عملة سوريا الجديدة.. غش الحليب بالماء

  • 2017/07/09
  • 12:04 ص

حاكم مصرف سوريا المركزي دريد درغام في مؤتمر صحفي الأحد 2 تموز

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

فاجأت حكومة النظام السوري المواطنين، الأسبوع الماضي، بطرح فئة نقدية جديدة بقيمة ألفي ليرة سورية، لتبدأ بعدها التساؤلات حول مصير الليرة وتخوفات من تدهورها أكثر فأكثر، وسط تطمينات من مصرف سوريا المركزي أن “الليرة السورية بخير”.

طرح العملة فاجأ السوريين من جهتين، الأولى كانت بسبب توقيت طرحها، خاصة وأن حاكم مصرف سوريا المركزي السابق، أديب ميالة، نفى في 2015 نية الحكومة طرح عملة من فئة الألفين، أما الثانية فكانت بوضع صورة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على الفئة النقدية الجديدة، لتكون أول مرة توضع صورته على العملة منذ تسلمه الحكم في عام 2000، في رسالة سياسية إلى معارضيه بأنه ما زال قويًا بعد سنوات من الحرب، بحسب ما قاله معاون وزير المالية في الحكومة السوية المؤقتة ونقيب الاقتصاديين في درعا، عبد الكريم المصري، في حديث إلى عنب بلدي.

“المركزي” يبرّر طرح العملة

في مؤتمر صحفي لحاكم المصرف المركزي، دريد درغام، الأحد 2 تموز، أعلن عن طرح العملة الجديدة بصورة للأسد في الغلاف الأمامي إلى جانب الجامع الأموي، وفي الغلاف الخلفي صورة لمقر مجلس الشعب في العاصمة السورية.

درغام برر، عبر صفحته في “فيس بوك”، طرح العملة بأنها ضرورية لمعالجة ارتفاع الأسعار الذي حدث في السنوات السابقة، مطمئنًا أن ذلك “لن يؤثر على السياسة النقدية الحالية، وخير دليل أنه لم تطرح هذه الفئة المصدرة عام 2015، إلا بعد التأكد من استقرار مستمر منذ عام تقريبًا”، مطالبًا “الصحفيين الوطنيين” بالتأكيد على أن طرح الفئة نتيجة طبيعية لامتصاص ارتفاعات سابقة يعاني منها السوريون في كمية نقود كبيرة يضطرون لها في تعاملاتهم اليومية”.

وزير الاقتصاد السابق في حكومة النظام السوري، نضال الشعار، أكد تبرير درغام، واعتبر أن طرح فئة أعلى من العملة السورية لن يكون له التأثير السلبي المتوقع، لأسباب عدّدها عبر صفحته في “فيس بوك”، منها أن “فئة كبيرة مازالت تعتمد على موارد الدخل بالعملة السورية، وتفضل التعامل بها”.

لكن الدكتور في الاقتصاد واستراتيجيات الإدارة، عبد الرحمن الجاموس، أكد لعنب بلدي أن الإصدار النقدي الجديد طُرح نتيجة انخفاض الإيرادات الحكومية، والاستنزاف المتزايد للدول الداعمة (روسيا وإيران) من جهة، وارتفاع تكاليف الإنفاق العسكري من جهة أخرى.

طرح العملة يشبه “غش الحليب”

يعرّف التمويل بالعجز باستدانة الحكومة من الجهاز المصرفي (البنك المركزي) لسد العجز الذي يحدث في ميزانية الدولة، وله آثار سلبية أهمها مشكله التضخم يعني زيادة في النقود يقابله نقصان في السلع.

ويكون التمويل بالعجز عند زيادة نفقات الدولة عن إيرادتها، وينتج عنه عجز يغطى بالإصدار النقدي الجديد الذي يؤدي إلى التضخم، أي ارتفاع في الأسعار، لزيادة الإنفاق الحكومي وعدم تناسب هذه الزيادة مع كمية السلع والخدمات المنتجة عند حدوث تلك الزيادات.

الجاموس أوضح أن طرح عملة جديدة يتم في حالتين، الأولى تكون لاستبدال وسحب العملة المهترئة نتيجة التداول من السوق (دون زيادة العرض النقدي)، وهي حالة طبيعية حصلت في العديد من البلدان، أما في الحالة الثانية تطبع لتمويل الموازنة العامة للدولة (التمويل بالعجز) ومواجهة الإنفاق المتزايد على الرواتب والأجور.

وأكد الجاموس أنه كلما ازدادت الكتلة النقدية المتداولة تؤدي إلى اختلال في المستوى العام للأسعار، مشبهًا السياسة النقدية التي اتبعتها حكومة النظام في طرح الإصدار النقدي الجديد بعملية “غش الحليب”، موضحًا “البائع يسكب الماء في الحليب ليزيد من إيراداته، لكن الاستمرار في سكب الماء قد يصل إلى مرحلة تكون نسبة الماء في الحليب المغشوش أعلى بكثير وعندها لا يشتريه أحد”، في إشارة إلى فقدان العملة الكثير من قيمتها في الطرح الجديد.

معاون وزير المالية، عبد الكريم المصري، أكد لعنب بلدي أن طرح العملة في الوقت الحالي سيؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية في السوق وزيادة التضخم النقدي وتدهور الليرة السورية بشكل كبير أمام الدولار، بسبب عدم وجود أي طاقة إنتاجية في سوريا مقابل الكتلة النقدية الصادرة، فـ “الإنتاج متوقف والناتج مشلول بشكل شبه كامل سواء زراعيًا أو صناعيًا”.

وأضاف المصري أن إصدار الأموال الآن هو “تمويل بالعجز”، كون الموازنة في سوريا لعام 2017، يوجد فيها عجز حوالي 70 مليار ليرة سورية، فالنظام يريد أن يغطي ذلك بالتمويل بالعجز ما يترتب عليه أخطار كبيرة وهي انخفاض قيمة الليرة الحقيقة وإمكانية انهيارها.

رسائل سياسية من صورة الأسد

وضع صورة الأسد على العملة الجديدة، وإن كان لا يوجد له دلالات اقتصادية، اعتبرها البعض رسالة سياسية لمعارضيه في الداخل والخارج.

المصري اعتبر أن الهدف السياسي من وضع الصورة هو إيهام العالم بأنه قوي وأن المؤسسات الحكومية مازالت قائمة، وأن الشعب السوري مازال يريده رئيسًا، مشددًا أن قرار وضع الصورة قرار ديكتاتوري كباقي القرارات السابقة، مؤكدًا أن وضع الصورة “لا يكسب الأسد أي شرعية، فهو ساقط منذ بداية الثورة”.

في حين اعتبر عضو مجلس إدارة نقابة الاقتصاديين في ريف حلب، محمد بكور، أن وضع الصورة هو لفرض السيطرة وإثبات وجود، متسائلًا، في حديثٍ إلى عنب بلدي، “ما الفرق بين صورة المجرم الكبير (صورة الرئيس السابق حافظ الأسد على الألف ليرة)، والمجرم الصغير (بشار الأسد)؟ نفس الشيء”.

تحذيرات من تداول العملة في مناطق المعارضة

وعقب طرح العملة تعالت الأصوات والتحذيرات من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، بمنع تداول العملة الجديدة تحت طائلة السجن ومصادرة الأموال مهما كانت قيمتها.

الحكومة السورية المؤقتة أصدرت بيانًا، السبت 8 تموز، حذّرت فيه من تداول الفئة النقدية الجديدة، لأسباب قالت إنها بناءً على “النظام الأساسي للحكومة السورية المؤقتة وعلى مقتضيات المصلحة العامة”.

كما أصدرت “هيئة الاقتصاديين الأحرار للتنمية والتطوير” بيانًا اعتبرت فيه أن “قبول التعامل بالفئة النقدية الجديدة تأكيد على سيطرة العصابة الحاكمة، وبسط نفوذها على كامل المناطق المحررة، من خلال التحكم بالاقتصاد وتسويق نفسها للخارج على حساب ضعف وتشتت الثورة، إضافة إلى سحب القطع الأجنبي من المناطق المحررة واستخدامه في تمويل الحرب على الشعب الثائر”.

الهيئة أكدت أن “طرح ورقة نقدية كلفتها صغيرة بالقياس إلى قوتها الشرائية سيوفر فائضًا يدفعه النظام لأعوانه مكافأة لهم على ذبح الشعب الثائر، وسيزيد من التضخم الاقتصادي الذي سيؤدي إلى فوضى أسعار في (المناطق المحررة)، ما يزيد من معاناة الفقراء ويوسع الهوة بين طبقات المجتمع، إضافة إلى مشاكل اجتماعية يستغلها النظام في تبرير وجود (الشبيحة) لدواعي ضبط الأمن في مناطق سيطرة المعارضة”.

وأرجع بكور، عضو نقابة الاقتصاديين في ريف حلب، سبب التحذيرات إلى أن المستفيد الأول من تداول العملة في مناطق المعارضة هو النظام على حساب انهيار جديد للقيمة الشرائية، وبالتالي تأرجح في الأسعار وعدم التوازن في الأسواق وخسائر للتجار الذين سيعوضون خساراتهم عن طريق المستهلك ليكون المتضرر الأساسي.

وتشير جميع الدراسات، بحسب بكور، إلى أن “المناطق المحررة هي من الروافد المهمة للنظام بالقطع الأجنبي من خلال ضخ العملة الجديدة واستبدالها بالقطع الأجنبي من الدولار واليورو الذي يدخل إلى المناطق المحررة، ومن الطبيعي من قاعدة العرض والطلب أن تنخفض القيمة عند طرح كميات جديدة”.

هل الحل بإنشاء بنك مركزي؟

وترافقت التحذيرات بدعوات إلى القيام بخطوات تحدّ من انتشار العملة الجديدة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، وسط محاولات من بعض الفعاليات المدنية لمنع التداول، بحسب معاون وزير المالية في الحكومة المؤقتة، الذي تطرق إلى قضية استبدال العملة السورية بالتركية، المطروحة قبل عامين، وخاصة في الشمال السوري كونه مفتوحًا على الأراضي التركية.

واعتبر المعاون أنه من الأفضل استبدال العملة بالرغم من السلبيات والصعوبات ومعارضة الكثيرين.

بينما اعتبر بكور أن أبرز الخطوات لعدم تداول العملة في مناطق المعارضة هو إحداث ما ينوب عن بنك مركزي ينظم العمل المالي، ويشرف على عمل الصرافين، ويبحث أساليب الاستيراد والتصدير، وينظم التجارة من أجل استقرار الأسواق، من خلال التعامل بسلة من العملات، إلى حين الانتهاء من النظام.

وطالب بكور بتوعية “كبيرة” في كافة المناطق من أجل عدم التداول، إضافة إلى قرار ملزم من أجل إنقاذ سوق المناطق المحررة إلى الانتعاش.

تطمينات حكومة النظام وتحذيرات الاقتصاديين في وقت واحد جعلت المواطن السوري قيد التجربة لسياسة اقتصادية زادت من أعباء المعيشة على السوريين، وسط ترقب إلى ما ستؤول إليه البلد في الفترة المقبلة من الناحية الاقتصادية، ومخاوف من أن يكون الإصدار النقدي الجديد بداية لارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وبالتالي زيادة نسبة الفقر بين السوريين.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية