أسباب العنوسة في سوريا

  • 2017/07/09
  • 2:09 ص

لاجئة سورية تتبادل خبرات الحرب مع التجربة اليونانية (MEE)

عنب بلدي – حنين النقري

كثيرة هي المؤسسات التي طالتها يد الحرب، وعندما نقول مؤسسات لا نقصد بذلك دوائر النظام وهيئاته التعليمية، والقضائية، والصحية، وسواها، بل ما نعنيه، إضافة إلى ما ذُكر، المؤسسات الاجتماعية، كالزواج، الأسرة، الدين، والتي طرأ عليها من التبدلات والتغيرات في السنوات السابقة ما يستلزم سنواتٍ أخرى من البحث والدراسة والتوثيق.

ولئن لم يكن ثمة دليل على كون مؤسسة الزواج الأكثر تضررًا من الحرب من بين ما سبق، فلعلّ تأثرها بها هو الأكثر وضوحًا وقابلية للقياس، بداية بالتذبذب بين زيادة الإقبال على الزواج والإحجام عنه، وتسهيل شروط الزواج في سنوات الثورة الأولى أو جعلها تعجيزية من جديد، وانتشار الطلاق وتعدد الزواج، وزواج القاصرات، وليس انتهاء بنسب العنوسة المتزايدة، والتي كان القتل، والاعتقال، والتجنيد، والتهجير عوامل رئيسية في زيادتها.

“وهذه عروس أخرى يعتذر أهلها عن تزويجها، تخيلي رغم أننا نعيش في بلد كلها نساء لكنني لم أعثر لأخي حتى الآن على زوجة”، تقول السيدة أم وليد بنفاد صبر بعد الخبر المزعج الذي أتاها للتو، وتضيف “صار عمره 35 سنة، عندما كان أبي الله يرحمه بعمره كان أكبر أولاده بالمدرسة”.

تبحث السيدة أم وليد (45 عامًا (من ريف دمشق ومقيمة في دمشق، منذ أكثر من عام عن عروس لأخيها، لكنها حتى الآن لم توفّق بالعثور على “ابنة الحلال” حسب التعبير الدارج، وتشرح سبب تعسّر بحثها “المشكلة هي أن أخي في ألمانيا، لا يوجد هناك أحد ليبحث له بين اللاجئين السوريين عن زوجة، لذا طلب مني أن أبحث له هنا في محيطي”.

لو كنتُ في حرستا

في البداية ظنّت أم وليد أن وجود أخيها في ألمانيا سيكون عاملًا لصالحه في الزواج، “فمن تلك التي لا ترغب بفرصة للخروج من هذه الحياة الصعبة إلى أوروبا”، حسب تعبيرها، لكن الواقع فاجأها بعكس ذلك، تقول “في الفترة الأخيرة لم يعد وجود الشاب في أوروبا ميزة إضافية، بل أصبح سببًا لتخوف الأهل على مصير ابنتهم، إذ لم تعد النظرة لأوروبا مثالية كما كانت أمام القصص التي تنتشر في الإعلام بين حين وآخر عن القتل والانتحار والانتقال لدين آخر، وسوء معاملة أهل البلاد للاجئين والعنصرية ضدّهم، وهي مخاوف صرّحت بها بشكل مباشر العديد من الأمهات اللواتي قابلتهنّ لخطبة بناتهنّ، ورغم أن الشباب في سوريا صاروا أقلية مقارنة بأعداد البنات إلا أن معظم الأهالي لا يرغبون بإرسال ابنتهم للمجهول، وهو ما يزيد من نسب عنوسة البنات والشباب على حد سواء”.

في حالة أم وليد، ثمة سبب إضافي يعسّر عليها مسألة الخطبة لأخيها، وهو نزوحها، تقول عن ذلك “لو كنت في حرستا، لكنتُ وجدتُ عروسًا لأخي خلال نصف هذه المدة، فمعارفنا وأقاربنا كثر ويمكن أن أدخل بيتين أو ثلاثة في اليوم الواحد، أما هنا فأنا غريبة ولا أحد يعرف أصل الشاب ولا فصله، وبصراحة لا يوجد الكثير ممن يرغب باستقبال خطابة نازحة، لذا بالكاد أتمكن من جمع عناوين عائلتين أو ثلاث خلال شهر واحد”.

زوجة أوروبية

خلافًا لحالة أم وليد وأخيها، يرفض ماجد (32 عامًا)، لاجئ سوري مقيم في السويد، الزواج من شابة سورية، سواء كانت مقيمة في سوريا أم أوروبا، ويعلل ذلك بقوله “غلاء المهور، العنوسة موجودة من قبل الثورة، والسبب الرئيسي فيها غلاء المهور وسوء الأحوال الاقتصادية، لا يصل العريس ليوم عرسه إلا يكون مثقلًا بديون تلاحقه سنوات بعد هذا اليوم، لكن هذه التكاليف صارت لا تطاق بعد أوضاع الثورة، فكيف يمكن للشاب الذي خسر تعليمه وعمله وهرب بحياته من بلده أن يدفع مهرًا يبدأ من خمسة آلاف دولار ولا حدّ أعلى له؟ الكثير من أصدقائي تزوجوا أوروبيات وهم سعداء بزيجاتهم، إقامة وجنسية مضمونة، لا غلاء مهور، ولا تكاليف حفلات وفساتين و(ملبوس بدن)، هل يحتاج الزواج لكل هذه المظاهر؟”.

يضيف ماجد إلى غلاء المهور سببًا آخر يمنعه من الزواج من سورية، يقول “أخاف من أن يكون قبول الشابة بي وسيلة لوصولها إلى أوروبا، وهو أمر منتشر بكثرة، بعد أن يخطب الشاب ويعمل بجهد للم الشمل ويتكلف على الخطبة ومتطلباتها، تأتي الفتاة إلى أوروبا ليتفاجأ بتركها له ورغبتها بأن تعيش حياتها، فكيف أضمن أنني لن أقع بنفس الفخ؟”.

أبي وأمّي

في جلستهنّ الأسبوعية تجتمع بيان وآلاء مع صديقاتهنّ الأربع في منزل دمشقي، ورغم اختلاف الأعمار، والاختصاصات الدراسية، والعمل، إلا أن القاسم المشترك بينهنّ هو كونهنّ غير متزوجات، ولكل منهنّ سببها الخاص، تقول بيان (31 عامًا)، وهي مهندسة إلكترون، “يمكنني أن أقول كالجميع أنه لم يتقدّم لي شخص مناسب بعد، لكنني أعرف أنني لا أقول الحقيقة، بصراحة السبب الرئيسي هو أن أبويّ كبرا في السنّ، وبات اعتمادهما عليّ كليًا تقريبًا، وهو أمر من الصعب أن يتقبله أي زوج مهما أبدى تفهّمه الأوليّ، هل سيقبل أن أبيت عند أهلي لمراقبة وضعهم الصحي ومرافقتهم للطبيب وإعطائهم الدواء وشراء حاجيات المنزل؟ لا أخ شاب لديّ ليقوم بكل هذا، وأخواتي متزوجات ومسافرات خارج سوريا، لذا قررتُ البقاء مع أهلي في شيخوختهما وفي ظروف البلد السيئة، مهما كانت تبعات هذا القرار”.

أخرجوا المعتقلين

تتهكم آلاء (29 عامًا (، وهي خريجة أدب عربي، على الواقع الحالي بقولها “ليش ضل فيه شباب بالبلد؟”، لتروي بعدها قصتها مع عزوبيتها “كنتُ مخطوبة لابن عمي منذ تخرجتُ من الجامعة، لكنه سافر إلى أوروبا بعد الثورة، حاول جاهدًا أن يلمّ شملي لكن طلبه لقي الرفض مرة بعد أخرى، بعد الكثير من المحاولات الفاشلة وبإصرار من أمّه فسخنا الخطوبة، وخطب هو فتاة سورية حيث يقيم”.

ورغم انزعاجها من ضياع سنوات ارتباطها بابن عمها هباء، تستدرك آلاء قائلة “الحمد لله، من يرى أحوال الناس وقصصهم يجد نفسه في نعمة، على الأقل كنتُ أنتظر شخصًا أراه بعيني، صديقتي حتى الآن تنتظر خطيبها المعتقل، بعد أربعة أعوام ونصف من اعتقاله مازالت تنتظره، اعتقله الأمن قبل زفافه بشهر، وخرجت الكثير من الإشاعات أنه استشهد في السجن، لكنها مازالت تنتظر”.

تصمت آلاء تأثرًا بضع لحظات، تقول بعدها “النظام مسؤول عن كل الأزمات التي نعيشها في هذا البلد، فهو من هجر الشباب وجنّدهم واعتقلهم وقتلهم، ولو كان النظام يرغب في حلّ أزمة العنوسة لأخرج المعتقلين من سجونه، أو لسهّل حركة الشباب في البلد، بدل أن يدعو القاضي الشرعي في دمشق للزواج مرة ثانية، لكن نظام الأسد عدوّ للشباب، كان ومازال”.

الزواج في أرقام

  • صرح القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، أن أعداد الإناث تزايدت خلال السنوات الخمس الأخيرة، بنسبة تجاوزت 65%.

  • تقدّر نسبة العنوسة بين الإناث في سوريا بـ70%، وهي من النسب المرتفعة في العالم العربي.

  • أشار معرواي أن أكثر من 50% من عقود معاملات الزواج أو تثبيتها تتم بموجب وكالات من خارج سوريا، موضحًا أن هذا مؤشر على تزايد الهجرة.

  • بلغت نسبة تعدد الزوجات عام 2015، بحسب الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية التابعة لمدينة دمشق، نحو 30% مقابل 5% عام 2010.

  • أشار عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية في سوريا، في حديثٍ إلى صحيفة تشرين، إلى ارتفاع تدريجي لسن الزواج للجنسين، “فمتوسط العمر عند الإناث 25 سنة وللذكور 30 سنة”.

  • زاد الطلاق في سوريا بنسبة 25% حسب سجلات المحكمة الشرعية في دمشق.

  • يشكل عدد معاملات زواج القاصرات في دمشق 10% إلى 15% من معاملات الزواج حسب المعراوي، وهو ضعف ما كان عليه قبل الثورة.

مقالات متعلقة

المزيد من