عنب بلدي – خاص
ما إن خرج رئيس الوزراء التركي، ويسي قايناق، في 29 حزيران، مؤكدًا على ضرورة “تطهير منطقة عفرين شمال سوريا من الإرهاب”، حتى تصاعدت التصريحات الكردية المناصرة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي (PYD)، والتي هددت بمواجهة أنقرة في حال بدئها عملية عسكرية في المنطقة، قيل إنها ستحمل اسم “سيف الفرات”.
مع تزايد التكهنات حول ماهية العملية العسكرية، التي ستخوضها تركيا بمشاركة فصائل “الجيش الحر” شمال حلب، تعقد “قوات سوريا الديمقراطية”(قسد)، التي تسيطر على عفرين، آمالًا على مساعدةٍ تقدمها روسيا، التي استجلبت أيار الماضي آليات وأسلحة بنية إنشاء قاعدة عسكرية لها في المنطقة.
بدء المواجهات في عفرين قد يحمل تطوراتٍ عسكرية على الأرض، أبرزها إمكانية انحسار معركة الرقة، التي تقودها “قسد”، ويرى خبراء ومراقبون أنها قد تلجأ لإيقافها طلبًا لتدخلٍ من الولايات المتحدة، التي تدعم معاركها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، من خلال “التحالف الدولي”.
حتى السبت 1 تموز، لم يصدر أي تصريح رسمي من روسيا، حول نية تركيا بدء معركة نحو عفرين، وبينما طالب قادة من “قسد” بتدخّل موسكو، اعتبر آخرون أنه لا يُمكن لأنقرة أن تزحف غرب مناطق “درع الفرات”، إلا بموافقة دولية وعلم الروس.
“سيف الفرات” ضد “PYD“
اسم العملية ظهر إلى العلن في نيسان الماضي، عندما ذكرت صحيفة “صباح” التركية، المقرّبة من الحكومة، أن حملة مشابهة لـ”درع الفرات”، ستبدأ بالتوجه نحو عفرين تحت اسم “سيف الفرات”، وفق ما ترجمت عنب بلدي عن الصحيفة.
وغاب المصطلح منذ ذلك الحين، إلى أن ظهر في خبر لصحيفة “قرار” التركية، الجمعة 30 حزيران، وذكرت أن الجيش التركي يُجهّز لإطلاق عملية بذات الاسم، ضد مقاتلي حزب “PYD”.
وأوضحت الصحيفة أن التجهيزات للعملية بدأت قبل رمضان، مع حشد قوات عسكرية تبلغ ضعف القوات التي شاركت في “درع الفرات”، التي شنتها تركيا إلى جانب “الجيش الحر” وسيطرت على جرابلس والباب وعشرات القرى والبلدات شمال حلب، منذ آب 2016.
ووفق ما تتداوله وسائل الإعلام التركية، فإن أنقرة حشدت سبعة آلاف من القوات التركية الخاصة على الحدود، مع إعطاء الأوامر لكل من القوات التركية وقوات المعارضة بالجهوزية التامة، بينما رصدت مصادر عنب بلدي تحركات واسعة في اعزاز والمعابر الحدودية.
ربما تبدأ العملية أواخر تموز أو مطلع آب المقبل، وفق التكهنات التي لم تحمل الطابع الرسمي حتى اليوم، إلا أن دخول القوات التركية يُرجّح أن يكون من غرب اعزاز، في كل من بلدة عين دقنة ومطارمنغ العسكري في ريف حلب الشمالي، وصولاً إلى كل من تل رفعت وعفرين، ومدينة تل أبيض شمال الرقة.
تسيطر “YPG” على منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي منذ عام 2013، وأجرت تحالفات مع فصائل عربية في المنطقة، وتحديدًا “جيش الثوار” ضمن “قوات سوريا الديمقراطية”.
وشهدت عفرين خلال نيسان الماضي، قصفًا مدفعيًا وصاروخيًا تركيًا، استهدف مواقع لـ “الوحدات” في المنطقة. |
الهدف من العملية
تركيا، التي تعتبر “PYD” ذراعًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) في سوريا، تسعى لطرد التنظيم، المصنّف “إرهابيًا” من حدودها، وذكرت صحيفة “يني شفق” التركية أن الهدف من العملية المقبلة، يكمن في طرد “وحدات حماية الشعب” (YPG)، التي تشكل أغلبية “قسد”، من مدينة تل رفعت ومطار منغ، بعد أن سيطرت عليهما عقب انسحاب المعارضة عام 2016.
وفي خطوة ثانية من العملية، تهدف القوات التركية وفصائل “الجيش الحر”، للوصول إلى منطقة مريمين، التي تبعد خمسة كيلومترات إلى الشرق من مدينة عفرين.
ووفق مصادر مطّلعة صرحت سابقًا لعنب بلدي، فإن المعركة لا تهدف إلى اقتحام مدينة عفرين وريفها الغربي والشمالي، بل ستركز على فتح خط إمداد عسكري بين محافظتي إدلب وريف حلب الشمالي.
فتح طريق الإمداد يتطلب من القوات المهاجمة، السيطرة على المناطق الشمالية المحاذية لبلدتي نبل والزهراء، الخاضعتين لسيطرة قوات الأسد والميليشيات الأجنبية، لضمان الوصول إلى بلدة دارة عزة في ريف حلب الغربي، وبالتالي محافظة إدلب.
ومع انتشار أنباءٍ عن انسحاب القوات الروسية من عفرين، إلى بلدة نبل التي تخضع لسيطرة قوات الأسد في ريف حلب الشمالي، نفت مصادر عسكرية من المنطقة لعنب بلدي الانسحاب، مشيرةً إلى أن القوات الروسية التي دخلت قبل أسابيع “ماتزال ضمن المعسكرات المصغرة التي أنشأتها”.
“قسد” تُحذّر من “مواجهة مفتوحة”
وتعليقًا على ما سبق، حذّرت “قوات سوريا الديمقراطية” من مواجهة عسكرية “قوية ومفتوحة”، في حال تجاوزت أنقرة الخطوط المرسومة، في منطقة عفرين، وجاء ذلك على لسان مستشار القوات، ناصر حاج منصور، وقال لوكالة “رويترز”، الخميس 29 نيسان، إن القوات “اتخذت قرارًا بمواجهة القوات التركية، إذا هم حاولوا تجاوز الخطوط المعروفة في منطقة عفرين”.
وأضاف حاج منصور أن الهجوم التركي على عفرين “يضر كثيرًا بمعركتها لإجبار تنظيم الدولة على الانسحاب من مدينة الرقة، من خلال إبعاد مقاتلي القوات عن الخطوط الأمامية في المدينة”.
بدوره قال سيبان حمو، القائد العام لـ”YPG”، إن الرد على الهجوم التركي نحو عفرين “سيكون تاريخيًا”، مؤكدًا عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك”، أن “عفرين والشهباء لن تسقط أبدًا”.
وشبّه مناصرون لـ”الوحدات” ما يجري، بالمعارك التي جرت في عين العرب (كوباني)، وطرد خلالها تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2015.
تصريحات “قسد” ومناصريها، جاءت عقب حديث قايناق، عن ضرورة “تطهير منطقة عفرين من الإرهابيين لتحقيق الاستقرار في المنطقة”، مشيرًا من ولاية “كهرمان مرعش”، الأربعاء 28 حزيران، إلى أن “وزارة الخارجية التركية وجهاز الاستخبارات يواصلان لقاءاتهما مع نظرائهما في هذا الخصوص”.
ولفت الوزير التركي إلى أنه “دون تطهير عفرين من الإرهابيين لا يمكن لأحد أن يضمن أمن اعزاز ولا مارع ولا الباب، ولا حتى إدلب”، مشددًا “تركيا تواصل مساعيها الدبلوماسية في هذا الخصوص”.
مثقفون كرد يطالبون بخروج “PYD” من عفرين
وفي محاولة لتجنب عملية عسكرية تركية في عفرين، طالب ناشطون ومثقفون كرد بخروج “PYD”، من المنطقة، الخميس 29 حزيران، وحصلت عنب بلدي على نسخة من بيان، وقع عليه 98 ناشطًا ومثقفًا كرديًا.
وجاء في البيان “تنذر المعلومات الواردة من كوردستان سوريا عن نية الجيش التركي والفصائل الموالية لها اقتحام منطقة عفرين، أو فرض حصار خانق عليها، للقضاء على حزب PYD، الفرع السوري من (حزب العمال الكردستاني PKK)”.
واتهم المثقفون “الاتحاد الديمقراطي” باستيلائه على القرار السياسي والعسكري لكرد سوريا، وأنه عمل بنفس الوقت على “شحن وتصعيد النزعات الطائفية وزيادة بؤر التوتر مع محيط مدينة عفرين”.
البيان اعتبر أن الحزب “مايزال مجرد ورقة ضغط بيد النظام السوري، يلوح بها في وجه دول الجوار، لتكريس مشاريعه الرامية إلى إظهار الكرد كجزء من اللعبة الطائفية التي تجتاح المنطقة (…)، مما يخلق صورة لا تعبر عن جوهر القضية الكردية العادلة”.
وطالب البيان بترك إدارة شؤون مدينة عفرين لأبنائها مستقبلًا، “لقطع الطريق أمام ذرائع وحجج العمال الكردستاني، وتفعيل دور المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية للضغط على هذا الحزب من خلال الممولين والداعمين الدوليين”.
يرى مراقبون أن بدء تركيا عملية نحو عفرين، سيجر روسيا للدخول في النزاع، معتبرين أن تركيز أنقرة قواتها في تل رفعت واعزاز “أكثر عقلانية”، في ظل صعوبة المواجهات التي تفرضها جغرافية عفرين.
لا تحركات جدية نحو عفرين حتى السبت 1 تموز، إلا أن مصادر عنب بلدي أكدت جدية التحركات في المنطقة، ما يُنذر باحتمالية تطورات على الأرض، أقلها وصل شمال محافظة حلب بغربها، وضمان منع تحرك “قسد” نحو إدلب، التي تضعها نصب أعينها لتكون ممرًا إلى البحر المتوسط.