في ذكرى انقلاب يوليو
محمد رشدي شربجي
كنت أريد الكتابة عن الاتفاق الروسي الأمريكي على تهدئة جنوب غرب سوريا، ولكن ماذا يمكن أن يقال والسوريين فقدوا أي قدرة على التأثير، ولو هامشيًا، منذ أمد بعيد. الاتفاق لم يحضره سوري من أي طرف، وحضره طرف عربي بحكم اعتباره منطلقًا للعمليات العسكرية لا أكثر، فماذا يمكن أن يقال!
ولعلّ الاتفاق الروسي الأمريكي الحديث فرصة جيدة لتذكيرنا مرة أخرى بمصير الربيع العربي، الذي ضاع رسميًا يوم الانقلاب الممول خليجيًا على الرئيس محمد مرسي في 3 تموز/يوليو، وهي مناسبة مرت ذكراها الرابعة الأسبوع الماضي، فقد يقال الكثير عن سوريا ودورها وأهميتها، ولكن الحقيقة باعتقادي أن الربيع العربي هو لا شيء أكثر من الثورة المصرية التي كانت نهايتها بداية تعثر الثورات العربية.
قرأت في ذكرى انقلاب السيسي بيان محمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل، من محبسه، يشتم فيه الإخوان، ويذكرهم بأخطائهم التي أوصلت حال مصر لما عليه الآن، دون أن يشير ولو من بعيد لخطأ حركة 6 أبريل في المشاركة بمظاهرات 30 تموز/يونيو.
البيان سيئ ككاتبه، وينضح غرورًا وتكبرًا للأسف، ولسبب ما كنت أفترض أنه قد حان الوقت بعد أربع سنوات من الانقلاب أن تبدأ مراجعات ونقد للذات بعد أن جمعت السجون الجميع، خاصة مع التقرير الممتاز الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين والتي قيمت فيه تجربتها على مدى ست سنوات وسلطت الضوء على الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها.
بدون تعميم، هناك استبطان علماني للسلطة للأسف، حتى لدى العلمانيين الموجودين في صفوف المعارضة، إحساس دفين من نوعٍ ما أن انتهاك السلطة بحق العلمانيين لا يجب مقارنته بحق الإسلاميين، وأنه طبيعي إلى حد ما أن تكون عقوبة الإسلاميين بأقصى مما اقترفوه أضعافًا مضاعفة، وأن “مكان الملتحين الطبيعي هو السجون”، كما قالها مرة أحد معارضي حكم بن علي التونسي السابقين في وجه الغنوشي.
في أحداث قصر الاتحادية قتل حوالي 12 شخصًا أكثر من نصفهم من الإخوان المدافعين عن بيت محمد مرسي، بعد أن تخلت الشرطة عن مهامها، حتى اليوم! وبعد مجزرة رابعة العدوية، ومجزرة الحرس الجمهوري، وميدان النهضة وعدة آلاف من أحكام الإعدام، وعشرات آلاف المعتقلين، يكاد لا يخلو بيان “تعاطف” مع الإخوان من تذكيرهم بجريمتهم البشعة تلك.
يذكرني هذا بحالة “نضال جنود” في سوريا. نضال جنود شاب علوي قتل في بانياس، وبغض النظر عمّن قتله وإن كان قتله مرتبطًا بأحداث الثورة أم لا، إلا أن أوساط المؤيدين مقتنعة تمامًا أن من قتله هم “الثوار الطائفيون”، ولأشهر طويلة جدًا بعد هذه الحادثة التي حدثت في أيام الثورة الأولى، لا يرتكب نظام الأسد مجزرة يذهب ضحيتها عشرات الشهداء إلا ذكر أنصاره أن هذا رد على مقتل نضال جنود.
يبدي عموم العلمانيين تفهمًا قليلًا (ليس نادرًا طبعًا تحميل الإسلاميين مسؤولية قتل السلطة لهم) للكوارث التي حلّت بإسلاميي مصر ومجتمعاتهم وعوائلهم وأرزاقهم، ونادرًا ما تجد بيان تعاطف مع إخوان مصر دون أن يسبقه تأكيد أن الإخوان ارتكبوا أخطاء.
قضية محمد مرسي هي من أعدل القضايا اليوم على وجه الأرض، وستجد في بلد مثل ألمانيا آلاف المناشير التي تتحدث عن رائف بدوي، المدون السعودي الذي حكمته السعودية بالجلد بسبب آرائه الليبرالية والتعاطف معه مهم وضروري بالمناسبة، ولكنك لن تجد منشورًا واحدًا يتعاطف مع محمد مرسي، واليوم بعد أربع سنوات من انقلاب دموي بشع يكافئ العالم السيسي باعتباره شريكًا أساسيًا في الحرب على الإرهاب، مع حديث متزايد في “العالم الحر” عن ضرورة وضع جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب.
لم يتبنَّ أي تيار فكري أو سياسي في العالم العربي الديمقراطية منهجًا بشكل حقيقي حتى الآن، ولا يحق لأحد أن يفاخر على أحد، ولا لتيار أن يُدرّس على تيار، لقد فشل الربيع العربي في تحقيق وعوده حتى الآن بسبب ذلك، والنقد الذاتي وإعلاء قيمة الإنسان هي بداية طريق طويل نحو الانعتاق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :