عنب بلدي – العدد 108 ـ الأحد 16/3/2014
حسام الجباوي – مشاركة
بما أن الثورة السورية قامت من أجل الحرية والتخلص من النظام الاستبدادي الشمولي والانتقال إلى نظام ديموقراطي تعددي، فعلى الخط الموازي فإن الثورة قامت أيضًا للتخلص من المفاهيم الشمولية والاستبدادية البالية، التي كانت حجة لاستبداد الناس كالقومية والممانعة وغيرها، ذلك بالإضافة إلى الفساد بكل أنواعه، والمتفشي في جسد النظام ومن ورائه الدولة والمجتمع ككل، كالواسطة والمحسوبيات التي كانت تنخر في الدولة وتهدم بناءها وتحرف مسار تطورها، وتذهب بها نحو الهاوية الاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
من هنا كان لزامًا على الثورة طرح المفاهيم الجديدة المناسبة، وتصحيح الخاطئة منها والتخلص من بعضها الآخر. وقد نجحت الثورة في طرح مفاهيم جديدة وإظهارها والعمل على ترسيخها واعتبارها في بعض الأحيان مبادئ قامت عليها، أو من مسلماتها الأساسية. فظهرت مفاهيم جديدة للحرية والتحرر، وعاد مفهوم الشهادة للظهور من جديد وإن بقالب حديث وغيرها الكثير.
ومما لا شك فيه أن الثورة ليست فقط ثورة على النظام بل ثورة على تلك المفاهيم، ثورة فكر مبدع ومتجدد.
وإني أود التشديد على ثلاثة مفاهيم قديمة-حديثة تحتاجها الثورة الآن وفي المستقبل. تلك المفاهيم، والتي إن عملنا على نشرها وتعويد الناس على العمل بها تكون كفيلة بنقلنا خطوة عظيمة إلى الأمام على مسار بناء الدولة المدنية الحديثة.
أول تلك المفاهيم المسؤولية بأنواعها كافة، ولا يختلف اثنان على أهمية هذا المفهوم ودوره في بناء الفرد والمجتمع، فتنمية حس المسؤولية عند الفرد وتعزيزه يأتي بنتائج جد عظيمة على كل من الفرد والمجتمع، فإحساس الفرد بالمسؤولية وشعوره بها يحمله على التفكير في أي قرار قبل اتخاذه والتخطيط لأي عمل قبل البدء به، وذلك التفكير والتخطيط ينعكس إيجابا، وخاصة عندما يصبحان ضمن استراتيجية عمل الفرد وقراراته.
فشعور الفرد بالمسؤولية هو من حمل أولئك الأبطال من المدنيين على حمل السلاح والدفاع عن العرض والأرض، والمسؤولية هي التي يجب أن تحملنا في سوريا على مواصلة الثورة حتى النصر وعلى العمل بجد من أجل إعمار وبناء سوريا الجديدة وتطويرها وازدهارها لكي تشرق من جديد.
أما المفهوم الثاني فهو العمل، ويأتي بعد المسؤولية، فشعور الفرد وإحساسه بالمسؤولية يولد فيه الدافع للعمل ويحفزه على السير إلى الأمام والمضي في مسيرة العمل، وللعمل أهمية كبرى في بناء الفرد من كافة النواحي الفكرية والاقتصادية والتنموية… الخ. فبالعمل الدؤوب تبنى الدول الحديثة والمزدهرة، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالعمل هو من أخرج اليابانيين من الحضيض بعد الحرب إلى مصاف الدول العظمى المتطورة وإلى ثاني اقتصاد في العالم، وكذا الطفرة الاقتصادية التي حصلت في كوريا الجنوبية وماليزيا. فعلينا في سوريا الجديدة أن نرسخ لدى الجميع ثقافة العمل ونحث الكل عليه لنعيد بناء دولتنا المعاصرة والمتطورة.
أما المفهوم الأخير فهو الإخلاص، وهو على قدر عال من الأهمية، وبكل تأكيد يجب على أي عمل حتى يكون مثمرًا وناجحًا أن يتحلى بالإخلاص.
فالعمل المخلص أكثر تأثيرُا في عملية الإصلاح والتطوير التي تحتاجها سوريا وأي مجتمع يسعى نحو التقدم والرقي، وللإخلاص في العمل آثاره العديدة، ليس فقط آثاره المادية الملموسة على الصعيد العملي، بل حتى على الصعيد النفسي والاجتماعي، فالفرد المخلص في عمله يشعر بالرضى عن نفسه وعمله ويكون في أحسن حالاته النفسية، ومما لا شك فيه أن لتلك الحالة النفسية الجيدة نتائج تنعكس مباشرة على العمل وتظهر في آثاره الإيجابية في المجتمع.
كما أن العمل بإخلاص يعطي أعمالًا ذات جودة عالية وممتازة، ولهذه الجودة نتائج عظيمة تساهم في بناء المجتمع بأفضل الطرق، وتؤدي إلى مجتمع متحضر ومتطور ومبني على أسس قوية.
هذه المفاهيم -كما أرى- يجب علينا كأفراد ومنظمات مجتمع مدني وهيئات بكل أنواعها أن نعمل على نشرها وتعليمها للجميع، بل وترسيخها في عقلية الفرد والمجتمع وتكريس الوقت والجهد للانتقال بها إلى الواقع، وأن تصبح ظاهرة وسلوكًا معاشًا في تصرفاتنا كأفراد وكمجتمع.