الدراسة الجامعية المبتورة.. مهندسٌ مع وقف التنفيذ

  • 2017/07/02
  • 3:07 ص

طلاب في الجامعة العربية الدولية في دمشق (موقع الجامعة)

عنب بلدي – حنين النقري

لا يصل الطالب السوريّ للمرحلة الجامعية بسهولة، ولعلّ أبرز ما يعبّر عن سياسة نظام الأسد في هذا المجال قول صالحة سنقر، وزيرة التعليم العالي في حكومة محمود الزعبي، عام 1992 “سأجعل دخول الجامعة حلمًا لكل طالب سوري”.

ولئن كان دخول الجامعة حلمًا لطلبة الثالث الثانوي، فإن الاستمرار فيها اليوم حتى التخرج هو التحدي الحقيقيّ، فدخول الجامعة ليس إلا الخطوة الأولى من طريق وعر محفوف بالمخاطر والسَّوق للاحتياط والملاحقات الأمنية والتشبيح، الأمر الذي تسبب بانقطاع عشرات الآلاف من الجامعيين عن تعليمهم.

يشير تقرير للبنك الدولي نشره عام 2015 بأن أكثر من نصف شباب سوريا بالتعليم العالي تعرضوا للتشريد، ومنعوا من متابعة دراستهم لأسباب تتعلق بغياب الأمان أو دمار المنشآت التعليمية. ويقدر التقرير وجود 200 ألف طالب مؤهل للتعليم العالي من بين 12 مليون لاجئ سوري في الخارج.

من بين هؤلاء الآلاف يقول مختار “يا فرحة ما تمت، خدها الغراب وطار على قولة المصريين، لكن الغراب في حالتنا كان النظام”، معبرًا بذلك عن خيبته بعد أن أُجبر على الانقطاع عن دراسته في كلية الزراعة بجامعة دمشق، بعد عام ونصف من الالتحاق بها.

مختار (25 عامًا (طالبٌ جامعيّ من ريف دمشق، يبدأ حكايته بالقول “عندما دخلت الجامعة لم أصدق أنني انتهيت من إلحاح أهلي وعبارات (روح ادرس، وعندك بكالوريا، والبكالوريا بدها هز كتاف)، بصراحة بشق الأنفس حصّلت مجموعًا يؤهلني لدخول هندسة الزراعة، وهو فرع كان كغيره بالنسبة لي لكن بمجرد أن تعرفت عليه أحببته وصارت النباتات والحدائق شغفًا حقيقيًا لي”.

 لو كان محظوظًا

في الفصل الدراسي الثاني لمختار في كلية الزراعة، بدأت الثورة التي شارك فيها بحماسة “صارت المظاهرات لا النباتات هاجسي، لم أترك مظاهرة أو تشييعًا أو مسائية في مدينتي دوما إلا حضرتها، الدراسة الجامعية متاحة دومًا، لكن المشاركة في ثورة حرية وكرامة أمر لا يتاح دائمًا، وكما يقول الكاتب أحمد خالد توفيق (المرء لا يرى أكثر من ثورة شعبية واحدة في حياته لو كان محظوظًا)، لذا أردتُ اغتنام فرصة المشاركة في ثورة الشعب، وأكمل الدراسة بعد إسقاط النظام”.

بصعوبة نجح مختار في سنته الدراسية الأولى، لكن سنته الثانية كانت مختلفة، يتابع “بدأت الأحوال في الغوطة الشرقية تسوء، وكان الطريق إلى جامعتي محفوفًا بالحواجز، اعتقلوا الكثير من زملائي في الجامعة وعلى الحواجز بسبب قيد نفوسهم من الغوطة الشرقية، فآثرت السلامة ولم ألتزم بالحضور، بدأت أبتعد عن الحياة الجامعية شيئًا فشيئًا، السلوان في هذا أنني كنتُ أرى الغالبية العظمى من الطلاب الجامعيين حولي مثلي، اعتقدتُ أنه من المستحيل أن يضيع مستقبلنا جميعًا، لكن رهاني كان خاسرًا”.

محاولات عودة

في عام 2013، حوصر مختار كمئات الألاف من المدنيين في الغوطة، وهو ما اضطره للبحث عن أيّ عمل يساعد به نفسه والناس، يقول “عندما حاصر النظام الغوطة علمتُ أن علي نسيان الجامعة حتى إشعار آخر، وبعد تدريب بسيط بدأت العمل كمسعف في نقطة طبية، أمضيتُ بهذا العمل أربعة أعوام كاملة، توقف فيها تعليمي، ونسيت فيها كل شيء يمت للزراعة بصلة، عالمي هو أصوات الغارات ورائحة اللحم البشريّ المحروق أحاول إسعافه”.

بعدما رآه من الخلافات والشقاقات في الغوطة، واستنزاف طاقته خلال سنوات من الحصار والبعد عن عائلته، تمكّن مختار منذ شهرين من مغادرة الغوطة ودخول تركيا عقب محاولات فاشلة عديدة، يقول “لم يعد في جعبتي شيء أقدمه، عمري يمضي ولم أؤسس حياتي قيد أنملة، عمري الآن 25، ما يعني أنه مضى على سن تخرجي النظامية ثلاثة أعوام، لذا اخترت الخروج لألتقي بعائلتي، عليّ أبدأ حياتي من الصفر هنا، أعرف أن الأمر صعب لكنني سأحاول جهدي أن أصل ما انقطع، وأكمل دراستي، هذا إن استطعتُ استخراج أوراقي من جامعة دمشق”.

هم وزال

تشبه حكاية سلمى (29عامًا) من حمص، وحياتها الجامعية ما رواه مختار بفارق واحد بسيط، أنها لا ترغب بإتمامها، تقول “يعرف أهلي جميعًا عدم ميلي للهندسات جميعها، كنتُ على الدوام أقرب للفن والرسم، أو حتى للأدب العربيّ، لكنّ تفوقي الدراسيّ وعلاماتي الممتازة أتاحت أمامي جميع الاختصاصات الهندسية في الجامعة، وهو ما أجبرني أهلي على الالتحاق به، فدخلت كلية هندسة المعلوماتية، وهناك صادفت الرسوب للمرة الأولى بسبب نفوري الشديد من الفرع”.

في بداية السنة الدراسية الرابعة كانت سلمى عندما اشتد التصعيد العسكري على حمص، فامتنعت عن الدوام بجامعتها، تقول “بصراحة كان انقطاعي عن الجامعة بمثابة هم قد زال عن عاتقي، سافرتُ مع عائلتي بعدها إلى تركيا بسبب استمرار تدهور أوضاع حمص، بعد عامين من الانقطاع عن الدراسة بدأ أهلي بالإلحاح عليّ لأتابع دراستي وأتخرج، لكنني وجدتُ أن الفرصة متاحة أمامي لتصحيح مسار حياتي، خاصة أن متابعة الدراسة تعني الحاجة لسنة كاملة من اللغة، ومتابعة الدراسة من العام الثاني أو الثالث، فلمَ أخسر حياتي في فرع لا أرغب بالعمل فيه أساسًا؟”.

فرصة تصحيح مسار

سيرًا وراء رغبتها الأساسية بالعمل في الفنون والرسم، بدأت سلمى بالبحث عن دورات تعليمية عبر الإنترنت للتصميم، تقول “لم أرغب بأن أضيع بين تعلم اللغة وأروقة الجامعة من جديد، لذا بدأتُ بشراء دورات من مواقع أكاديمية عالمية شهيرة، وشيئًا فشيئًا بدأت مهاراتي التصميمية تتبلور، ساعدني على ذلك شغفي بمجال الرسم ومهارتي باستخدام الحاسب بحكم دراستي للهندسة، وهكذا حصلتُ على العمل الأول في مجال التصميم في أحد مواقع العمل الحرّ، وهو ما أعمل به منذ أكثر من عام، تفهم أهلي أخيرًا رغبتي أمام ما شهدوه فيّ من إصرار وإرادة على تعلم التصميم”.

تشير سلمى إلى أن الانقطاع عن الدراسة كان كارثيًا في أحوال الكثير من الطلاب، وتستدرك “لكننا جميعًا نستطيع أن نبحث عن الفرص الكامنة في التحديات التي تواجهنا، فمثلًا لولا انقطاعي عن التعليم ورغبتي القوية في إعادة مياه شغفي لمجاريها لكنتُ الآن موظفة في إحدى وظائف الحكومة أقوم بعمل روتيني لا أطيقه”.

قبّعة تخرّج

يتقاطع رأي محمد 26) عامًا( طالب اقتصاد مع سلمى، إذ اختار بشكل ذاتي عدم متابعة الدراسة رغم كون ذلك متاحًا له، يقول “أرسل خالي لي دعوة زيارة إلى السعودية في بداية الثورة وكنتُ في العام الدراسيّ الثاني، وبسبب مخاوفي من الاعتقال وتدهور الأوضاع، سعيت كثيرًا حتى حصلتُ على إقامة وبقيت هناك، لكن كان عليّ أن أعمل لأعيل نفسي، وهكذا بحثت عن أيّ عمل في أيّ مجال، والحمد لله وفقني الله لصاحب معرض أثاث تفهّم وضعي ووظفني عنده، بعد تدريب عملتُ كموظف تسويق في صالة العرض حيث أثبتّ جدارة وموهبة في الإقناع، ما جعل راتبي يتحسّن شيئًا فشيئًا”.

يقول محمد إن تحسّن ظروف عمله والدخل الممتاز الذي حصل عليه جعلاه يغض النظر عن فكرة متابعة الدراسة حاليًا، يتابع “ليس لديّ موهبة أو شغف معين، الاقتصاد بالنسبة لي مثل العمل في صالة العرض كموظف تسويق، عملي يدرّ عليّ أضعاف أجور زملائي من الخريجين، لذا اخترتُ أن أتابع العمل وأكوّن نفسي لأتزوج”.

يشير محمد أنه ورغم ذلك فإن عائلته تلحّ عليه دومًا لمتابعة دراسته، يقول “رغم النجاح الذي يرى أهلي أنني حققته فإنهم مايزالون يلحون علي لأتابع دراستي. لقبّعة التخرّج أهمية بالغة ورمزية عاطفية لدى الأهل أكبر من أي نجاح آخر”.

الجامعات السورية بالأرقام:

  • عدد الجامعات في سوريا 6 جامعات حكومية و16 جامعة خاصة.

  • عدد المعاهد المتوسطة ودور المعلمين 198 معهدًا.

  • بلغ عدد الطلاب في الجامعات الحكومية في عام 2010 قرابة 324203.

  • بلغ عدد طلاب الجامعات الخاصة عام 2010 قرابة 24573 ألف طالب.‏

  • يقدّر تقرير للبنك الدولي وجود 200 ألف طالب مؤهل للتعليم العالي من بين 12 مليون لاجئ سوري في الخارج.

  • يشير تقرير للبنك الدولي نشره عام 2015 بأن أكثر من نصف شباب سوريا بالتعليم العالي تعرضوا للتشريد.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع