نجح المنتخب الألماني للشباب بحصد لقب بطولة أوروبا لكرة القدم 2017 في نسختها 21 في بولندا، بعد فوزه على نظيره الإسباني في المباراة النهائية بهدف نظيف، في المباراة التي احتضنها ملعب بيلسودسكي بمدينة كراكوف.
وحظي المنتخب الشاب بثناء متابعي البطولة الأوروبية، في تأكيد من “المانشافت” على حرفية الكرة الألمانية وتألقها، على صعيد الفئات العمرية، على غرار لاعبي الصف الثاني للمنتخب الأول الذين يشاركون حاليًا في كأس القارات وتمكنوا من الوصول إلى المباراة النهائية متغلبين على المكسيك برباعية مقابل هدف.
ويلتقي المنتخب الألماني في نهائي كأس القارات، الأحد 2 تموز، نظيره التشيلي في سانت بيترسبورغ، وهذه هي المرة الأولى التي يبلغ فيها نهائي كأس القارات.
مزيج يعكس حقيقة المجتمع الألماني
تزخر تشكيلة الشباب الألمانية بالعديد من اللاعبين ذوي الأصول المهاجرة، الذين يثبتون بأنهم سيصنعون مستقبل الكرة الألمانية، والبداية كانت ما حققوه الأسبوع الفائت في بطولة أوروبا، حيث بدا التغيير الذي تشهده الكرة الألمانية واضحًا، وأصبح اللاعبون المهاجرون يشكلون دعامة أساسية في التشكيلة، وهذا لم يكن معهودًا بالنسبة للمانشافات على عكس منتخبات أوروبية أخرى كفرنسا وهولندا التي اعتدنا مشاهدتهم فيها.
يشكل اللاعبون المهاجرون نسبة ليست بالقليلة من المنتخب الألماني، إذ بلغت في البطولة الأخيرة حوالي ثلث لاعبي المنتخب.
ومن أبرز الأمثلة على اللاعبين المهاجرين في المنتخب الصاعد اللاعب تيلو كيهرير مدافع نادي شالكه الألماني، المولود لأب ألماني وأم من بوروندي، وزميله في خط الدفاع غيديون يونغ المنحدر من أبوين غانيين ويلعب في نادي هامبورغ، كما العاجي سيرغي غنابري نجم الهجوم الألماني، بالإضافة إلى السوري محمود داوود، المنتقل حديثًا إلى نادي دورتموند، والذي ولد في سوريا في مدينة عامودا قبل أن يرحل صغيرًا مع والديه إلى ألمانيا، كما الأفغاني لاعب هوفنهايم نديم أميري.
مهاجرون في المنتخب الأول
واعتبر موقع “DW” الألماني أن اللاعبين المهاجرين باتوا يشكلون منتخبًا متكاملًا على مستوى جميع الخطوط تقريبًا، ففي حراسة المرمى، حارس ليفركوزن بيرند لينو الذي ينحدر والداه من الاتحاد السوفييتي سابقًا، وهو ممن يطلق عليهم ألمان روسيا، أما في خط الدفاع، فهو صخرة دفاع العملاق البافاري الغاني جيروم بواتينغ، إلى جانب إمري جان التركي لاعب ليفربول، وشكودران موصطافي الألباني لاعب أرسنال، وأونطونيو روديغر المولود لأم من سيراليون وأب ألماني.
بالإضافة إلى سامي خضير لاعب يوفنتوس المولود لأب تونسي وأم ألمانية، وأوزيل التركي الأصل والذي اعتبره الإعلام الألماني بانضمامه للمنتخب نموذجًا للاندماج داخل ألمانيا، والشاب ليروي سانيه لاعب مانشسترسيتي من أب سنغالي لاعب كرة قدم سابق وأم ألمانية هي ريغينا فيبر نجمة الجومباز.
وبغض النظر عن أصول اللاعبين فإن الأهم بالنسبة للمدرب الألماني سواء في المنتخب الأول أو المنتخبات العمرية، هو إمكانيات اللاعب الفنية والتزامه بالمعايير التي يضعها الاتحاد الألماني لكرة القدم، وأهمها أن يكون قدوة لمن هم أصغر منه.
ويريد المشرفون على كرة القدم الألمانية من ضم العناصر المهاجرة إلى المنتخب رسالة مفادها أن هذا الفريق “يمثل الوجه الحقيقي لألمانيا”. وهذه رسالة لها قوة رمزية، تظهر مدى الاستفادة الكبرى التي جنتها كرة القدم الألمانية من الهجرة.
وقال موقع فوكوس “لاعبو ألمانيا، مثل الشباب ذوي الأصول المهاجرة، يمثلون لمجتمعنا إلهامًا وعاطفةً وشجاعةً تدفعه للأمام”.
قواعد صاعدة بقدرة الكبار
المدير الفني السابق للمنتخب الألماني، يورغن كلينسمان، يرى أن الكرة الألمانية تتمتع بقوة لا تقارن بفضل اللاعبين الشباب المشاركين حاليًا في كأس القارات وبطولة أوروبا تحت 21 عامًا، وقال في مقال نشره بمجلة “كيكر” إنه “من 44 لاعبًا يشاركون في هاتين البطولتين، يوجد هناك لاعبان فقط فوق 27 عامًا أو بطريقة أخرى هناك 42 لاعبًا تقل أعمارهم عن 27 عامًا و40 منهم لم يصلوا إلى 26 عامًا بعد، ولا توجد دولة في العالم تتمتع بقوة مماثلة بفضل أعمار اللاعبين التي تتراوح بين 21 و26 عامًا”.
وأشار اللاعب الألماني السابق، الفائز بلقب مونديال 1990 وبطولة أوروبا 1996، إلى أنه بالإضافة إلى هؤلاء اللاعبين الشباب الصاعدين تتمتع ألمانيا أيضًا بعنصر الخبرة بين صفوف منتخبها الأول لكرة القدم، والتي تتمثل باللاعبين المخضرمين الذين لا يشاركون في النسخة الحالية من كأس القارات لحاجتهم للراحة.
وأضاف “بجانب هؤلاء يوجد اللاعبون المخضرمون مثل هومليس وبواتينغ ومولر وأوزيل ونوير وغوندوغان وغوتزه وهوفيديس وكروس وخضيرة وفيغيل وريوس وساني، ولدى يواخيم لوف (مدرب المنتخب الألماني الأول) أكثر من 50 لاعبًا لتجهيز الفريق من أجل المونديال”.
بدوره، اعتبر لوف أن المنتخب الألماني يملك قاعدة جيدة، لكنه في ذات الوقت هناك دول أوروبية أخرى لديها أيضًا قاعدة كبيرة من اللاعبين الشباب مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وأضاف أنه “من غير المسموح التوقف عند هذا الحد”.
وبخصوص التطور في أداء اللاعبين الألمان، قال لوف إنّ اللاعبين الشباب أصبح لديهم مستوى عالٍ من الناحية التقنية والتكتيكية مقارنة مع عشر سنوات سابقة، مضيفًا أنه في حالات الضغط أصبحت لديهم حلول أكثر.
4% لنصل إلى القمة
لكن وجود 50 لاعبًا من المستوى العالي حاليًا، ليس يعني بالضرورة أن يضمن المنتخب الألماني الفوز بكأس العالم المقبلة، الأمر الذي يراه المدير الرياضي بالاتحاد الألماني لكرة القدم، هورست هروبيش، “واقعيًا”.
وقال هروبيش، الذي قاد المنتخب الأولمبي الألماني للفوز بفضية ريو دي جانيرو العام الماضي، إن على الألمان المحافظة على هذا المستوى وتطويره، خاصة على المستوى الذهني الذي مازال ينقص المنتخب فيه نسبة ثلاثة أو أربعة في المئة حتى يصل إلى القمة.
الخطة الألمانية بدأت قبل 15 عامًا
ويأتي هذا النجاح الكبير نتيجة خطة طويلة بدأت قبل 15 عامًا من الآن، وتحديدًا عام 2002، حين قرر اتحاد الكرة الألماني ورابطة الأندية المحترفة “بوندسليجا” إطلاق مشروع الأكاديميات وتطوير قطاعات الناشئين، وذلك بسبب الفشل الذي تعرض له المنتخب الألماني في كل الفئات السنية بعد آخر بطولة عالم حققها الألمان عام 1990 بإيطاليا.
وتم ضخ أكثر من 700 مليون يورو لتطوير الناشئين في كافة أرجاء البلاد منذ ذلك الحين، ليكون هذا المشروع بمثابة الفانوس السحري لتفوق الكرة الألمانية، وجاء المشروع الجديد بخطة تتضمن إعادة بناء أساس متين تعوِّل عليه الفئات السنية للمنتخب الألماني وكذلك الأندية التي انخرطت في هذا المشروع الطموح.
وانتهى المشروع بشكل رسمي عام 2010 بحصد المركز الثالث في كأس العالم الذي أقيم في جنوب أفريقيا. هذه النتيجة تعتبر بالنسبة للألمان والقائمين على شؤون كرة القدم في ألمانيا نتيجة جيدة ومؤشرًا قويًا على نجاح الخطة التي رسمت قبل ثماني سنوات.
ولحقها التتويج بكأس العالم في 2014 في البرازيل، البطولة التي تمكّن فيها المنتخب من سحق أبرز خصومه، وأبرز النتائج كانت التفوق على المنتخب البرازيلي صاحب الأرض بسبعة أهداف مقابل هدف، ثم التفوق على الأرجنتين في المباراة النهائية.