لعب دور «العميل السري 007»، أو جيمس بوند، عدة ممثلين، كان الشرط الأول فيهم أن يكونوا وسيمين. فالمهمة الأولى لمستر بوند، جيمس بوند، أن يُسحر سائر العميلات من صفوف الأعداء. ولذا، اشترط له مخترع الشخصية، إيان فليمنغ، حداً معيناً من الوسامة وخفة الحركة.
كان أول من لعب الدور، كما أشرت في الحلقة السابقة، الممثل الاسكوتلندي «شون كونوري». وبعد تخليه عن الدور إلى بطولة أفلام أكثر جدية ودرامية، أصبحت صحف العالم تلقبه «الرجل الأكثر جاذبية على الكوكب». وأصبح الرجل في الصف الأول من رجال الشاشة، وربما لمرحلة النجم الأول أيضاً.
أين يحتمل أن تلتقي المستر كونوري: في لندن، في نيويورك، في جنوب فرنسا، على الرحلة إلى باريس، حيث يصادف مقعدك أحياناً إلى جانب بيتر أوستينوف؟ لا هذه ولا تلك. التقيت شون كونوري ذات مرة وقت الغداء في مطعم أحد فنادق حماة، أو لعله الفندق الوحيد. وكان كونوري وزوجته جزءاً من مجموعة بريطانية تقوم بجولة سياحية في مدن سوريا التاريخية. في ذلك الفندق البسيط، الذي يمر به النزلاء نادراً، كان سهلاً التحدث إلى «شون»، فهو خالٍ إلا من المجموعة.
كانت زوجته الفرنسية قد تقدمت عنا بضع خطوات، عندما ذكَّرت كونوري بمقابلة بالأبيض والأسود أعطاها في بدايات عمله، وفرح فرحاً شديداً، ونادى على زوجته يقول: تعالي، اسمعي عمَّا يتحدث صاحبنا هنا! ولم تبدِ الزوجة الحماس نفسه. وإذا كان كونوري «الرجل الأكثر جاذبية على الكوكب»، فإنها لم تكن إطلاقاً في تلك الدائرة؛ كانت متقدمة في السن بوضوح، ولها مظهر ربة منزل في الريف الفرنسي (ميشلين روكبرون). أما هو (عام 1998)، فلم تكن آثار العمر تبدو عليه. أو بالأحرى، كانت تزيد في هيبته.
عجيبة السينما؛ كم تضيف إلى أهلها. عندما راح كونوري يستقل الباص مع بقية المجموعة لإكمال الرحلة، بدا مثل أي إنسان عادي في أي مكان. لم يكن يميّزه عن بقية الفريق أي شيء. ولو كانت هناك كاميرا تصوِّر تنقلات الرَكْب، لما توقفت طويلاً أمام الرجل الذي منحته بلاده لقب «كنز اسكوتلندا الأكبر». لكن ثمة حضوراً أخاذاً كان يرافق المستر كونوري ونحن نودعه على درج الباص؛ حضور التواضع العملاق لابن سائق شاحنة وامرأة تنظف البيوت وقد أصبح أحد أثرياء العالم.
إلى اللقاء..