كدنا نخرج من السرفيس بكليتنا لهول وقع هذه الكلمة، فبعد انتظار ساعات لم يخطر بباله حتى رؤية الهويات الشخصية كما العادة الدارجة».
ريم تفضل الذهاب يوميًا إلى دوامها الجامعي مشيًا على الأقدام، على أن تتحمل وقاحة عناصر الحواجز وبرودة أعصابهم –على حد تعبيرها- وتذكر بإحدى المرات حديثها مع سائق التكسي «عمو نحن مستعجلين كتير وعنا امتحان وما بقى نلحق نوصل ع الجامعة»، ليتعاطف معها السائق وينطلق عبر الخط العسكري، لكنه عند وصوله إلى الحاجز، وشرح القصة للعناصر، لم يسمع كلمة «اطلاع» وأجبر على العودة والوقوف في دوره، ليزداد تأخر ريم تأخرًا إضافيًا.
ويذكر أهالي منطقة الكسوة (ريف دمشق) أن رجلًا ملثمًا من أهالي المناطق المنكوبة النازحين، يقف مع عناصر الأمن عند حاجز الفرقة الأولى، ويشرف معهم على عملية التفتيش، ويطلبون منه التعرف على الناشطين، ومن شارك في الثورة، لتأتي كلمة «اطلااااااع» السحرية لسائقي السيارات، بعد أن ينهي الملثم عمله.
وعلى الحاجز الأمني المتمركز عند جسر الرئيس (البرامكة)، يقف الطابور من أول مفرق مشفى التوليد حتى مفرق الفورسيزون، بانتظار دورهم، ليبدأ مسلسل التعليقات الساخرة من عناصر الحاجز، يفتحون باب السرفيس مثلًا «وين هو الإرهابي.. أفي إرهابي معكم.. اطلااااااع لكان»، وكذا الحال عند الحاجز في شارع الثورة، وموقف الحياة، وغيرهم الكثير من حواجز العاصمة، حيث يقتصر وجود الحاجز على افتعال الضغط المروري، دونما تفتيش أو مقارنة الهويات الشخصية مع قوائم بحوزتهم لمطلوبين للأفرع الأمنية، مع ضحكات ساخرة غير آبهين بمشاعر من ينتظر دوره ليجتاز الحاجز ساعات وساعات.
بينما ترى سمية (المهجرة من داريا إلى صحنايا) أن تعليقات عناصر الحاجز تختلف حسب راكبي السيارات، ومقلّي السرافيس والباصات، وكلما وجدوا أشخاصًا من المناطق المنكوبة بدأت تعليقاتهم واتهاماتهم لهم بتخريب البلد، وتذكر سمية أنها تعرضت مرات عديدة لمضايقات على الحواجز لكونها من داريا، مع سؤالهم المستمر عن زوجها وأبنائها وإخوتها، إن كانوا خارج داريا، أم ما زالوا يجاهدون في الداخل –على حد تعبيرهم الساخر- وتذكر إحدى المرات وبعد أن انتهى مسلسل التحقيق شبه اليومي معها، صرخ عنصر الحاجز بسائق الباص «اطلاع.. مع أنو في معكم ناس ما بتستاهل، جايين يقعدوا عنا لنحميهم، ورجالهم عم يجاهدوا بداريا، الرجال فيهم يجي يحمي زوجته وأولاده وأهله، مو يتركهم لوحدهم وحضرته عايش على كيفه، قال عم يجاهد قال».
وفي الوقت ذاته تذكر سارة أنها عاينت عدة حالات جيدة لتعامل عناصر الحواجز الأمنية مع المارين، وأكثر من مرة يقوم العنصر بفتح باب المركبة بطريقة لائقة، ويلقي السلام والتحية على الركاب، ويسألهم إن كانوا يريدون شرب الماء أيام الصيف الحارة، ويطلب هوياتهم بطريقة لبقة، ويعيدها بمنتهى الذوق، مع اعتذار منهم بحجة هيك الأوامر، ثم يأمر سائق المركبة «اطلاع، ولا تواخذونا الأوامر من فوق، والشغلة أكبر منكم ومنا».
ويبقى المواطن السوري كل يوم قبل وبعد دوامه ينتظر كلمة «اطلااااااع» ليجتاز الحواجز الأمنية، ويصل حيث قصد.