المهور “بورصة” تجمّد سوق الزواج في سوريا

  • 2017/06/25
  • 4:41 م
زفاف مقاتل في الجيش السوري الحر في مدينة دوما بريف دمشق - 15 آذار 2016 (رويترز)

زفاف مقاتل في الجيش السوري الحر في مدينة دوما بريف دمشق - 15 آذار 2016 (رويترز)

 فريق التحقيقات – عنب بلدي

لا قلة العرسان ولا الأحوال المادية المتردية ولا حتى شبح العنوسة استطاع وقف ارتفاع المهور في سوريا، التي حاول أهل العرسان عبثًا إيجاد حد له، ومن باب “ضمان” الأهل لحقّ بناتهم طلبوا، وبالفم الملآن، مهورًا بالعملات الأجنبية ووصلت إلى الذهب والعقار، صارفين النظر عن مقولة “يلي ما بدو يزوج بنته يغلي مهرها”.

عرائس من “ألف ليلة وليلة”

“كان مهري 800 ليرة سورية واليوم البنات يتباهين بطلب المليون ويخترن العريس على مزاجهن”، تقول السيدة عرنة، من سكان ريف حماة، مع تنهيدة تخللتها حسرة على قيمة مهرها من جهة، وحيرة على وضع الشباب من جهة أخرى، الذين لا حيلة لهم سوى راتب محدود قد يكفي لشراء خاتم خطوبة.

وبسؤالها عن تغير قيمة المهور، سردت السيدة عرنة في ذكرياتها القديمة، متحدثة عن تغير معظم عادات الزواج في بلدتها، من جاهة العروس التي تُحدد مكانتها في حال حضر وجهاء البلدة، مرورًا بعدم رؤيتها لزوجها إلى حين ليلة الدخلة، لتعود بعدها إلى قيمة المهر التي كانت “على التيسير” حسبما عبّرت، وكأن الحديث بأمر المهور كان أمرًا ثانويًا بين سكان بلدتها و”من المعيب الوقوف عليه”.

غرفة نوم مع خزانتها وفرشتها كانت كفيلة بإقناع أهل العروس لاعتبارها مهرًا يُكتب تحت خانة “المُقدَّم والمؤخَّر” في عقد زواج ابنتهن، على الرغم من وفرة العرسان في الماضي، على حد قول السيدة عرنة.

إلا أنه ورغم ارتفاع معدّل العنوسة في سوريا، خلال السنوات الست الأخيرة، إلى حدٍ تخطى حاجز الـ 75%، حسب تصريح القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، لم يكن لدى بعض العائلات السورية مشكلة في رفع قيمة مهور بناتهن، آخذين بالحسبان انخفاض قيمة الليرة السورية، لتصبح عبارة “مليون ليرة سورية مقدّم ومليون مؤخّر” مألوفة على مسامع السوريين، وغير مستغربة كما كانت في السابق.

لم نكن لندري كيف سيكون رد فعل السيدة عرنة لو علمت أن مهر العروس مروة، إحدى سكان مدينة دمشق، سُجّل عشر ليرات ذهب أصفر، وهو ما يعادل 1.6 مليون ليرة سورية، (باعتبار ليرة الذهب تعادل 160 ألف ليرة)، وربما كانت لتظنها أسطورة من أساطير شهرزاد في “ألف ليلة وليلة” والتي كانت تُهدى ليرات من ذهب في كيس صغير من قش.

أما عبارة “دولار أمريكي” فربما ترفض السيدة عرنة كتابتها في عقد الزواج، قبل رفض القانون لذلك، منعًا “للتشبه بالأجانب” وحفاظًا على تاريخ الليرة السورية، التي انهارت بمعدل 500% من قيمتها بعد عام 2011.

ومع ذلك، لا تنال مهورُ الذهب والدولار رضا أهل العروس بالكامل، وغالبًا ما يوافقون عليها على مضض مراعاةً للظروف التي تمر بها البلد، وهو حال سوزان التي طلب أهلها مهرًا وصل إلى خمسة آلاف دولار “مقدّم” وخمسة “مؤخر”، معتبرين رغم ذلك أن حق ابنتهم مغبون، وأن المهر حتى وإن قُبض بالدولار لا يعادل قيمته السابقة بالليرة السورية، كما تروي جارتهم أم محمد لعنب بلدي.

وعلى اعتبار أن المهور في سوريا لم تتجاوز بمعظمها 500 ألف ليرة سورية قبل الثورة (ما يعادل عشرة آلاف دولار في ذلك الوقت)، فإن قيمة مهر سوزان انخفضت إلى النصف رغم إرفاقها بكلمة دولار.

حفل زفاف في مخيم المفرق في الأردن للاجئين السوريين – 20 حزيران 2016 (AP)

مهور خارج سرب الأعراف السائدة

أثارت قضية المهور في سوريا بعد عام 2011 جدلًا كبيرًا في الأوساط الشعبية والدينية والقانونية، وبين الحديث عن ارتفاع قيمتها بالليرة السورية، ظهرت فكرة قبض المهور بالدولار والذهب والعقار، حفاظًا على قيمة المهر على المدى البعيد، لتنقلب الموازين والأعراف السائدة منذ سنوات في المجتمع السوري على اختلاف ثقافاته.

المهور إلى ارتفاع وتحذيرات من “علاقات غير شرعية”

شهد المجتمع السوري تذبذبًا واضحًا في مسألة الزواج، بعد أن شابتها متغيرات عدة على صعيد المال والظروف الأمنية السائدة، فمع فقدان الكثير من الشباب السوري بين قتيل ومفقود ومعتقل ومهاجر وملتحق بالخدمة العسكرية، زاد عدد الإناث في المجتمع السوري إلى 65% من مجمل فئات المجتمع، بحسب تصريح القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي.

النتيجة الطبيعية لتلك الزيادة هي ارتفاع نسبة العنوسة في سوريا، والتي وصلت إلى 75%، دافعةً الجهات المعنية إلى حث الرجال السوريين على الزواج بامرأة ثانية للحفاظ على الحالة الطبيعية للمجتمع، ولتلافي انتشار “البغاء” بين النساء السوريات.

إلا أن المفارقة الغريبة هي استمرار غلاء المهور رغم انتشار العنوسة وقلة الشباب المقبلين على الزواج في سوريا من جهة، ورغم رغبة أهالي الفتيات في تزويجهن بسن مبكر، من جهة أخرى، من منطلق “الستر” عليهن وإلقاء المسؤولية على عاتق أزواجهن، والتخفيف من أعباء مصروفهن وسط الظروف الاقصادية المتردية التي يعاني منها السوريون.

وفي حال وجد شباب مقبلون على الزواج داخل سوريا غالبًا ما تقف المهور وتكاليف الزواج الأخرى عائقًا في طريقهم، كما يرى الخبير الاجتماعي، نضال البكور، ما يسهم في عزوفهم عن الزواج، معزّين أنفسهم بالاستجابة للظروف التي فرضتها الحرب على جميع السوريين في الداخل والخارج.

بكور، المختص بالدعم النفسي والاجتماعي للاجئين السوريين في مدينة أورفة التركية، يرى أن غلاء المهور قد يفتح الباب أمام انتشار “الفساد” بين الشباب والفتيات على حد سواء، مضيفًا أن “النتائج الطبيعية لعزوف الشباب عن الزواج هي لجوؤهم إلى علاقات غير شرعية لا يقبلها المجتمع السوري، تلبيةً لحاجات جسدهم الجنسية والتي تعادل حاجتهم للطعام والشراب والنوم”.

بين مناطق المعارضة ومناطق النظام.. هل أطاح الدولار بالليرة؟

في حد وسطي، تراوحت معه قيمة المهور في سوريا، قبل عام 2011، بين 250 ألف ليرة سورية في المدن و150 ألف في الأرياف، اختلفت قيمة المهور بعد العام نفسه بين مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة معارضيه.

وعلى اعتبار أن مناطق سيطرة المعارضة السورية تعاني من حصار ونقصٍ في المواد الأساسية للحياة، يصبح من الصعب على الشباب تأمين آلاف الدولارات كمهور، والمعيشة هناك تحتاج منهم هذه الألوف لشراء الخبز والطحين والشعير والماء، ما يدفع أهل العروس إلى إبداء تعاطف أكبر وطلب مهر رمزي.

أما في مناطق المعارضة الأكثر استقرارًا، فتشهد المهور ارتفاعًا، اعتبرته حياة العيد، مديرة جمعية “فجر المرأة السورية حواء” في درعا، “طبيعيًا” نتيجة تدهور قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، مشيرةً إلى أن المهور كانت وسطيًا في درعا 150 ألف ليرة مقدّم و150 ألف مؤخّر، بالإضافة إلى ما يعرف بـ “طلة” والتي تشمل 100 غرام ذهب يشتريها الشاب للعروس.

وأضافت في حديثها لعنب بلدي، “تتراوح المهور الآن بين 300 و400 ألف ليرة سورية، إلا أن الطلة أصبحت تقدر حاليًا بـ 30 غرامًا من الذهب حسب قدرة العريس”.

في إدلب لا يختلف الأمر كثيرًا عن درعا، إلا أن بدائل جديدة أطاحت بالليرة السورية هناك، أهمها الدولار الذي دخل على قيمة المهر، ليبدأ من 200 دولار أمريكي وينتهي عند ثلاثة آلاف دولار، حسبما صرح الشيخ أحمد أبو عمرو، من سكان أريحا، لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن القيمة الغالبة هي 700 دولار.

وأضاف أن بعض عقود الزواج التي كتبها في إدلب تضمنت مهرًا محددًا بالذهب فقط، وأخرى شملت الذهب إلى جانب الدولار.

أما في مناطق سيطرة النظام السوري، فتقول السيدة أم محمد، ولها ثلاث بنات، إن المهور شهدت ارتفاعًا باهظًا في دمشق وصل إلى حد المليون ليرة سورية، مضيفةً أن أشكالًا جديدة من المهور دخلت على عقد الزواج، منها ليرات الذهب ومبالغ بالدولار تصل إلى 2500.

وعند سؤالها عن المهر الذي ستطلبه لبناتها، قالت أم محمد مموهةً حديثها “من حق أهل العروس طلب المهر الذي يريدون طالما أن الشرع لا يمنع ذلك”، وتضيف “مع ذلك يجب مراعاة الظروف التي يمر بها الشباب بما يضمن للزوجة حقوقها في المستقبل”.

ذكريات الزفاف في مخيم للاجئين السوريين في اليونان – 31 كانون الثاني 2017 (AP)

مهر الزوجة الثانية “قاعدة استثنائية”

بعد دعوات عدة وجهها شيوخ سوريا في المساجد وخطب الجمعة لحث الرجال على الزواج بثانية، راجت الفكرة في المجتمع السوري، رغم الضجة التي أحدثتها، خاصة بعد اعتماد رجال الدين في إقناعهم للشباب على قاعدة شرعية تقول إن الزواج الثاني يصبح “حاجة ملحّة” في حال انتشار العنوسة بالمجتمع، منعًا لانتشار “البغاء” ولحماية نساء “مجبرات” على الانحراف عن الدين والعادات.

وينصح المشايخ الرجال الراغبين والمقتدرين ماديًا، بالزواج من النساء الأرامل وزوجات الشهداء وأمهات الأيتام ذوات الحاجة المادية، وليس من الفتيات الصغيرات، وما يجعل الأمر أكثر سهولة هو انخفاض قيمة مهر الزوجة الثانية في معظم الحالات، على حد قول الشيخ أحمد أبو عمرو.

إذ اعتبر أبو عمرو أن الزواج من امرأة ثانية غالبًا ما يكون لـ “السترة وكفالة الأيتام” ما يدفعها إلى طلب مهر “رمزي”، وأضاف “عدد الأرامل أصبح كبيرًا نتيجة الحرب، وبأغلب حالات الزواج الثاني يكون المهر رمزيًا ليكفي حاجات المعيشة لا أكثر”.

وتزداد الشكوك حول إمكانية أن يتكاتف غلاء مهور الفتيات العازبات، مع دعوات رجال الدين، في إقناع الشباب بالزواج من الأرامل وأمهات الأيتام اللواتي غالبًا ما تكون طلباتهن أقل، نتيجة موروث ثقافي ومعتقدات سائدة في المجتمع السوري.

في أوروبا الكلمة الفصل للـ “يورو”

متغيرات عدة فرضتها المجتمعات الأوروبية على اللاجئين السوريين فيها، والذين تخطى عددهم في أوروبا حاجز 400 ألف سوري ممن حصلوا على حق اللجوء، حسب بيانات المكتب الإحصائي التابع للاتحاد الأوروبي لعام 2016.

وفي سعيهم للاندماج في تلك المجتمعات، المختلفة بعاداتها وتقاليدها عن المجتمع السوري، فرض اليورو نفسه وبقوة على عقود زواج السوريين في أوروبا، رغم الصعوبات التي يواجهها الشباب هناك في ادخار الأموال والدخول إلى سوق العمل الذي تحدده القوانين الأوروبية.

إلا أن ارتفاع المهور في أوروبا “فاق الحد”، إلى درجة توقفت معه حالات الزواج بين السوريين هناك حسبما قال الشاب عمر شهاب والمقيم في ألمانيا، لعنب بلدي.

شهاب أضاف أنه ومنذ إقامته في مدينة نورنبيرغ الألمانية قبل سنتين، لم تشهد المدينة سوى حالتي زواج بين السوريين، عازيًا السبب إلى غلاء المهور التي تصل لحد طلب العائلات عشرة آلاف يورو “مقدم” وعشرة آلاف “مؤخر”.

وتابع “في حالات قليلة يطلب الأهل ثلاثة آلاف يورو، إلا أن الغالبية يطلبون بين ثمانية وعشرة آلاف، تحت ذريعة أن ابنتهم جاءت إلى أوروبا بالطائرة وأنهم تكلفوا عليها آلاف الدولارت حين أتت”.

ويشترط أهل العروس في ألمانيا قبض المهر قبل الخطوبة أو ما يعرف في سوريا بـ “كتاب الشيخ”، والذي غالبًا ما يُعقد عند شيخ تركي مقيم في ألمانيا، حسبما قال شهاب، مضيفًا أن الشاب يُعرِض عن خطبة الفتاة فور سماعه لقيمة المهر، بقوله “لا أحد يقدر على دفع عشرة آلاف يورو، عدا تكاليف الزواج الأخرى من شراء الذهب وملبوس البدن وغيرها من المصاريف”.

كيف ينظر الشرع والقانون لمسألة غلاء المهور؟

أثارت قضية ارتفاع المهور في الآونة الأخيرة جدلًا كبيرًا في الأوساط الدينية والقانونية والشعبية، ففي حين يسود الطرح بأن الشرع والقانون لا يعارضان قيمة المهر مهما ارتفعت، تتعالى الأصوات المطالبة بعدم المغالاة في طلب المهور كي لا تصبح عرفًا متوارثًا في المجتمع السوري.

“لا حدود للمهور.. المراعاة ضرورة”

الشيخ مصطفى إسماعيل، قال في حديثه لعنب بلدي إن الشرع لا يحدد قيمة معينة للمهر، معتبرًا أن المحاولات التي جرت عبر الأزمان لتحديده بقيمة معينة “خاطئة”، مستشهدًا بالآية “وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا”.

وفي تفسير الآية، إذا أراد الزوج أن يفارق زوجته ويستبدل مكانها غيرها، فلا يأخذ من مهر الأولى شيئًا، ولو كان قنطارًا من مال، فيما يعني أن القرآن لم يحرّم المهور المرتفعة مهما بلغت قيمتها.

إلا أن الشيخ مصطفى إسماعيل شجع على العمل بالقاعدة الشرعية التي وردت على لسان الصحابي عمر بن الخطاب، وهي ” لا تغلوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم”.

وشدد إسماعيل على ضرورة مراعاة الظروف التي يمر بها الشباب السوريون، سواء داخل سوريا أو خارجها، داعيًا إلى “عدم تحميلهم ما يفوق طاقاتهم تلافيًا لانخراطهم في علاقات غير شرعية منافية للدين والأخلاق، وكي لا يصبح الحلال صعبًا والحرام هينًا”.

وكذلك فإن القانون السوري لم يجعل للمهر حدًا أعلى ولا أدنى، وجاء في الفقرة الأولى من المادة “54” من قانون الأحوال الشخصية أنه “لا حد لأقل المهر ولا لأكثره”، أما الفقرة الثانية فجاء فيها “كل ما صح التزامه شرعًا صح أن يكون مهرًا”.

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي ضجت، في أيار الماضي، بخبر تسجيل رجل لزوجته مبلغ 50 مليون ليرة سورية كمقدم، و50 مليون ثانية كمؤخر، وفي حال ثبت ذلك فيعد هذا الرقم هو الأكبر بتاريخ المحكمة الشرعية في دمشق، بحسب موقع “صاحبة الجلالة” المحلي.

الذهب والدولار “ضمان” لحق الزوجة

في حين تسود العقلية بين أهالي الفتيات بأن المهر يضمن حق ابنتهم في حال حدوث طلاق أو توفي زوجها في المستقبل، كسر تدهور الليرة السورية في السنوات الست الماضية تلك المفاهيم السائدة، بعد أن فقدت المهور، المتداولة قبل عام 2011، أكثر من 80% من قيمتها.

ومع تلاعب الدولار بالليرة السورية ساد التوجه نحو طلب المهور بالدولار وليرات الذهب التي تحافظ على قيمتها مهما مر عليها الزمن، كونها متداولة ومتعارفًا عليها دوليًا.

إلا أنه ومن وجهة نظر الشيخ مصطفى إسماعيل، فإن حق الزوجة “لا يحفظه مال على الإطلاق”، معتبرًا أنه “كلما قلت الثقة بالزوج زاد المهر، وكلما زادت الثقة بالزوج قل المهر”.

وبرهن على ذلك بأن أهل الزوجة قد يتنازلون عن مهر ابنتهم وقد يدفعون المال لزوجها مقابل الحصول على الطلاق، في حال كان زوجها “سيئ الخلق” وتعرضت للظلم منه، داعيًا الأهل إلى الحفاظ على حق ابنتهم باختيار الزوج المناسب لها قبل الاهتمام بقيمة المهر.

ومع توجه السوريين داخل سوريا نحو طلب المهور بالدولار، إلا أن القانون السوري حظر في العام 2013، وفقًا للمرسوم التشريعي رقم 54 تداول العملات الأجنبية في المعاملات المدنية والتجارية، لتصبح الليرة السورية الوسيلة الوحيدة المعتمدة، في محاولة لدعم قيمتها المتدهورة.

وتشير محامية في دمشق، فضلت عدم ذكر اسمها، إلى أن الاتفاق بين أهل الزوجين على عقد المهر بالدولار غالبًا ما يكون “تعهدًا شفهيًا” من الزوج، في حين يُكتب المهر بما يعادل قيمة الدولارات بالليرة السورية أو بليرات الذهب.

ولفتت المحامية إلى أن المحكمة الشرعية لا تتدخل في تحديد قيمة المهر مهما ارتفعت ومهما قلت، إلا إذا كان القاضي الشرعي هو الوصي على الفتاة، إذ يحدد المهر ما بين 350 و500 ألف ليرة سورية، في الوقت الراهن.

“تعديل المهور القديمة”..  هل يوافق عليها القانون؟

في حين تعتبر الكثير من النساء السوريات أن القانون السوري لم ينصفهن في الكثير من مواده وتشريعاته، طفت قضية تعديل المهور القديمة على سطح مطالبهن منذ زمن، وعلى اعتبار أن قيمة المهر لم تتجاوز 15 ألف ليرة سورية قبل أربعين عامًا، مع ارتفاع بسيط على مدى تلك السنوات، فإن تدهور الليرة السورية أسهم في فقدان المهور لقيمتها الحقيقية وجعل منها مهورًا رمزية.

ويرى الكثيرون أنه من غير المعقول أن تحصل الزوجة على مهرها القديم (15 ألف ليرة)، في حال حدث طلاق أو توفي زوجها، أو قرر منحها المهر قبل مماته، في حين يجيز القانون السوري إمكانية تعديل قيمة المهر، ولكن برضا الزوج أو وصية منه، حسبما أفادت محامية في دمشق.

وكان القاضي الشرعي الأول، محمود المعراوي، تقدم عام 2015 بطلب إلى وزارة العدل السورية لمناقشة مسألة تعديل المهور القديمة، إلا أن تلك المحاولات لم تجدِ حتى الآن.

وأوضح المعراوي لموقع “الاقتصادي” المحلي، أنه لم يرد في قانون الأحوال الشخصية السوري نص يوضح جواز التعديل، وتابع “في حال سكوت القانون فإن المادة (300) تنص على أنه في حال لم يرد نص على موضوع معين يرجع إلى القول الراجح في المذهب الحنفي”.

وأكد المعراوي أن أحد علماء المذهب، وهو أبو يوسف، أوجد حلاً لهذه المشكلة بقوله “في حال انخفاض القيمة الشرائية للعملة، فيعادل قيمة المهر على قدر انخفاض العملة، ولذلك فإن المحكمة ستطبق هذا الكلام في حال ورود أي دعوى بهذا الخصوص”.

من المصحف إلى غرام الذهب.. عادات المهور تكشف الفروقات بين المحافظات

يأخذ العرف الاجتماعي في سوريا طابعًا متشعبًا، تزيد اختلافاته من محافظة إلى أخرى، ومن المدينة إلى بلداتها، حتى في البلدات الصغيرة، فإنّ القريتين المتجاورتين قد لا تتمتعان بالعادات والأعراف ذاتها، الأمر الذي ينعكس في تفاصيل الحياة اليومية وأساليب العيش التي تطبع المنطقة بخصوصيّة تغني لوحة الفسيفساء الكبيرة التي تحتضنها سوريا.

عادات الزواج والتفاصيل المرتبطة به، هي أكثر الأمور التي تمّيز قرية ما أو مدينة ما، وذلك كون الزواج هو المناسبة الاجتماعيّة الأكثر إشهارًا، وتتم في طقوس علنيّة، وتنتشر تفاصيلها بين الناس كمؤشّر مادّي وأخلاقي عن العوائل.

ومن التفاصيل التي توضّح فروقات العادات بين المحافظات، طريقة تسمية المهر، وهو “صداق المرأة” وحقوقها المادّية التي يقدّمها الزوج كدليل على حسن نيته ورغبته بالزواج، وهو ما يتمّ غالبًا تحديده بالتراضي بين أهل الزوج والزوجة وتسجيله في عقد الزواج، فإما أن يكون مالًا أو ذهبًا أو لباسًا، كما يمكن أن تؤجّل الزوجة الحصول عليه أو تعجّله.

أول زفاف في مدينة كوباني بعد خروج تنظيم “الدولة الإسلامية” منها – كانون الأول 2015 (رويترز)

مؤجّل رمزي ومقدّم غير مقبوض

في الحالة العامّة، يدور مفهوم المقدّم حول ما يقدمه الزوج للزوجة عند عقد القران من أجل إتمام تجهيزاتها للزواج، وكدليل حسن نيّة، أما المؤجّل (المؤخّر) فهو ما يدفعه الزوج في حال تمّ الطلاق.

أما في أعراف بعض السوريين، فإنّ الموضوع يأخذ شكلًا آخر، إذ يطلب البعض عدم الحصول على المقدّم إلّا في حال تمّ الطلاق، وهو أمر شائع في مدينة حلب، ففي الوقت الذي تحصل فيه الفتاة على كمية معينة من الذهب، يتم تأخير الحصول على المقدّم، لتحصل عليه مع المؤجل في حال تمّ الطلاق.

في مناطق أخرى، وبالتحديد في ريف دمشق، جرت العادة ألا يتم كتابة مبلغ كبير للمؤجّل، وغالبًا ما يكون مبلغًا رمزيًا، أو بضع ليرات ذهبية، وهو ما يندرج في إطار التعبير عن رفض فكرة الطلاق، ما يستدعي عدم تأجيل حصول الزوجة على حقوقها.

الأمر ذاته يعدّ جزءًا من العادات الخاصّة بمحافظة الحسكة، إذ يقدّم الشاب مبلغًا ماديًا للزوجة كمقدّم من أجل شراء مستلزماتها الشخصية ومستلزمات المنزل، فيما يقتصر المؤجّل على مبلغ رمزي، أو ليرات ذهبية.

ومع ذلك تعتبر فكرة تقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر، ومقبوض وغير مقبوض، مبتدعة في الشرع والقانون، بحسب الشيخ محمد الصبيح، عضو رابطة العلماء في بلاد الشام، مؤكدًا أن المهر قديمًا كان جزءًا واحدًا.

وتابع الشيخ في حديثه لعنب بلدي “درج العرف بتقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر، وهذا التقسيم اعتباري، ولكن لا ينافيه الشرع فنأخذ به”

المصحف.. دليل التعفّف وحسن الظنّ

يتيح الشرع والقانون كتابة أي نوع من أنواع المهر في عقد الزواج، سواءً كان مالًا أو غير ذلك، وهو ما يترك مجالًا للكثير من الناس للتعبير عن مواقفهم الشخصية، أو تحديد احتياجاتهم بشكل أكثر دقّة.

بعض عائلات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، نقلوا جزءًا من عاداتهم معهم، وفيما يتعلّق بالمهر، فإنّ العريس يتوجّب عليه أن يظهر كامل كرمه ويتكفّل بتقديم مقدّم ومؤجل وذهب ولباس للعروس، أما أهل العروس، فيتوجّب عليهم أيضًا أن يظهروا “التعفف”، ليقتصر طلب المهر على المؤجّل، ومقدّم عبارة عن “مصحف”، الأمر الذي يعني من وجهة نظرهم “أنّ ابنتهم ليست للبيع وأنهم يطلبون رجلًا لها وليس مالًا”.

“اللحم إلكن والعظم إلنا”

ضمن إطار التعفف أيضًا، تجري العادة عند بعض السوريين ألا يطلبوا أي مهر لابنتهم عند تقدّم العريس لطلب يدها، ويتم ذلك غالبًا في حال كانت العائلتان تجتمعان بقرابة أو معرفة سابقة، فعند بعض أهالي محافظة حمص، ينتشر مصطلح “اللحم إلكن والعظم إلنا”، والذي يقوله والد العروس عند سؤاله عن المبلغ الذي يريده لابنته.

المصطلح ذاته يبدو شائعًا في مناطق عدّة من الريف الدمشقي، وهو ما يعتبره الأهالي دليلًا على “إعلاء قيمة الرجل دوره في حماية المرأة وصونها قبل تقديم المال لها”.

“مهر الزينة” سبعة ملايين

على الرغم من أنّ عادات المهر المتمّثلة بالمال والذهب واللباس تتقارب في الكثير من المناطق السورية، إلّا أنّ الأمر يختلف جزئيًا في ما يخصّ العشائر في محافظة دير الزور، إذ غالبًا ما يفرض “التعبير عن الكرم والشهامة” تقديم مبالغ مادّية كبيرة كمهر للفتاة، فضلًا عن الذهب الذي يفترض أن يزيّنها بشكل ظاهر للتدليل على اليسر المادي والتكريم.

وبينما كان متوسط المهور في مدينة دير الزور يتراوح بين 150 و500 ألف ليرة سورية قبل الثورة السورية، فإنّ الرقم كان يتضاعف بشكل كبير عند سكان العشائر في الريف وخاصة في حال كانت العروس ابنة شيخ أو زعيم العشيرة، إذ كان يتجاوز المليون ليرة منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو مبلغ نادرًا ما يذكر كمهر في المناطق السورية الأخرى، حتى مع تراجع قيمة العملة مؤخرًا.

ويذكر أهالي دير الزور أنّ مهر ابنة زعيم عشيرة “البقارة” في سوريا، نواف البشير، وصل عام 2000 إلى سبعة ملايين.

الذهب “بالغرام”

يعتبر قسم من السوريين أنّ الذهب يشكّل ضامنًا لحقوق المرأة، على اعتبار أنّ قيمته لا تنقص ولا تتغير مع الوقت، إذ جرت العادة أن تتسابق النساء السوريات لجمع أكبر قدر من الذهب، الأمر الذي يشكل “ضمانًا للمستقبل ولأيام العسر”، وفرصة للمباهاة بالغنى.

في أغلب المناطق السورية لا يسجّل أهل العروس كمية الذهب المطلوبة لابنتهم، لتبقى كهدية من الزوج لزوجته يقدمها في الخطبة والعرس، أما في حلب، فيعد تسجيل كمية الذهب المطلوبة من الشروط المرافقة لتحديد المهر النقدي.

أي تبديل أو إنقاص من كمية الذهب المقدّم، قدّ يشكّل أزمة لبعض العائلات، فنقصان القليل من غرامات الذهب قد يعدّ انتقاصًا من قيمة الفتاة، ومؤشّرًا على “بخل” العريس.

قوانين طارئة.. الزوجة تدفع نصف المهر

بلغ متوسّط قيمة المهر في محافظة الحسكة قبل الثورة السورية نحو 300 ألف ليرة سورية للمقدّم، دون تسجيل مبلغ للمؤجّل (قيمة الدولار قبل الثورة 50 ليرة سورية)، ومن العادات السائدة في المنطقة أن تشتري الفتاة كافة مستلزمات المنزل من ضمن مقدّمها مع مستلزماتها الشخصية وملابسها.

ورغم أنّ مبالغ المهر ارتفعت بشكل كبير في محافظة الحسكة بعد الثورة لتصل إلى نحو مليون ونصف ليرة، نظرًا لارتفاع الأسعار، إلا أن “الإدارة الذاتية” أصدرت قرارات ناظمة لهذه الأمور، وفرضت أن يتم تحديد مبلغ كمهر، ولكن ليس للزوجة، بل تتقاسم دفعه هي والزوج، ويخصص لشراء احتياجاتهما، وأثاث المنزل.

استطلاع: كيف أثر تحوّل المهور إلى الذهب والدولار على المجتمع السوري؟


في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي على موقعها الإلكتروني، شارك فيه قرابة 250 شخصًا، حول الأثر الذي خلفه طلب المهور بالذهب والدولار على المجتمع السوري وأعرافه، رأى 65% من المشاركين، أن المغالاة في المهور أدت إلى إعراض الشباب عن الزواج.

فيما رأى 25% من المستطلع رأيهم، أن من حق الزوجة أن تطلب مهرها بالذهب والدولار عوضًا عن الليرة السورية، لتحافظ على قيمته بعد سنوات عدة.

ومن وجهة نظر 10% من المستطلع رأيهم فإن مهور الدولار والذهب لم تؤثر على المجتمع.

مقالات متعلقة

  1. المعراوي: متوسط المهور في سوريا 500 ألف ليرة
  2. ظروف صعبة تغير عادات مهور الزواج في السويداء
  3. سوريون يعدّلون مهور البنات من الليرة إلى الذهب
  4. ارتفاع المهور مجددًا في سوريا.. هل عاد دور "سوبر مان" للعريس؟

في العمق

المزيد من في العمق