قرآن من أجل الثّورة 109
دلال حسّون – الحراك السّلمي السّوري
- ظلم الإنسان لنفسه
من أروع ما كتبه داعية اللاعنف جودت سعيد أن العيب ألّا يكون هناك تنافس في الخير ويبقى التنافس محصورًا في الشر. البشر يتنافسون في الشر، لكن التاريخ في جانب آخر، فالزبد يذهب جفاءً، ويمكث في الأرض ما ينفع الناس. ينبغي أن نفهم اتجاه رياح التاريخ، فإذا عرفنا ذلك أمكننا أن نقلّل زمن المعاناة. وما يعطي أهمية لمثل هذا التحليل الفلسفي للمشكلة السياسية والاجتماعية هو تلمّسه وانتباهه وملاحظته للواقع، وهذا ما ساعد على الانتباه إلى الفلسفة القرآنية التي تحكم المجتمعات، وهي فلسفة وحكمة وسنّة وقانون {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} (آل عمران، 165). إن القرآن يوجه إلى الظلم الذي يُلحِقُه الإنسان بنفسه أكثر من الظلم الذي ينزل عليه من الآخرين، هذا اتجاه في فهم طبيعة الإنسان {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} (النساء، 79) {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النحل، 33). وحين يقص علينا قصة آدم والشيطان، فآدم الذي عصى ربه هو وزوجه كان جوابهما {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} (الأعراف، 33) ولم يقولا إن الشيطان أغرانا أو خدعنا. مع أن القرآن يصرّح أن الشيطان مارس الإغراء حين قال لهما {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (الأعراف، 20). هذا دليل على قدرة الإنسان على الاعتراف بالمسؤولية وتحمّل التبعة وعدم البحث عن كبش فداء، وعدم تحميل حدوث الخطأ والمعصية للآخرين. أمّا موقف الشيطان في الامتناع عن السجود، فقد ذكر تفسيرين لذلك، معنوي ومادي. المادي في قوله {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف، 12) وافتخاره بأصله المادي. والمعنوي مبني على تنصّله ورفعه المسؤولية عنه في قوله {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأعراف، 16). وفي هذا الحدث يتبين لنا السبب الذي من أجله وقعت اللعنة على إبليس، في حين استُخلف آدم وزوجته وذريتهما في الأرض. لأنهما تحملا المسؤولية، وقبلا التحدي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :