حسن مطلق – عنب بلدي
بإيماءات يديه ونظرات الثقة في عينيه، يرسم اللاجئ السوري أغيد الشواف (31 عامًا) لوحاتٍ جميلة شكلتها سطورٌ باللغة العربية، على لوحٍ أبيض داخل صفٍ صغير، وأمام طلابه في مدينة هاميلتون الكندية، عازفًا ألحان لغة أجداده في أجواء مقاطعة أونتاريو.
لم يكن “أبو تيسير”، كما يُحب أن يناديه أصدقاؤه، يتحدث اللغة الإنكليزية لدى وصوله لاجئًا إلى كندا مع عائلته، في العاشر من كانون الثاني 2016، إلاّ أنه تعلم على أيدي مدرّسين كنديين، وغدت العلاقة جيدة بينهم إلى أن تعلّم لغتهم، كما يقول خريج الأدب العربي لعنب بلدي.
إلى كندا، حمل الشواف فكرته بإنشاء مدرسة منذ أن كان في الأردن، التي وصلها من سوريا في تشرين الثاني 2011، وقضى فيها أربع سنوات درّس خلالها اللغة العربية، وأسس وزملاءه فريق “شام” التطوعي للدعم النفسي، الذي رعى نشاطات مختلفة في مخيم الزعتري للاجئين السوريين.
“أعرف معظم السوريين والجالية المسلمة في هاميلتون”، يضيف ابن مدينة حماة، الذي درس في حمص وتخرج من جامعتها، حاملًا إجازة الأدب العربي عام 2009، ويشير إلى أنه قطع الأمل بالتوظيف في المدارس العربية الإسلامية في كندا، إلى أن قرر بدء مشروعه الخاص.
داخل صفين في منزل صغير، يُدرّس الشواف 30 طالبًا اللغة العربية والقرآن، إلى جانب زوجته، نورا مطر، خريجة رياض الأطفال، والتي تُعلّم بدورها عشرة أطفال دون الست سنوات، في مدرسة “Alarabi school” كما أسماها.
نشرت صور الشواف ومدرسته في الجريدة الرسمية التي صدرت في هاميلتون، 5 تموز 2017، ووصفته بالشاعر السوري، بحكم حبه للشعر وتأليفه عشرات القصائد، وكونه واحدًا من بين أكثر من 1300 سوري، وصلوا المدينة الكندية، منذ نهاية عام 2015، وفق الإحصاءات الرسمية. |
واجه اللاجئ السوري عائقًا ماديًا في البداية، استطاع تفاديه باقتراض مبلغ مالي من شخص كندي تعرّف عليه في هاميلتون، كما يقول، كما أن عمله كموظف في مركز لرعاية الأطفال تحت سن خمس سنوات، مع منظمة “YMCA” الكندية، ساعده في إنشاء المدرسة.
انشغال الشواف في مشروعه دعاه لترك العمل مع المنظمة، إلى أن افتتح مدرسته في كانون الثاني 2017، وبدأ بتدريس طلابه من العرب وغير الناطقين باللغة العربية، إضافة إلى عمله على تأهيل خمسة مدرسين أكاديميًا، “فأي شخص يتحدث العربية يستطيع تدرسيها ولكن ليس بالطرق الصحيحة”.
جميع الكتب التي تُدرّس في المدرسة، ألّفها الشواف بنفسه، ويوضح أنه جمع ستة كتب في منهاج واحد لغير الناطقين بالعربية، “كانت جاهزة بحكم أنني كنت أدرّس غير الناطقين بالعربية في سوريا، إلا أنني عدّلت النسخة النهائية في كندا بما يوافق ثقافة البلد”.
تُدرّس المدارس الإسلامية في كندا، اللغة العربية والديانة مرة في الأسبوع، إلى جانب مواد المنهاج باللغة الإنكليزية، ويوضح اللاجئ السوري أن الكتب التي ألفها مختلفة من حيث طريقة عرض الأمثلة وأسلوب التدريس، “قرأت أكثر من عشرين منهاجًا للناطقين بغير العربية، واستجمعت الخلاصة التي تُناسبني وأسلوبي في التدريس”.
ولأن تنظيم العمل في المدرسة كان صعبًا عليه، حصل الشواف على مساعدة من أساتذته وزملائه في الأردن، الذي يقول إنه قضى أجمل الأيام معهم هناك، “استفدت كثيرًا من الخطط الإدارية والفنية وأوراق العمل التي أرسلوها إلي، في قضية تأسيس المدرسة”.
يحضر كل طالبٍ ناطق بالعربية ثلاث جلسات أسبوعيًا في المدرسة، يتعلم فيها اللغة والقواعد والتجويد القرآني، ويوضح أن المدرسين الذي يؤهلهم حاليًا يتلقون دروسًا في النحو والصرف والبلاغة.
ويقول اللاجئ السوري إنه يُقيّم مستوى الطالب قبل البدء بتدريسه، من خلال مقابلة تُجرى معه، مردفًا “ألّفت أربعة مستويات للناطقين بالعربية، اقتبستها من الكتب التي قرأتها ودرّستها في الأردن”.
لا يعمل الشواف في مدرسته تطوّعًا، بل يحصل على مقابل مادي، “يدفع الطالب 20 دولارًا في الساعة إذا كان لوحده، أما في حال كان ضمن مجموعة فيدفع عشرة دولارات، بينما يأخذ المدرسون الآخرون 40 دولارًا في الساعة على الأقل”.
يستعد عشرات الأطفال السوريين من الواصلين الجُدد إلى كندا، للالتحاق بالمدرسة بدءًا من آب المقبل، وفق اللاجئ السوري، ويؤكد أن هدفه من إنشائها إيصال رسالته من تدريس اللغة العربية لأكبر عدد ممكن.
ويطمح المُدرّس الشاب خلال خمس سنوات، لتوسيع مدرسته وتعليم كامل المواد كالرياضيات والفيزياء باللغة العربية، من خلال اختصاصيين وكوادر مؤهلين لذلك.