إدلب – طارق أبو زياد
“مهما طال الزمن وعلا الشأن، نبقى لاجئين خارج وطننا، وطريقنا الأخير هو العودة”، يقول الشاب الثلاثيني تيسير الحلو، الذي قرر الاستقرار في مدينته إدلب، بعد عودته خلال عطلة عيد الفطر من تركيا، التي وصلها لاجئًا قبل حوالي أربع سنوات.
وشهدت محافظة إدلب ومناطق الشمال السوري هجرة عكسية من المدن التركية، وبينما عاد عشرات الآلاف من السوريين لقضاء عطلة العيد مع أقاربهم، قرّر قسمٌ كبيرٌ منهم البقاء والاستقرار في الداخل.
ويرى الحلو أن “أرض المهجر ليست أرضنا، ولن نجد أطيب من تراب الوطن”، كما أن الهدوء النسبي وعودة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها في الشمال السوري، كان سببًا رئيسيًا في قرار كثيرٍ من العائدين، فكانت إجازة العيد كفيلة في تحقيق ما يصبون إليه.
افتتاح مشاريع خاصة
توجه إلى سوريا أكثر من 68 ألف سوري، من خلال معبر “باب السلامة”، وفق إدارة هجرة المعبر من الجانب التركي، وعاد فقط ثمانية آلاف شخص، حتى مطلع تموز الجاري.
بينما تجاوز عدد العائدين إلى سوريا، من معبر “باب الهوى”، 80 ألف شخص. |
الرغبة بالنهوض بواقع مدينته بعد سنوات من الحرب، دعت الحلو الذي عمل في متجرٍ لبيع القهوة في أنطاكيا التركية لاتخاذ قرار الاستقرار، كما يوضح لعنب بلدي.
ويضيف الشاب “من الواجب علينا أن نكون في سوريا حاليًا، لإعادة الحياة إلى مدينتنا، وسأفتتح مشروعًا تجاريًا بالمال الذي ادّخرته من عملي”.
لم يعتمد الحلو بعد على مشروعٍ محدد، إلا أنه يدرس الكثير من الأفكار، من بينها متجرٌ للقهوة يستفيد به من خبرته بالعمل في أنطاكيا.
صعوبة العيش في تركيا
أسبابٌ أخرى دفعت البعض للتفكير بالاستقرار داخل سوريا، ومنهم الشاب براء غزوان، الذي وصل حديثًا إلى ريف إدلب الشمالي، قادمًا من تركيا ويرى المعيشة فيها صعبة، “كنت أعمل لساعات طويلة في معمل لصناعة البلاستيك”.
لم يكن دخل غزوان المادي كافيًا للعيش مع عائلته الصغيرة في تركيا، كما يقول لعنب بلدي، ويضيف “يمكنك العمل في سوريا بمجالات مختلفة، وتستطيع الحصول على مردود مادي قريب للدخل في تركيا، كما أن تكاليف المعيشة هنا أقل بكثير”.
يقترح الشاب العشريني مشاريع مختلفة، من بينها بيع المحروقات، ويراها كفيلة بتوفير مصاريف المعيشة، “إن كان العمل ميسرًا تدّخر المال وتبدأ ببناء حياتك، أما في تركيا فقد أصبحنا كالآلات، إلى جانب الغربة، بعيدًا عن الأهل”.
معظم السوريين في تركيا يعملون في المعامل ويحصلون على أجور منخفضة، مقارنة مع اليد العاملة التركية، كما يحرمون من الضمانات والتأمينات.
دراسة للواقع في الداخل
بحُكم طول مدة زيارة العيد، يدرس العشرات ممن دخلوا سوريا من تركيا الواقع في المناطق “المحررة”، ومنهم الشاب غالب حداد، الذي وصل مع عائلته إلى مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، ويقول لعنب بلدي إنه ينوي البقاء في سوريا لدراسة إمكانية الاستقرار.
ورغم سعيه للبقاء، إلا أن الشاب يتخوّف من الوضع الراهن، موضحًا “سأدرس وضع العمل والمعيشة والأمان، وأبقى إن كان مناسبًا لي، وفي حال لم أقتنع بالاستقرار يُمكنني العودة إلى تركيا فإجازتي معي”.
البعض يرى تركيا أفضل
يرى طبيب الأسنان ياسر زكور، الذي يعمل في تركيا، ووصل إلى مدينة سرمدا في ريف إدلب الشمالي، خلال عطلة العيد، أن العمل في تركيا بالنسبة له أفضل حاليًا، “حتى يحين وقت العودة”.
“الوضع مايزال متوترًا هنا، رغم توقف القصف”، يقول طبيب الأسنان، مضيفًا “في أي لحظة قد يعود الطيران، أو تبدأ معارك جديدة، ورغم أن الجميع يحلم بالعودة إلى وطنه، وأنا منهم، إلا أني أخاف تكرار المأساة التي دعتني للخروج”.
ويعتبر زكور أنه استطاع تخطي أغلب الصعوبات في تركيا، مردفًا “ليس من السهل هدم ما بنيناه والعودة إلى مكان لم يتضح مستقبله بعد”.
ويعزو مراقبون بقاء الآلاف من السوريين لاستقرار الأوضاع في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” منهما، خلال عملية “درع الفرات” التي بدأت في آب 2016، إضافة إلى تحييد محافظة إدلب عن القصف الذي استمر باستهداف مناطقها الحيوية لسنوات، بموجب اتفاق أستانة الموقّع في أيار الماضي.
تحتضن تركيا حوالي ثلاثة ملايين سوري، وفق الإحصائيات الرسمية الأخيرة، ويرى معظم من استطلعت عنب بلدي آراءهم من السوريين أن صعوبات العمل فيها سبب رئيسي في قرار البقاء في الداخل، رغم أن آخرين اختاروا العودة ليكونوا “اليد العاملة التي تبني سوريا المستقبل”، وفق تعبيرهم.