وفاة مصطفى طلاس.. الطرق على الذاكرة
محمد رشدي شربجي
الرجل كان مجرمًا ويتفاخر في ذلك، ولا شك أنه ساهم في كل مجازر حافظ الأسد الكبرى حتى نال ثقته لثلاثة عقود كاملة، وقد اعترف في أكثر من مكان أنه كان يوقّع شخصيًا مئات قرارات الإعدام، وهو ما جنى عليه بالنهاية مئات الملايين الدولارات، ورثها لأبنائه وأحفاده ليستطيعوا العيش في دول أوروبا الإمبريالية، بعد أن هيمنوا على إطعام الجيش لعدة عقود. وفي سوريا الأسد التي كانت أشبه بمزرعة، وجد وزير الدفاع العتيد فيها مكانًا ليؤسس دار نشر باسمه ليتقيّأ من خلالها بفنون الطبخ والسياسة والحرب التي يتقنها، ليست مزحة على الإطلاق، لطلاس كتاب عن الطبخ فعلًا.
وقد أثارت وفاته الجدل في أوساط المعارضة المنقسمة على كل شيء، ولعل مصدر الالتباس في قضية مصطفى طلاس هو انخراط أبنائه في صفوف المعارضة، والحق يقال أنه كان بإمكان فراس ومناف أن يبقوا مع الأسد كما بقي الآخرون وكما يسارع الكثيرون اليوم بعد انقلاب كفة الموازين، وفي ظروف كهذه كانت ستتاح لهم فرص استثمارية كبرى داخل سوريا، وبكل تأكيد فإنه لا يمكن البت بدوافع انشقاقهم عن النظام التي لا يمكن بحال من الأحوال التسليم ببراءتها، إلا أنه يجب القول من حيث المبدأ إن كل من انشق عن النظام هو أفضل من كل من بقي معه.
قضية مناف وفراس طلاس وبعدهما رياض حجاب، مع الفرق بين الحالتين، وكثير من الضباط الذين انشقوا عن النظام، تطرح مرة أخرى قضية تعامل جمهور الثورة مع المنشقين، كل أفراد النظام تقريبًا سارقون ومرتشون ومجرمون، هذه حقيقة واقعة، وفي نظام كنظام الأسد يصعب تخيّل أن يصل شخص نظيف إلى أي منصب قيادي في أي مكان، ولكن ما العمل بالضبط والحالة هذه؟ هل نريد منهم الانشقاق أم لا؟ أم نريد منهم الانشقاق ثم جعلهم يندمون على قرار كهذا؟
ليس لدي جواب شافٍ لقضية كهذه، ولكن ما أعرفه أن الترحّم على مصطفى طلاس من قبل معارضين (والترحم هنا موقف سياسي) هو أمر مثير للقرف والغثيان، خاصة أن السوريين مازالوا يكتوون بنار النظام ذاته الذي ساهم ببنائه طلاس.
على السوريين ألا يتسامحوا بأي شكل مع الأشكال مع هكذا ممارسات، علينا أن نتعلم من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، التشكيك بجرائم النازيين جريمة يعاقب عليها القانون، أي محاولة ولو عرضًا أو على سبيل التشبيه المبالغ فيه للقول إن هناك أسوأ من النازية يقابل برد فعل شرس من كل الطيف السياسي والشعبي.
بات معروفًا حجم التواطؤ الدولي على الشعب السوري، كما بات معروفًا أن الأمور لأخطاء ارتكبتها الثورة وعوامل أخرى لا تسير في صالحنا، وهنا تكمن الأهمية المضاعفة للذاكرة التي علينا أن نحترف الطرق عليها بلا هوادة، وأن نذكّر السوريين كل يوم بثأرهم وحقدهم وحقهم في العودة، بكرههم للأسد ولمن شردهم، ذاكرتنا هي آخر قلاعنا التي لا يجب أن يصل إليها أحد، هي المكان الوحيد الذين نملك بابه ومفتاحه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :