عنب بلدي – العدد 108 ـ الأحد 16/3/2014
ثلاث سنين مرت على ثورة الكرامة السورية التي تعتريها إشكاليات وعوائق وتعقيدات تحتاج لحلول جذرية -لا إسعافية- يملك مفاتيحها المثقف السوري الذي ترك مهنته الخاصة (طبيب، محامي، مهندس، مدرس، رجل دين، مفكر، أديب.. الخ) وانخرط في الثورة والشأن العام. ولكن معظم هؤلاء المثقفين أوجدوا بونًا شاسعًا بينهم وبين الواجب المترتب عليهم تجاه الثورة، وذلك بسبب خياراتهم الخاطئة لمضامير أنشطتهم، وعدم استخدام أدواتهم ومفاتيحهم في مواضعها الصحيحة، فمنهم من حمل البندقية وهو بارع بالإدارة، ومنهم من عمل في المجال الإعلامي وهو نابغ بالسياسة، ومنهم من اشتغل بالسياسة وهو ناجح بالجراحة، ومنهم من انشغل بالبحث عن المناصب الافتراضية والوهمية وهو حقوقي حاضر البديهة والحجة. وذلك شكّل عدم انسجام بين المكان الذي يشغله المثقف السوري في قطار الثورة، وبين ما يملكه من أدوات. فأسهم بشكل غير مقصود بالفوضى العارمة التي تلف الحالة السورية بمجملها والثورة السورية بشكل خاص، ما أدى إلى تبديد الطاقات اللازمة للثورة والتي هي المسرع الحقيقي للوصول لأهدافها.
نعم نقر ونعترف أن التجهيل الثقافي والثوري الذي مارسه نظام الأسد طوال فترة استبداده كان أحد عوامل الإرباك الذي تملّك المثقف السوري، ولكن هذا الإرباك تم تجاوزه مع سيرورة الثورة التي أخذت تصحح مسارها إلى اليوم، وباتت الكرة في ملعب المثقف السوري الملقى على عاتقه وحده هذه المهمة المعقدة، وعليه فهم الثورة عبر رصد أسبابها ودوافعها ومسارها وتعقيداتها وتطوراتها خلال الفترة المنصرمة، وعليه أيضًا تقديم الأدوات النظرية لتقويم الحالة الآنية وإخراج الثورة السورية من عنق الزجاجة التي كادت أن تتدنى لتصبح أزمة سورية وليست ثورة سورية .
إن المطلوب من المثقف السوري تنظيم حركة الثورة، لاسيما وأنها بدأت ومازالت ثورة اجتماعية شعبية تفتقد للتنظيم في مواجهة عصابة فاشية طائفية منظمة عسكريًا وسياسيًا ولها قيادة موحدة. كما يجب على المثقفين تشكيل قيادة وطنية مستقلة تتميز بطابع اجتماعي مناضل على الأرض، معيارها المواطنة والمساواة، لإيصالنا إلى مستقبل يليق بنا.
فالمثقفين المخلصين لسوريا وحدهم لديهم التصور الصحيح لإخراج الوطن من أتون الجحيم هذا والانتقال إلى بناء الحجر والبشر على حد سواء، وتأهيل المجتمع لاستيعاب مفهوم الديموقراطية قولًا وفعلًا بعيدًا عن التنافس والمزايدة الحزبية.
لم يفت الوقت أمام المثقفين بعد، فالشارع السوري متعطش للحلول والأفكار الثورية والسياسية الناجحة، وإن أي تقاعس من المثقفين ما هو إلا حبال يستعملها النظام ليربط نفسه بها من جانب ويربط المجتمع السوري من جانب آخر لجره نحو الانهيار معه ليثقل كاهل الوطن السوري بالاضطرابات والاصطفافات التي تنتشر بالداخل لتنتقل إقليميًا وعالميًا.
يبدو أن بعض الأطر الثورية لحظت حاجة الثورة للمثقفين «الكتلة الوطنية الجامعة» وبدأت تستقطب المخلصين منهم ضمن أطرها لتشكل نواة تعمل على مأسسة الثورة للتنسيق بين كافة مكوناتها الوطنية كخطوة أولى.