عنب بلدي – درعا
ركز النظام السوري منذ الأشهر الأولى للثورة على حرب الطرقات الرئيسية، كخطوة للتحكم بعُقَد الطرق بين المدن والبلدات، فكانت مدينة الشيخ مسكين في محافظة درعا واحدة من أهدافه، فهي موقع مهم يتوسط المحافظة.
واستطاعت قوات الأسد تحصين المدينة، وتعزيز سيطرتها داخلها وعلى أطرافها، لتفرض القبضة الأمنية والعسكرية على الأهالي، وتنجح بتحييدها عن النشاط المعارض المسلح، لعدة سنوات.
ونظرًا لهذه الأهمية، تحولت الشيخ مسكين إلى نقطة استقطاب لفصائل المعارضة، والتي أطلقت معركة في كانون الثاني 2015 حملت اسم “ادخلوا عليهم الباب”، تمكنت خلالها من إحكام سيطرتها على المدينة، وعلى أبرز المواقع العسكرية فيها، المتمثلة باللواء 182 للدفاع الجوي.
لكن لم تمض أشهر حتى بادرت قوات الأسد إلى حملة عسكرية نجحت فيها باستعادتها، ليعود وضع المدينة إلى نقطة الصفر مع اختلاف “جوهري”، إذ باتت خالية تمامًا من سكانها، الذين نزحوا عنها بفعل المعارك والقصف العنيف، ولم يسمح لهم بالعودة بعد ذلك.
بعد عام ونصف تسود الشيخ مسكين حالة من الركود، فلا عمل عسكري في محيطها، والشوارع خالية.
لكن الأيام القليلة الماضية شهدت “تحركات مريبة” لقوات الأسد، كما وصفها أبو عامر الحريري، أحد مقاتلي “الجيش الحر” في بلدة ابطع.
وأوضح المقاتل لعنب بلدي أن “قوات الأسد استقدمت تعزيزات إضافية، وتم رصد انسحاب لأعداد من العناصر ممن تواجدوا فيها خلال الأشهر الماضية”.
وأشار إلى أن “هذه التحركات قد لا تشير لعمل عسكري قريب، لكنها بذات الوقت لا تنفي إمكانية وقوعه، كون بلدتا ابطع وداعل محاصرتين من ثلاث جهات، وأي عمل عسكري على هذه البلدات، سينطلق حتمًا من الشيخ مسكين (…) نحن حذرون أمام أي تحركات”.
الأهالي يناشدون الفصائل لاسترجاعها
في ذات السياق يضع غياب أي عمل عسكري للمعارضة باتجاه المدينة، علامات استفهام كثيرة.
وقال المقاتل إننا “ندرك أهمية تحرير المدينة على محافظة درعا بكاملها، إلا أن هذه المعركة ليست سهلة على الإطلاق، لا سيما في الوقت الراهن، فإمكانيات الجيش الحر موزعة على جبهات عديدة”.
وأمام هذا المشهد، الذي تغيب عنه أي بوادر لعودة قريبة للأهالي إلى مدينتهم، اضطر، وبحسب تقديرات محلية، أكثر من 40 ألف نسمة من أهالي المدينة إلى النزوح عنها، حيث انتقل بضعة آلاف نحو مناطق سيطرة قوات الأسد، بينما مايزال العدد الأكبر منهم نازحين في المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، إضافةً إلى وجود مئات العائلات في مخيمات، كمخيم زيزون.
وأوضح أحد النازحين من المدينة، ويدعى قاسم الفاعوري، أن “معاناة المخيم لا تقارن بمعاناة النزوح عن المدينة، واحتلالها من قبل الميليشيات الطائفية”.
ونقل قاسم مناشدات من أهالي المدينة النازحين، طالبت فصائل المعارضة السورية باستعادة المدينة، “بدلًا من مراقبتها من بعيد”. لكنه عبّر عن قلقه من أي عمل عسكري قد تشنه قوات الأسد في محيط المدينة يتيح لها السيطرة على مواقع إضافية، الأمر الذي يجعل فرص العودة ضئيلة.
ويضع تموضع قوات المعارضة على أطراف المدن التي تسيطر عليها قوات الأسد، بعد تهجير كامل أهلها، الكثير من التساؤلات حول النهج العسكري للمعارضة في سبيل إعادة الأهالي إلى منازلهم، والذي يتيح لقوات الأسد اتخاذ المدن كنقاط تحصين والانطلاق منها إلى المواقع الأخرى، لتكون مدينة الشيخ مسكين آخر المنضمين إلى قائمة المدن المهجّرة في درعا، إلى جانب بلدات خربة غزالة، نامر، عتمان ودير العدس.