فريق التحقيقات في عنب بلدي
تعود الأوبئة إلى سوريا مجددًا لتفرض نفسها تدريجيًا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وخاصة في المنطقة الشمالية والشرقية، التي شهدت جولات من المعارك وغيابًا لجهود الإدارات المحلية والمدنية، ما يؤكد تدهور الواقع الصحي وترديه في ظل الحصار والمعارك من جهة، والبيئة الخصبة المناسبة لانتشار الأوبئة والأمراض من جهة أخرى.
وتراقب المنظمات الصحية العالمية انتشار هذه الأوبئة، من خلال تقارير شهرية تحذّر وتتخوف مما يترتب عليها من نتائج كارثية، تهدد أطفال المنطقة برمتها، خاصةً مع حالات النزوح المتزايدة والمركبة، والمخيمات التي انتشرت على طول الشريط الحدودي مع دول الجوار.
وكان لمحافظة دير الزور في الأيام القليلة الماضية صدارة الحديث، إذ أعلنت المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، أن ثلاث حالات إصابة بالمرض عاودت الظهور في المحافظة، وذلك بعد سنوات من إعلان سوريا “خالية” من المرض.
وبالعودة إلى تاريخ الحروب والأزمات، تعتبر عودة الأوبئة حالة أثبتت حضورها في بيئات محددة، وذلك لأسباب، أبرزها سوء النظافة وانتشار الركام والردم والجيف، وصعوبة الحركة من وإلى الجهات الطبية المتخصصة.
وتحاول عنب بلدي الوقوف على خريطة انتشار الأوبئة في سوريا، وخاصة في مناطق تعتبر وسطًا خصبًا لانتشارها وحضورها، وتوجه فريق التحقيقات إلى أطباء وجهات صحية مسؤولة لتحديد أسباب انتشار الأمراض، وتقديم معلومات حول طرق تفاديها، وماذا يتوجب على المواطنين فعله إذا واجهوها.
كانت آخر حالة مؤكدة للإصابة بشلل الأطفال في سوريا في عام 1999، وظلت سوريا خالية من المرض حتى تشرين الأول عام 2013، عندما تأكدت إصابات بفيروس شلل الأطفال “البري” في دير الزور وحلب. |
شلل الأطفال يتفشى في دير الزور
رغم إعلان النظام السوري في نيسان 2015 أن سوريا خالية من شلل الأطفال، أعلنت منظمة الصحة العالمية، في 11 حزيران 2017، عن ثلاث إصابات بالشّلل الرخو الحاد في محافظة دير الزور، وفي منطقة الميادين على وجه الخصوص.
وأوضحت أن عدد الحالات المبلّغ عنها حتى 6 حزيران 58 حالة، فضلًا عن حالتين أثبت تحليل العينات المأخوذة منها إصابتها بعدوى فيروس شلل الأطفال من “النمط 2”، علاوة على 11 حالة أخرى أسفرت تحاليل العينات المأخوذة منها عن نتائج سلبية.
وبعد أن تأكدت “فاشية” فيروس شلل الأطفال (النمط 2)، تجري المنظمة الأممية تخطيط الاستجابة، بما في ذلك التخطيط لإجراء أنشطة التمنيع الإضافية، باستعمال لقاح شلل الأطفال الفموي الأحادي التكافؤ المضاد للنمط 2، وفقًا لبروتوكولات “الاستجابة للفاشية” المتفق عليها دوليًا. (الفاشية تعني انتشار المرض المعدي).
تاريخ الإصابة في دير الزور
الطبيب عماد المصطفى، ابن مدينة دير الزور، وهو رئيس منظمة “NAS” ومدير المكتب الصحي في المجلس المحلي لدير الزور سابقًا، قال لعنب بلدي إن أول ظهور للمرض كان في 2013 في مدينة صبيخان والقرى المحيطة بها، وأرسلت حينها منظمة الصحة العالمية و”يونيسيف” فريقًا طبيًا، خلص إلى وجود 12 حالة إصابة بعد تحليل العيّنات في تركيا.
وأوضح أن حملات التلقيح استمرت في المدينة حتى دخول تنظيم “الدولة” إليها، والذي سمح بعودة الحملات إلى المدينة لكن ضمن مراكز ثابتة وليست جوالة، واستثنيت مدينة البوكمال حينها من الحملات كونها تتبع لـ “ولاية الفرات”، كما يطلق التنظيم على أجزاء في العراق وسوريا، لتتوقف الحملات مطلع 2016 بشكل نهائي.
ويعتبر شلل الأطفال عدوى فيروسية تصيب الأطفال وتؤثر على الأعصاب، وخاصة أعصاب الأطراف السفلية، وتتسبب بشلل كامل أو نصفي، وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات.
ومنذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي انحسرت الإصابات بالمرض عالميًا بفضل التلقيح بنسبة أكثر من 99%، ولكنه مازال موجودًا في بعض الدول مثل أفغانستان وباكستان والهند ونيجيريا.
وبحسب متابعة الدكتور مصطفى للواقع الصحي داخل محافظة دير الزور حاليًا، أوضح أن حالات من المرض الفيروسي ظهرت في شباط 2017 في مدينة صبيخان والقرى القريبة منها، إضافةً إلى منطقة البوليل وبقرص وناحية الصور وناحية الكسرة، حيث أحصيت 26 حالة اشتباه بالمرض بالتشخيص السريري، وتم تأكيدها مخبريًا.
وأشار إلى أن “كل حالة شلل أطفال ظاهرة يقابلها 200 إصابة خفية (…) مع الأسف كل يومين أو ثلاثة يتم تبليغي عن إصابة جديدة، وقد وصل عدد الحالات المشتبه بها في عموم دير الزور 35 حالة تقريبًا”.
واستشعر تنظيم “الدولة الإسلامية” الخطر، وفق المصطفى، إذ بدأ بحملة لقاح في الأسابيع القليلة الماضية، لكنها دون جدوى، إذ يستخدم لقاحات مخزنة منذ تموز 2016 من الدرجة الثالثة، والتي “تضر ولا تنفع”.
لا علاج.. لكن كيف نحدّ من انتشاره؟
تنتج الإصابة بالمرض عن فيروس شلل الأطفال أو الفيروس السنجابي (Poliovirus)، وهو فيروس شديد العدوى ينتقل من شخص إلى آخر عبر عدة طرق تشمل التواصل المباشر بين شخص مصاب وآخر سليم، وعبر المخاط والبلغم من الفم والأنف، وعن طريق البراز الملوث، إضافةً إلى الطعام والماء الملوثين بالفيروس، إذ يدخل الجسم عبر الفم أو الأنف، ثم يتكاثر في الحلق والأمعاء وبعدها يتم امتصاصه إلى الجسم وينتقل عبر الدم إلى باقي أجزائه.
وقال الدكتور أكرم خولاني، الاختصاصي بطب الأسرة، إنه “لا يتوافر أي علاج للمرض، إلا أنه يوصى باتباع بعض التدابير للحد من المضاعفات المرافقة، منها التزام الراحة في الفراش، وتناول المضادات الحيوية للالتهابات الثانوية، إلى جانب تناول مسكنات الألم، والخضوع لجلسات العلاج الطبيعي لمنع التشوه وفقدان وظيفة العضلات”.
ويعتبر التلقيح السلاح الأساسي للوقاية من المرض، بحسب د. خولاني، وذلك “عبر إعطاء الشخص فيروسات غير مفعلة، وبالتالي غير قادرة على التسبب في الأذى للشخص، كما أنها آمنة لمضعفي المناعة، لكنها كافية لتحفيز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة تتعرف على الفيروس وتهاجمه وتقضي عليه”.
وأوضح أن “اللقاح يعطى على خمس جرعات بعمر شهرين وأربعة أشهر وستة أشهر وسنة ونصف والجرعة الأخيرة ما بين 4 و6 سنوات عندما يدخل الطفل المدرسة”، مشيرًا إلى أن “نسبة فعالية اللقاح تبلغ 90% بعد جرعتين، و99% بعد ثلاث جرعات”.
الرعاية الصحية ضحية ست سنوات من الحرب
نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا، في آذار 2017، يعكس تدهور القطاع الصحي عمومًا في سوريا، بعد ست سنوات على اندلاع الثورة والحرب المستمرة منذ ذلك الوقت، وبدت من خلاله عاجزة عن تدارك الوضع الراهن. وأوضح التقرير أن الوصول إلى المرافق الصحية العاملة بات يُشكِّل تحديًا أمام أكثر الناس، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون به، وبالرغم من وقف إطلاق النار في الوقت الحالي، لم تستطع منظمة الصحة العالمية وشركاؤها بعد، الوصول بانتظامٍ إلى المجتمعات المحلية في المناطق التي يصعُب الوصول إليها. وأشارت المنظمة وفق بياناتها إلى أن أكثر من ثلثي الهجمات التي استهدفت مرافق الرعاية الصحية في العالم عام 2016 قد حدثت في سوريا. الدكتور بيتر سلامة، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، قال إن “الاحتياجات الصحية الأساسية في سوريا لا تُلبّى حتى الآن، واستُنفِدت إلى الحد الأقصى الموارد المتاحة لدعم العاملين الصحيين، وأُنهِك النظام الصحي بأعباءٍ كثيرة تفوق طاقته”. وأضاف سلامة “ماتزال العقبات التي تحول دون الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية قائمة، ومنها الأخطار الأمنية التي تواجه العاملين في مجال الرعاية الصحية، وتوفُّر الأدوية والمستلزمات والمعدات”. |
الأمراض تنتشر في الرقة “المعزولة عن العالم”
لا يختلف وضع مدينة الرقة الصحي عما هي عليه الحال في محافظة دير الزور، إلا أن إحصائيات المنظمات الصحية غُيبت بشكل كامل عن المدينة، وسط مواجهات عسكرية تخوضها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” منذ تشرين الثاني 2016 الماضي، الأمر الذي أفرز واقعًا طبيًا “متدهورًا”، بحسب مصدر طبي مطلع من داخل المدينة.
وأشار المصدر لعنب بلدي إلى أمراض متنوعة انتشرت مؤخرًا في المدينة والقرى المحيطة بها، إلى جانب المخيمات التي نزح إليها المدنيون على وقع المواجهات العسكرية، من بينها الكوليرا واللشمانيا والحصبة، وخاصة مخيم طويحنة شمال المدينة، والذي “يعاني فيه المدنيون أوضاعًا صحية سيئة، وذلك بسبب فقدان المياه الصالحة للشرب واعتماد السكان على البحيرات الملوثة القريبة منه”.
إضافةً إلى حالات، لم يتم التأكد منها، أصيبت بمرض السل المعدي، وذلك بسبب نقص الكوادر الطبية في المنطقة، وأدوات التعقيم والغرف العلاجية الخاصة، إذ دمرت طلعات التحالف الدولي المساندة لعمليات “قسد” المرافق الحيوية والمشافي الميدانية التي يعتمد عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأوقف تنظيم “الدولة” عمل منظمة “مكافحة اللّشمانيا” في 2016، والتي خصصت عملها بتوزيع الأدوية المطلوبة لعلاج المرض، والقيام بحملات توعوية ووقائية للحد من انتشار الحشرة المسببة للوباء.
في حين ذكرت “حملة الرقة تذبح بصمت”، التي تغطي أحداث المحافظة، أن الإغلاق لم يقتصر على هذه المنظمة الطبية، بل طال الإغلاق كلًا من “مركز الهلال الأحمر القطري”، و”المركز الألماني”، و”العيادة السكرية” بذريعة “تلقيها تمويلًا من جهات كافرة ولها غايات تجسسية”.
ظهور محدود للتيفوئيد في إدلب وريف حلب
ظهرت بعض حالات التسمم في قرى وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، خلال الأسابيع الماضية، بسبب استخدام الأهالي للمياه الملوثة غير الصالحة للشرب، تزامنًا مع تعطّل الشبكة واختلاطها بمياه الصرف الصحي.
وتحدث بعض الأهالي لعنب بلدي عن تفشي حمى التيفوئيد في مدينة الباب، وغيرها من المناطق شمال وشرق حلب، كصوران واحتيملات، بعد تسرب مياه الصرف الصحي إلى آبار المدينة، ما دعا بعض الجهات إلى البدء بالسعي لحل المشكلة.
ليست جائحة
تعتبر الآبار المنتشرة في القسمين الغربي والجنوبي من مدينة الباب الأكثر تلوثًا لقربها من مياه الصرف الصحي، بينما يُمكن شرب المياه من الآبار في القسمين الشمالي والشرقي بعد تعقيمها بشكل جيد. |
وفي حديث لعنب بلدي مع الطبيب سمير موسى من بلدة صوران، قال إن استخدام المياه الملوثة ربما سبّب حالات إسهال، ولكن “الناس توهموا، فهي ليست جائحة مرضية، بل بعض الحالات المحدودة والأمر تحت السيطرة”.
وحصلت عنب بلدي على تقرير حول تلوث مياه الشرب في صوران، من أحمد الحسين، رئيس المكتب الهندسي في “لجنة إعادة الاستقرار” بريف حلب، نهاية أيار الماضي، وقال إن عينات المياه قبل الضخ احتوت على ملوثات “بشكل كبير”، وخاصة في الحي الغربي من صوران.
ووفق الحسين فإن المكتب الهندسي في اللجنة، يعمل على إصلاح أماكن الاختلاط مع الصرف الصحي، ودعم مركز ضخ المياه بالنفقات التشغيلية اللازمة.
إلى ذلك استقبلت مستشفيات شمال حلب عشرات الحالات المصابة بالتسمم في مدينة الباب، أول أيام عيد الفطر، وقال عمار نصّار، المسؤول الإعلامي للمجلس المحلي في المدينة، إن قطع المياه من قبل النظام، بعد سيطرته على محطة الخفسة ومحطة ضخ المياه في منطقة عين البيضا، وغياب الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة، عوامل أسهمت بانتشار التسمم.
ولم يُغفل نصّار اعتماد الناس على الثلج غير المعقم، والمجمّد من مياه الآبار المنتشرة جنوب المدينة والقريبة من الصرف الصحي، وأشار إلى أن مستشفى “الحكمة” استقبل 145 حالة من أصل 300، وتوزعت بقية الأعداد على المستشفيات الميدانية.
وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، محمد فراس الجندي، علّق على حوادث التسمم، موضحًا “ما أشيع عما جرى في الباب هو صدمات غذائية، تنتج دائمًا بعد انتهاء شهر رمضان، وسببها إقبال الأهالي على الأكل بشكل مفرط، ولكن ليس لها شكل وبائي أبدًا”.
وللتأكد بشكل أكبر من حالات التسمم الأخرى، تعاون وفد مديرية صحة حلب مع قسم “الإنذار المبكر” التابع لوحدة تنسيق الدعم، في أخذ عينات من المياه في المدينة، على أن تُفحص ويُقيّم الوضع على أساس النتائج.
وعقب حوادث التسمم أخذ المكتب الطبي في المجلس المحلي عينات من غالبية الآبار في المدينة، كما أجبر بائعي المياه في الصهاريج على تعقيمها بالكلور قبل بيعها، وفق نصّار، كما سيّر المجلس دوريات على المحال التجارية التي تبيع الثلج، وأخرى تراقب أداء محال بيع الفروج والشاورما”.
وأشار نصار إلى أن المجلس “يضغط على الجانب التركي لتسريع وضع حلول لمشكلة المياه والكهرباء في المنطقة”، مؤكدًا “وصلنا إلى المراحل الأخيرة لوضع الخطط بعد دراسة الوضع لتخفيف المعاناة”.
وأجمع الأهالي والجهات في المنطقة أن المياه الملوثة هي المسبب الأساسي لانتشار الأمراض، بينما يصعب إحصاء الحالات المصابة بالتيفوئيد والأمراض الأخرى، وسط غياب شبكة تربط بيانات المستشفيات والجهات العاملة في المجال الصحي في المنطقة ببعضها.
إدلب سليمة من الأوبئة
للوقوف على الأمراض الوبائية ومدى انتشارها في إدلب، تحدثت عنب بلدي مع الدكتور أنس دغيم، رئيس دائرة الصحة الأولية في مديرية صحة إدلب، وقال إن معدل انتشار التيفوئيد والأمراض الأخرى، مازال ضمن الحد الطبيعي، مؤكدًا “لا أوبئة في المنطقة على الإطلاق”.
وأكد دغيم أن مرض الكوليرا “غير موجود أبدًا”، لافتًا إلى أن مديرية الصحة “اتخذت كافة الاحتياطات لمواجهة الوباء في حال انتشر، عبر نشر خيم استشفاء من المرض، تضم كافة الأجهزة والأدوية اللازمة للعلاج والوقاية، وتجهيزات لتلافي انتشار حمى التيفوئيد، التي أقر بظهور بعض الحالات لمصابين بها.
ورأى الطبيب أنه تجب المشاركة من كافة الأطراف، وبالأخص المجالس المحلية لمواجهة إمكانية انتشار التيفوئيد، “وخاصة على مستوى النظافة وتعقيم المياه والابتعاد عن القريبة من الصرف الصحي”، داعيًا الأهالي إلى تعقيم الخضراوات بشكل جيد قبل أكلها، وخاصة المروية منها.
مستودعات المديرية مليئة بـ “كيتات” فحص سريع لمواجهة الكوليرا في إدلب، وفق دغيم، الذي أكد أن “الأماكن مجهزة في نقاط مختلفة مثل دارة عزة في الشمال وبلدة حيش في الجنوب”، إضافة إلى وجودها في مراكز الرعاية الصحية الأولية بشكل كامل، ومراكز المنظمات العاملة في المنطقة.
وينتشر 20 مركزًا تابعًا للمديرية في أنحاء محافظة إدلب، إلى جانب حوالي 50 مركزًا ترعاها المنظمات، إضافة إلى 44 مستشفىً، تقدم خدماتها على مدار الأسبوع، وجميعها تعمل تحت إشراف المديرية، وفق مسؤول دائرة الصحة الأولية.
انتشار واسع للشمانيا في ريف حماة
في إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من مديرية صحة حماة “الحرة” التي تغطي أرياف حماه الشمالي والشرقي والغربي، الخاضعة لسيطرة المعارضة، تضمنت وجود 1524 حالة مصابة بمرض اللشمانيا دخلت المشافي والمراكز الصحية والعيادات المتنقلة التابعة لها في المنطقة.
ووثقت المديرية وجود 1016 حالة جديدة أصيبت خلال أيار الماضي، 900 منها في مدينة كفرزيتا وحدها.
وأشار معالج طبي من ريف حماة (طلب عدم ذكر اسمه) إلى انتشار واسع لآفة اللشمانيا في مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي أيضًا، حيث يصل عدد المصابين من 100 إلى 150 أسبوعيًا، إلى جانب 200 إصابة تحت العلاج.
في حين تبلغ الإحصائية الأسبوعية للمصابين في مدينة كفرزيتا والقرى المحيطة بها حوالي 40 حالة، ويقابلها 100 تحت العلاج.
وأوضح أن حالات الشفاء من المرض لا تتجاوز 15 إصابة أسبوعيًا، إذ تتم معالجة الحالات سابقًا في مركز كفرزيتا الصحي، لينقل العمل فيما بعد إلى مشفى الشهيد حسن الأعرج، جراء قصف مشفى كفرزيتا خلال الحملة العسكرية الأخيرة في المنطقة.
واللشمانيا هو مرض طفيلي ينتشر في البلدان الحارة والمعتدلة، وازداد انتشاره بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين في سوريا ولبنان نتيجة الحصار والتهجير، وما نتج عنهما من عدم القدرة على رش المبيدات الحشرية بشكل كافٍ، إضافة إلى الاكتظاظ في أماكن النزوح واللجوء وما رافقه من غياب خدمات الوقاية والتشخيص والعلاج.
وتقدم المنظمات الطبية العلاج والأدوية بشكل محدود، بحسب المعالج، إذ تقتصر على العلاج الموضعي فقط، دون العلاج العضلي الذي تشهد المراكز الطبية انقطاعًا تامًا له، الأمر الذي يعطي تأثيرًا سلبيًا على المرضى والمصابين، من خلال تطور المرض وظهور سلالات جديدة منه.
وأشار المعالج إلى علاج عن طريق التبريد والضخ الآزوتي في مشفى خان السبل، ويقتصر على بعض الحالات.
ذبابة الرمل الناقل الوحيد
وبالانتقال إلى المسببات الرئيسية لـ “الآفة” أوضح الدكتور أكرم خولاني أن حشرة ذبابة الرمل هي الناقل الوحيد لهذا المرض، التي تعيش في الأماكن الرطبة والمظلمة مثل حظائر الحيوانات ومجمعات النفايات وجحور الكلاب والجرذان، إذ تمتص الدم من حيوان مصاب (كلب، ثعلب، قط، فأر…) ويكون هذا الدم محملًا بالطفيلي المسبب للمرض والذي يتكاثر في معدة الذبابة ثم ينتقل إلى لعابها.
وأوضح أنه “عند لدغها إنسانًا أو حيوانًا أو طيرًا سليمًا فإنها تحقن الطفيليات في جسمه مسببة المرض. وقد تبين أن هذه الذبابة قد تنقل المرض من حيوان إلى إنسان، أو من إنسان إلى إنسان”.
قد تحدث الإصابة في الجلد فقط فتسمى باللشمانيا الجلدية (حبة حلب)، وهي تصيب كل الأعمار، وتتظاهر على شكل قرحة جلدية تصيب الأماكن المكشوفة من الجسم تستمر لمدة تزيد عن الشهر وتترك بعد الشفاء ندبًا تبقى مدى الحياة، ومن الممكن وجود عدة قرحات بسبب تعدد اللدغات.
وأضاف د. خولاني أنه قد تحدث إصابة فيما يسمى بالجملة الشبكية البطانية (الكبد والطحال ونخاع العظم والغدد البلغمية) فتسمى بالليشمانيا الحشوية، ويحدث هذا الشكل من المرض لدى الأطفال ويتظاهر بالحمى والقشعريرة والضعف والهزال مع ضخامة الطحال وكذلك الكبد بشكل أقل إضافة لفقر الدم. وقد يسبب الوفاة إذا لم يتم علاجه.
وأوضح الطبيب بعض المعلومات الضرورية لتجنب الإصابة، فالذبابة تختبئ في النهار وتنشط عند الغروب وفي المساء، ويجب أخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب لدغتها، عن طريق ارتداء الملابس التي تغطي كل الجسم، واستخدام “الناموسيات” عند النوم، واستخدام الكريمات الطاردة للحشرات، إضافةً إلى رش المبيدات الحشرية، والقضاء على القوارض المنتشرة في المنطقة.
الحصبة تنتشر في الغوطة الشرقية
تشهد مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق حصارًا خانقًا من قبل قوات الأسد والميليشيات المساندة له منذ السنوات الأولى للثورة السورية، الأمر الذي انعكس على الوضع الطبي، من خلال نقص اللقاحات والأدوية اللازمة للأطفال بعد سن الولادة.
مرض الحصبة كان نتاج هذا الحصار، إذ بلغ عدد المرضى المصابين خلال نيسان 2017 الماضي، حوالي 45 مريضًا، وفق إحصائية حصلت عليها عنب بلدي للمكتب الطبي في مدينة دوما.
و أكدت منظمة “الصحة العالمية” الإحصائية، مشيرةً إلى تدهور الوضع الصحي في الغوطة، وسط مطالب بضرورة دخول المساعداتٍ الطبية بشكل دوري إليها.
وكرّر المكتب الموحد في الغوطة الشرقية نداءاته مؤخرًا بأن تأخّر دخول المواد والأدوية، سيؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للمرضى ومن ثم الموت كمصير محتوم.
والحصبة هو مرض فيروسي، شديد العدوى، يصيب فيروسه الغشاء المخاطي التنفسي وينتقل بعد ذلك إلى باقي أجزاء الجسم، ويتميز بارتفاع حرارة مع بقع بيضاء على مخاطية الفم ثم طفح جلدي أحمر على كامل الجسم، وبعد الشفاء من الحصبة يكتسب الشخص مناعة مدى الحياة، إلا أن هذا المرض قد يسبب الوفاة نتيجة لمضاعفاته الخطيرة.
كيف تتم الوقاية؟
وأوضح الدكتور أكرم خولاني أن الطبيب المعالج يستطيع تشخيص مرض الحصبة طبقًا للقصة المرضية والأعراض الواضحة التي تصاحب الإصابة، مثل الطفح، وبقع “كوبليك”، وتؤخذ في بعض الأحيان عينة من الدم للتأكد من أن سبب الطفح هو داء الحصبة فعلًا، فيلاحظ وجود أضداد فيروس الحصبة في الدم، أو تؤخذ عينات للكشف عن الفيروس من البول أو البراز أو إفرازات الجسم الأخرى.
وأشار إلى أنه “لا يوجد علاج للفيروس يساعد في التخلص منه عندما يكون في مرحلته الفعالة، ولا توجد حاجة له أساسًا، إذ يتم العلاج عن طريق تخفيف أعراض المرض، ويجب على المريض التزام الفراش والراحة في جو دافئ ورطب في الغرفة التي يجلس فيها مع تخفيف درجة الإضاءة”.
وفي حالة وجود مضاعفات كالتهاب رئوي أو التهاب في الأذن الوسطى فإنها تعالج بالمضادات الحيوية بحسب كل مرض.
كما ينصح بإعطاء المريض فيتامين (أ)، وأوضح د. خولاني أن الدراسات أثبتت وجود نقص في هذا الفيتامين عند الأطفال أثناء إصابتهم بالحصبة، وبالتالي فإن إعطاء الفيتامين يساعد على الشفاء من الحصبة بشكل أسرع، وكذلك يخفف من أثر الحصبة على الشبكية والعين.
ووفق ما رصدت عنب بلدي في الموسوعات الطبية، قد يكون المرض مميتًا للأطفال الصغار، إذ تشير التقديرات إلى أن قرابة 40 مليون حالة تُصاب سنويًا في مختلف أنحاء العالم، بينما يموت مليون شخص جراء المرض كل عام.
الأمراض تبتعد عن درعا وريف حمص الشمالي
أثناء العمل على التقرير تواصلت عنب بلدي مع مصادر طبية في ريف حمص الشمالي للوقوف على الواقع الطبي الذي تعيشه المنطقة المحاصرة.
وأوضح مدير المكتب الطبي في مدينة الرستن، الطبيب جمال بحبوح، أنه لا وجود لأي أمراض أو أوبئة كحال بعض المدن السورية.
وأشار، في حديث إلى عنب بلدي، أن أمراضًا هضمية تتمثل بحالات إسهال مرتبطة بموجات الحر التي تمر على الأراضي السورية بشكل عام، والتهابات أمعاء حادة منتشرة بشكل خاص عند الأطفال.
وتعاني الكوادر الطبية من نقصٍ “حادٍ” في الكوادر المتخصصة، موضحًا “لا يوجد اختصاصي عصبية ولا عينية، بينما يوجد اختصاصي أذنية وحيد في مدينة الحولة، ويغطي كافة الريف”.
ولا يختلف الواقع الصحي الذي تمر فيه بلدات ريف حمص الشمالي عن الذي تشهده مدينة درعا وريفها الخاضع لسيطرة المعارضة السورية.
وأشار مصدر طبي من المدينة إلى “واقع طبي جيد”، اعتمادًا على الحدود السورية الأردنية المفتوحة، التي تدخل عبرها المواد الطبية وأدوية الأمراض المزمنة، وطرق العلاج الرئيسية.
“خارطة صحية” تشرف عليها وزارة الصحة المؤقتة
سعت وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة الأخيرة، والتي مرّ حوالي عام على تشكيلها (منذ تموز 2016)، إلى احتواء الواقع الصحي المتردي في المناطق “المحررة”، وقال وزير الصحة الدكتور محمد فراس الجندي لعنب بلدي إن الوزارة درست الواقع في كلٍ من حلب وإدلب وكافة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
عقب وضع خارطة صحية شملت كافة المناطق، وبعد تحديد الاحتياجات وما هو مطلوبٌ من خدمات طبية في الشمال السوري، ضمن ملفات جاهزة حاليًا، التقى ممثلون من الوزارة مع مسؤولين في الصحة التركية خلال الأشهر الماضية، وأكد الجندي لعنب بلدي “قدمنا قائمة طلبات نحتاجها في الشمال السوري (إدلب وريف حلب الغربي وحماة واللاذقية)”.
وتدير الوزارة مديريات الصحة في الشمال السوري والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي يتبع لها مخابر ومستشفيات ونقاط طبية، واعتبر الوزير أنها تتضمن “كل ما هو لازم من إسعافات لمصابي الأمراض السارية والإنتانية”، مؤكدًا أن برامج اللقاح مستمرة في هذه المناطق.
ولم تظهر حالات شلل في الشمال السوري أبدًا، وفق الجندي، الذي اعتبر أن تلوث المياه هو أهم مسببات الأمراض الوبائية، داعيًا إلى أن تعمل إدارة البنية التحتية التي تتبع لوزارة الخدمات في الحكومة، لإعادة تأهيلها من جديد بالتعاون مع المنظمات الداعمة.
ووفق رؤية الوزير فإن اختلاط المياه النظيفة مع الصرف الصحي، يزيد من مخاطر انتشار الأمراض، وخصوصصا التهاب الكبد الإنتاني والحمى التيفية (التيفوئيد)، مقترحًا تجهيز آبار بحرية أقل تلوثًا من السطحية التي ترشح إليها مياه الصرف الصحي وتزيد من إمكانية الإصابة.
ولم تظهر حالات كوليرا في الشمال السوري حتى الآن، بينما ظهرت بعض حالات الحمى التيفية والتهاب الكبد، ويعود ذلك إلى تضرر البنية التحتية وشبكات المياه، نتيجة للقصف المتكرر على المناطق “المحررة”، بحسب الوزير.
أحصت الوزارة حتى 15 أيار الماضي، 50 حالة التهاب كبد إنتاني في إدلب، وحوالي 1225 حالة في ريف حلب، بينما وثقت حالات نادرة لأشخاص مصابين بالتيفوئيد.
وتعمل الوزارة في الوقت الراهن على إصدار مذكرة تفاهم بينها وبين المنظمات الطبية العاملة في الداخل السوري، لضمان شفافية العمل واستمرار نشاط المنظمات وفق الخارطة الطبية التي وضعتها الوزارة، بأن تتوزع الموارد البشرية على المناطق بشكل مناسب.
شغل الدكتور محمد فراس الجندي منصب وزير الصحة للمرة الأولى في الحكومة المؤقتة، وهو طبيب بشري من مواليد معرة النعمان في ريف إدلب عام 1958، وعمل مديرًا للمكتب الإغاثي الموحد فيها سابقًا.
وأدار الجندي مشفىً خاصًا في المعرة، حوّله مع بدء الثورة إلى خيري يستقبل المرضى والجرحى مجانًا، وله سمعة جيدة بين الأهالي، ويعتبر من وجهاء معرة النعمان.