لم يستلموا العقارات لكنهم مازالوا يدفعون
بيوت الإسكان في دمشق تُقلق المكتتبين
عنب بلدي – ر. ك
في وقت أصبح فيه شراء “شقة العمر” حلمًا للكثير من الشباب السوريين، جرت العادة في العقود الأخيرة التسجيل على ما يعرف بـ “بيوت الجمعيات” أو “السكن الشبابي” التابعة للمؤسسة العامة للإسكان، وتقسيط سعر المنزل شهريًا، مع دفعة أولى “رمزية”.
ورغم طول فترة تسليم الشقق التي تستغرق عشر سنوات كحد أدنى، يرى بعض السوريين بذلك خلاصًا في السعي نحو تملّك منزل يضمن لهم ولأولادهم استقرارًا سكنيًا ونفسيًا واجتماعيًا، ويضمن للشباب في مقتبل العمر فرصًا أكبر بالزواج.
ماذا حل بالمكتتبين قبل عام 2011؟
بعد الأحداث الأمنية الأخيرة في سوريا والتدهور الاقتصادي الذي شهدته الأعوام التالية للثورة السورية، زادت مخاوف المسجلين على بيوت الجمعيات، حول إمكانية تسليمهم البيوت على الموعد في ظل العجز الاقتصادي الذي تعانيه الدولة والمؤسسات التابعة لها، بما فيها المؤسسة العامة للإسكان.
عنب بلدي تواصلت مع السيد أحمد الخاونجي، أحد المكتتبين على بيوت الإسكان في دمشق عام 2004، ضمن المشروع الذي أطلقته المؤسسة العامة عام 2002، تحت اسم “مشروع السكن الشبابي”.
الخاونجي (40 عامًا) قال إنه من المفترض أن يستلم منزله بعد 12 سنة من التسجيل، ليصادف موعد التسليم عام 2016، إلا أنه وبعد مراجعته للمؤسسة العام الماضي، قيل له إن البيوت لم تُنجز بعد وإن المؤسسة اشترت الأرض في منطقة الديماس بريف دمشق، وإن الأبنية مازالت قيد الإنشاء.
وأضاف أن موظفًا في المؤسسة أخبره بألا يحسب سنوات “الأزمة” الست، لأن العمل في المشروع توقف فيها تمامًا، وأن عليه أن يحسب السنوات منذ عام 2004 وحتى عام 2010، ويستكمل من عام 2017 إلى أجل لم يحدده الموظف.
وعن الدفع، قال الخاونجي إنه مازال يدفع شهريًا أقساط المنزل في المصرف العقاري بدمشق رغم فقدانه الأمل في استلام البيت قبل خمس سنوات كحد أدنى، وأضاف أن “الدولة مازالت تأخذ منا الأقساط الشهرية بسبب العجز الذي تعانيه دوائرها، وتسدد منه رواتب موظفيها”.
إلا أن القلق الأكبر، على حد تعبير الخاونجي، يكمن في وضع المؤسسة أسعارًا تخمينية “خيالية” لبيوت مشروع الإسكان بعد غلاء الأسعار وانخفاض قيمة الليرة، وأصبحت الأسعار تفوق قدرتهم وتتنافى مع القيمة الفعلية التي تم الاكتتاب عليها، رغم المواظبة على الدفع طيلة السنوات الماضية بما يتناسب مع قيمتها الحقيقية أثناء الاكتتاب وليس كما حددتها المؤسسة اليوم.
وأضاف الخاونجي أن السوريين الآن “بأشد الحاجة إلى بيوت نتيجة حركات النزوح والتهجير والدمار الذي شهده البلد في السنوات الأخيرة، والذي تبعه ارتفاع كبير بأسعار إيجارات البيوت”، مناشدًا الجهات المعنية بالتسريع في تسليم البيوت للمكتتبين.
هل أثّر ارتفاع الدولار على الأقساط الشهرية؟
حظيت بيوت السكن الشبابي باهتمام كبير من قبل سكان دمشق نتيجة الأسعار “الرمزية” التي يدفعها المكتتبون سواء الدفعة الأولى أو الأقساط الشهرية.
السيد “أبو محمد”، أحد المكتتبين على مشروع “السكن الشبابي”، في إعلانه الثاني عام 2004، قال إنه سجل على البيت ليزوج ابنه الصغير فيه والذي أصبح عمره اليوم 27 عامًا، على أمل أن يستلمه عام 2016.
وأضاف أنه دفع مبلغًا اعتبره بسيطًا بالنسبة لثمن أي منزل في دمشق في تلك الفترة، إذ لم تتجاوز الدفعة الأولى 60 ألف ليرة سورية، (ما يعادل 1200 دولار عندما كان الدولار يقابله 50 ليرة سورية)، بالإضافة إلى قسط شهري قدره 2000 ليرة يدفعها حتى الآن.
أبو محمد (58 عامًا) أشار إلى أنه رغم فرق العملات وارتفاع الأسعار الذي تشهده البلد، لم يختلف القسط الشهري الذي يدفعه وظل على حاله، مشيرًا إلى أن ارتفاع الأقساط الشهرية شمل المكتتبين المتخصصين الذين عاينوا بيوتهم قبل استلامها، إذ أصبحوا يدفعون ثمانية آلاف ليرة سورية.
إلا أن أثر انخفاض قيمة الليرة السورية سيظهر جليًا عند استلام المكتتبين لبيوتهم، إذ جرت العادة على تثمين سعر البيت عند الاستلام ليستكمل المكتتب ثمنه ضمن أقساط شهرية بعد أن يسكن فيه، وعلى اعتبار أن أسعار العقارات ارتفعت بشكل كبير بعد عام 2011 فإنه في حال استلم المكتتبون بيوتهم سيضطرون إلى دفع مبالغ قد تفوق قدراتهم وتخالف القيمة الفعلية التي تم الاكتتاب عليها قبل ذلك العام.
مشاريع جديدة والقديمة لم تُنجز بعد
مع ارتفاع وتيرة قلق المكتتبين القدماء بعد تخلّف مؤسسة الإسكان عن تسليمهم البيوت رغم دفعهم ما عليهم من التزامات مالية، أعلنت المؤسسة العامة للإسكان، مطلع تموز الجاري، عن افتتاح باب الاكتتاب على مساكن الادخار في الجزء المخصص لها من مشروع “ضاحية الفيحاء السكنية” بمنطقة البجاع بريف دمشق، وبلغ عدد المساكن المعلن عنها 1150 شقة، ويستمر تقديم الطلبات عليها حتى 13 آب المقبل.
ومشروع “ضاحية الفيحاء السكنية” موزع بين المؤسسة العامة للإسكان والقطاع الخاص، إذ حصلت المؤسسة على حصتها من المقاسم على مساحة 1500 دونم ما يعادل 10% من مجمل مساحة المشروع التي بلغت 150 هكتارًا، وهذه المساحة سيبنى فيها 1150 شقة سكنية، من أصل 11 ألف شقة.
وتتوزع المساكن، وفق إعلان المؤسسة، على ثلاث فئات، وتتضمن الفئة “أ” 312 مسكنًا على مساحة تتراوح بين 125 و130 مترًا مربعًا، بقيمة وسطية تقديرية تبلغ 18.3 مليون ليرة سورية، وتكون الدفعة النقدية الأولى ثلاثة ملايين والقسط الشهري قدره 40 ألفًا.
في حين تتضمن الفئة “ب” 338 مسكنًا على مساحة من 110 إلى 120 مترًا مربعًا، بقيمة وسطية تقديرية 16.2 مليون ليرة، ودفعة نقدية أولى 2.7 مليون وقسط شهري قدره 35 ألفًا.
أما الفئة “ج” تتضمن 500 مسكن على مساحة من 100 إلى 110 أمتار مربعة، بقيمة تقديرية وسطية 14.8 مليون ليرة ودفعة نقدية أولى 2.5 مليون وقسط شهري 30 ألفًا.
وخصصت المؤسسة 50% من هذه الشقق لذوي من أسمتهم “الشهداء”، ويمكن لأبناء مدينة دمشق وريفها أو المقيمين فيها منذ خمس سنوات أو العاملين في الدولة في دمشق وريفها الاكتتاب على هذه الشقق بموجب وثيقة تثبت ذلك.
نشاط تجارة “شراء الدور”
نتيجة لطول فترة الانتظار وبسبب حاجة بعض المكتتبين إلى المال، درجت فكرة “بيع الدور” التي غالبًا ما تنطوي على حاجة البائع ومكاسب كبيرة يحققها الشاري بعد استلامه للبيت.
وتسمح المؤسسة العامة للإسكان للمكتتب ببيع دوره بعد موافقة الطرفين دون أن تتدخل في تحديد السعر المتفق عليه، حسبما قالت محامية في دمشق لعنب بلدي، فغالبًا ما تتم مناقشة عملية البيع لدى مكتب تابع للمؤسسة، والموجود حاليًا في أوتوستراد المزة بدمشق، ثم يرفع المكتب طلب البيع إلى المؤسسة العامة لينتقل الدور لاسم المالك الجديد، ويكمل بدوره الأقساط المتبقية.
إلا أن الأمور اختلفت بعد عام 2011 نتيجة هجرة الكثير من الشباب المكتتبين إلى الخارج، ونشاط سمسرة بيوت السكن الشبابي، إذ يضطر السوريون في الخارج إلى بيع دورهم بأثمان زهيدة حسب الأقساط التي دفعوها قبل انهيار قيمة الليرة السورية، والتي لا تشكل شيئًا من القيمة الحالية لأسعار البيوت في دمشق.
وبحسب ما ذكر أحمد الخاونجي، فإن مكاتب عقارية ظهرت مؤخرًا في دمشق وتخصصت في شراء دور بجمعية السكن الشبابي من المكتتبين، مشيرًا إلى أن الأسعار تتراوح بين مليون ومليون ونصف ليرة سورية للدور، في حين تصل القيمة التخمينية للبيت عند استلامه إلى 35 مليون ليرة.
ما هي المؤسسة العامة للإسكان؟أُحدثت المؤسسة العامة للإسكان بموجب قرار من رئاسة الجمهورية رقم “683” لعام 1961، بعد أن سمح مرسوم تشريعي رقمه “94” عام 1953 لبلديات المدن الكبرى بإنشاء مساكن شعبية في الضواحي لإسكان شرائح محددة (موظفون، مستخدمون، عمال) و بيع هذه المساكن نقدًا أو تقسيطًا لمدة (7) سنوات دون فوائد. واعتبارًا من عام 1975 خضعت المؤسسة للقانون الخاص بالمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، وأصبحت تساهم اليوم بـ 11% من إجمالي حجم السكن في سوريا. لكن المؤسسة تتلقى اتهامات واسعة بتجيير أرباحها إلى عددٍ من المسؤولين النافذين في النظام السوري. ونظرًا للاهتمام الذي حظي به قطاع الإسكان في سوريا بعد عام 2000، لقي مشروع مؤسسة الإسكان الذي أطلقته عام 2002 اهتمامًا من قبل الشباب، إذ تقدّم عليه ما يزيد عن 120 ألف مكتتب، حسب إحصائيات المؤسسة، وتم قبولهم جميعًا. ووُزِّع مشروع “السكن الشبابي” في دمشق على مراحل زمنية للتسليم تراوحت بين خمس وسبع وعشر و12 سنة حسب تواريخ الاكتتاب، وأُعلن عن التسجيل لأول مرة عام 2002، تلاها عام 2004 و2005 وكان آخرها عام 2007. والمشروع قائم على دفع مبلغ أولي يتراوح بين 50 و70 ألف حسب مساحة البيت، بالإضافة إلى قسط شهري قدره 2000 ليرة سورية، وعند استلام البيت يتم تثمين سعره ليستكمل المكتتب ثمنه بعد أن يسكن فيه، ويشترط الاكتتاب على بيت في المشروع السكني ألا يكون المسجل مالكًا لأي منزل في سجل العقارات السوري. |
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :