العنف يقتحم ثقافة الأطفال

  • 2014/03/23
  • 8:09 م

«يبعتلك شي قذيفة تطيرك»، «يبعتلك سكود يمحيك وعنقودي يساويك شقف»، هذه العبارات باتت الأكثر شيوعًا على ألسنة أطفال المناطق المحاصرة في الريف الدمشقي خلال لعبهم فيما تبقى من ساحات مدنهم المدمرة نتيجة تأثرهم بالعنف المسيطر على المكان؛ فيما دفع الموت المحيط بهم من كل جانب البعض منهم ليحلموا ببعض السلام والهدوء «لما نروح ع الجنة بكرة».

وتوضح آمال، إحدى المشرفات في المدرسة البديلة في مدينة داريا، أن تمثيل مشهد «المعركة» هو اللعبة المفضلة للصبية المحاصرين في المدينة، إذ يحملون العصي على أنها أسلحة، ويتبادلون إطلاق النار، ويتمركز بعضهم خلف شبابيك باص معطل على أنهم قناصون، فيما يأخذ أحدهم دور القائد الذي يعطي الأوامر لبقية «المقاتلين على الجبهة»، وتضيف آمال بأن لعبهم لا يقتصر على القتال، بل إنهم يقومون بإسعاف الجرحى، وتشييع الشهداء.

كما يعيش أطفال الريف الشرقي واقعًا مشابهًا تسوده لغة السلاح التي طغت على أي صوت آخر، وحيث نشأ بعض من الأطفال المحاصرين هناك وايمانهم أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لحل المشكلات؛ فعامر ذو الخمسة والذي يعمل والده طبيبًا في مشفى ميداني أصبح سريع الغضب، ولا يتحمل المزاح، ويهدد بأن عناصر الجيش الحر الذين يترددون على المشفى الميداني «سيطلقون النار» على أي شخص يزعجه.

وكذلك كان لانتشار المظاهر المسلحة تأثير مشابه على الأكبر سنًا، فالسيدة أم صلاح أوضحت أن ابنها صلاح (11 عامًا)، وأقرانه، يميلون إلى العنف واستخدام مصطلحات لفظية عنيفة، ويبدون الاستعداد للنزاع والعراك، وأن القوّة هيمنت بينهم في المدارس؛ وتتابع أم صلاح متحدثة عن ابنها أنه «رغم خوفه وخشيته من أصوات الاشتباكات والقصف، إلا أني لاحظت أنّ شيئًا لم يعد يثنيه عن فعل ما يريد، ومن الصعب جدًا أن ينفّذ ما يطلب منه»، وتوضح أم صلاح أنه «أمر يشتكي منه القائمون على المدارس حيث السيادة للقوة بين الطلاب».

ظاهرة الميل للسلوك العنيف، واعتماده لحل المشكلات لم يكن الانعكاس الوحيد على الأطفال الذين عايشوا حوادث عنيفة؛ فمحمد البالغ من العمر خمس سنوات لا يزال يعيش تأثير لحظة مر عليها عام كامل حسبما ما تقول والدته السيدة هبة؛ فمحمد وبعد أن شهد قصفًا جويًا مع أمه وإخوته «لا يكاد يسمع صوت الطيارة حتى يختبئ تحت السرير أو الطاولة ويجرّني من يدي لأختبئ معه»، وتوضح أم محمد أن الفترة التي تلت القصف الجوي مباشرة كانت منهكة بالنسبة لها، فمحمد كان يصرخ فزعًا خلال نومه، ويبكي بشكل متسمر شاكيًا من أوجاع جراحه النفسية والجسدية.

وتحدثت السيدة إيمان المقيمة في الغوطة الشرقية أيضًا عن الفكرة الفريدة التي كونها ابنتها عائشة (عامان) عن السيارة، فنتيجة لندرة استخدام السيارات في الغوطة الشرقية لغلاء أسعار الوقود فإن عائشة لم تعتد رؤيتها، لذا تظن أنها أداة حربية «مخيفة»، وما إن ترى سيارة حتى تختبئ وراء أمها وتنادي «سيارة.. سيارة»، وقد فشلت كافة المحاولات لتعليمها أن «السيارة لا تقتل، وأنها وسيلة نقل لنركب بها».

تعبير الأطفال عن أفكارهم ومخاوفهم التي كونوها نتيجة التجارب القاسية التي مروا بها اختلف أيضًا من طفل لآخر، فالأخوان اليتيمان سامر وسليم (أربع أعوام وست أعوام) يمضيان ساعات في تكفين دماهم بقماش أبيض، ومن ثم دفنهم، وتضيف إحدى قريبات الطفلين بأنهما يمثلان دور الأب الذي فقد ابنه أحيانًا، وأحيانًا أخرى يمثل أحدهما دور الشهيد بينما يودعه الآخر. وتوضح الأخت الأكبر للطفلتين ريم ورؤى أن معظم لعبهما يتمثل في حضن دماهم – “أولادنا» كما تقول الطفلتان- لحمايتهم من القصف.

أما زيد ذو الخمسة أعوام وذو المخيلة الواسعة فإنه يعبر عن مشاهد القصف وإطلاق النار، وكذلك واقع النزوح الذي يعيشه، من خلال رواية القصص عن شخصيات معظمها عن عائلات من الحيوانات فقدت منازلها، وألعابها، وعن شخصيات أخرى من «الأشرار» الذين طردوا الآخرين من منازلهم، و «فجّروا «حديقة الألعاب، ولكن، وحسب ما ترويه قصة زيد، «ما حدا بحبهم للأشرار»، و “بكرة الله بدو يعاقبهم».

مقالات متعلقة

  1. نحو طفولة مسالمة.. مشروع لإنقاذ الأطفال في ريف اللاذقية
  2. اطلبوا العلم، ولو بواسطة بيك آب
  3. حديقة ألعاب لأطفال صوران بريف حلب
  4. "يونيسيف" تحذّر من آثار كارثية على أطفال حلب

أسرة وتربية

المزيد من أسرة وتربية