القتل بالشارع في حلب.. ومحاولات الحل “عقيمة”

  • 2017/06/25
  • 1:38 م

عربة روسية في شوارع مدينة حلب - 17 شباط 2017 (سبوتنيك)

عنب بلدي – سما نعناعة

“أشعر بالخوف لما نسمعه من أخبار هنا وهناك، ومن أقاربي خاصةً، حول التجاوزات الأمنية التي تحصل في حلب. كنت أريد العودة إلى مدينتي بعدما قيل إنها آمنة، لكنني أخشى ذلك وأتمنى أن يُوضع حلٌ في أسرع وقت ممكن”، هكذا كان رد فعل عمار، أحد أهالي حلب الذي يعيش خارج سوريا حاليًا، تعقيبًا على رأيه بما يجري في مدينته اليوم.

رغم توقّف المعارك في حلب إلا أن ظاهرة “التشبيح” والفلتان الأمني، تضع سكان المدينة تحت سطوة الخوف من انتهاكات وتجاوزات بحقهم.

واستعادت قوات الأسد السيطرة على الأحياء الشرقية للمدينة نهاية العام الماضي، بعد معارك وقصفٍ مستمر ضد مناطق المعارضة، لكنّ تراجع وتيرة المعارك أعاد إلى الواجهة حوادث قتل و”تعفيش” واعتداءات متكرّرة طالت الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وسط استهجان في الشارع الموالي للأسد.

واستعان النظام بغطاء جوي روسي، وبما يسمى “اللجان الشعبية” و”الدفاع الوطني” وميليشيات طائفية عراقية ولبنانية مدعومة من طهران، والمعروفة أيضًا بالقوات الرديفة، لقتال المعارضة، والعمل على طردها من مناطق المدينة الشرقية، بعد سيطرة للمعارضة استمرت منذ 2013.

عنب بلدي تواصلت مع عددٍ من أهالي حلب، في الداخل والخارج، لمعرفة خبايا الأنباء المتناقلة عن الفلتان الأمني الذي تعاني منه المدينة، ومدى صحتها، والأسباب التي تقف وراءها.

القتل بالشارع وعلى عينك يا تاجر

ساد التهرّب من الإجابة لدى من حاولت عنب بلدي التحدث إليهم داخل المدينة، أو أنهم أبدوا مخاوفهم الأمنية من انتشار أسمائهم كاملة، فقال مصدر أهلي إن “الأمور عادية عمومًا، لكن تعكر صفوها انتهاكات وتجاوزات من قبل الشبيحة”، ضاربًا أمثلة بمقتل الطفل (أحمد ج) وإصابة لاعبين من فريق الاتحاد لكرة القدم.

أكثر الأحداث صدىً واستهجانًا بين الأهالي، هي حادثة قتل الطفل أحمد البالغ من العمر 13 عامًا، في 11 حزيران الجاري، بالقرب من نادي الاتحاد في حي الموكامبو، على يد أحد عناصر “اللجان” الذي لاذ بالفرار، واعتقل لاحقًا في تاريخ 15 حزيران وفق صفحات موالية.

وكان الطفل يحاول بيع العلكة والبسكويت لإحدى السيارات التي كان بداخلها عناصر بلباس عسكري، ليقوم أحدهم بإطلاق النار عليه من داخل السيارة في الرأس، وتلوذ السيارة بالفرار مباشرةً.

وعلق محافظ المدينة، حسين دياب، وقتها على الحادثة، معلنًا تدخّل الجهات المعنية فورًا لحل القضية وإلقاء القبض على “المجرم”، مشيرًا إلى أنها “لن تمر مرور الكرام”، وخاصةً بعد أن استشاطة الأهالي غضبًا لما حدث.

والد الطفل خرج في تسجيل مصور مع الإعلامية كنانة علوش، قال فيه “الي صار صار الحمد لله.. لكن بأي ذنب يضرب طفل صغير، نحن وين عايشين (…) نحن في مدينة لسنا في غابة”، مطالبًا بمحاسبة القتلة.

وانتشر وقتها وسم ” #حلب_تذبح_بصمت”، تداوله سكان حلب وغيرهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للدلالة على التجاوزات التي يقترفها شبيحة، في ظل غياب الرادع.

فضلًا عن حادثة الاعتداء على باص فريق الاتحاد لكرة القدم، التي أسفرت عن إصابة أربعة لاعبين، هم يوسف الأصيل، وعبد اللطيف سلقيني، وأحمد الأحمد نوري، إلى جانب حسام العمر، قبيل مباراة كان من المقرر أن تلعب في 9 حزيران، لكنها تأجلت حتى إشعار آخر، بعدما أطلق مجهولون النار على حافلة النادي، ولاذوا بالفرار، في منطقة المحافظة.

من جهته، قال مراسل التلفزيون السوري بحلب، شادي الحلوة، إن الفاعل أو الفاعلين في قبضة “الجهات المختصة”، بحسب تعبيره، لكن الأمر غير مؤكّد وسط تشكيك من قبل صفحات موالية للنظام بهذه الأنباء.

كما قتلت طبيبة الأسنان تالار فوسكيان، نتيجة صدمها من قبل سيارة بلا لوحة، قيل إنها لميليشيا “الدفاع الوطني”.

يا فرعون مين فرعنك؟

يلخص “أبو محمد”، مواطن مايزال يسكن المدينة، السبب الرئيسي وراء تجاوزات “اللجان الشعبية” أو المقاتلين المجندين رسميًا في الجيش بمثل شعبي يقول “يا فرعون مين فرعنك.. قال ما في مين يردني”.

كما تحدث الرجل عن وجود “حالات اختطاف واغتصاب للفتيات، في أحياء مختلفة من المدينة، ضاج إثرها سكان المنطقة وتملكتهم حالة من الخوف، وبدأوا بالشكوى من انتشار الظاهرة”، الأمر الذي سبق ونشرته صفحات موالية، وتداوله ناشطون عبر “فيس بوك”، ولكن لم يتسنَّ لعنب بلدي التأكد من صحة هذه الأنباء، في ظل غياب إحصاءات أو توثيقات رسمية.

وفي حالة مشابهة، انتشرت عبر صفحات محلية وموالية للنظام أيضًا، أنباء عن حادثة اقتحام الوحدة العاشرة من سكن البنات في المدينة الجامعية، من قبل مجموعة شباب، يقال إنهم “يقطنون في الوحدة التاسعة”، من النازحين “الفلسطينيين”، وشجعهم على ذلك غياب عناصر الأمن والحراس الموكلين بحراسة السكن.

وحاولت المجموعة اقتحام الغرف والتحرش بالطالبات، “إلا أنهن دافعن عن أنفسهن مستخدمين المياه الساخنة”.

ولكن الحادثة لم توثق في الإعلام الرسمي، كما تجنبت الجهات الحكومية التعليق عليها.

ما الحلول؟

من جهة أخرى، أشار “أبو محمد” إلى انتشار عدد من قوات الشرطة العسكرية مؤخرًا، وبدء المحافظة العمل لضبط الأمور، ومنع تجاوزات “اللجان”، التي باتت تشكل هاجسًا لدى الحلبيين.

“لكن كيف يكون الحل بيد صاحب المشكلة؟”، تساؤل طرحه بعض المواطنين، ففي محاولة لم تجدِ نفعًا، توجه الأمين القطري المساعد، هلال هلال، بأوامر لإزالة جميع حواجز “اللجان الشعبية، من المدينة ومنع تحرك أي آلية تابعة لها، دون موافقة مسؤول المنطقة”، عقب زيارته على رأس وفد وزاري، في تاريخ 8 نيسان الماضي.

وفي 25 أيار، أقال النظام السوري قائد “الدفاع الوطني” في حلب، سامي أوبري، على خلفية تجاوزات عناصره، وسط توجيهات بـ “تفكيك حواجز الدفاع الوطني في حي جمعية الزهراء”، المدعومة مباشرة من طهران.

لكن هذه الإجراءات لم تغيّر شيئًا على الأرض، ويبدو فشل أجهزة النظام السوري في ضبط الأمور في حلب جليًا، بعد انتشار قوات “الشرطة الروسية”، وقوامها بين 300 إلى 400 عنصر، في خطوة عزتها موسكو إلى “ضمان الأمن والاستقرار”، عوضًا عن انتشار الأمن السوري، وقد نظمت الشرطة الروسية مباراة لكرة القدم بين ناديي الجيش والاتحاد، نهاية نيسان الماضي، بعدما وصلت إلى المدينة مطلع العام الجاري.

“الوضع آمن.. لكن محلي سُرق”

التقت عنب بلدي بـ “أبو عبدو”، أحد نجاري حلب، الذي لجأ إلى تركيا بعد تردي الأوضاع في مدينته، لكنه عاد إلى البلد بعد استعادة السيطرة على المدينة من قبل النظام، عسى أن تكون فرص العمل فيها أفضل.

وفي الوقت الذي أشاد فيه “أبو عبدو” بالوضع الأمني في حلب، وأن الناس “يعيشون برفاه مقارنة مع الأوضاع سابقًا”، واعتبر أن “النظام مسيطر تمامًا على الوضع، وكل شيء على ما يرام”، تبين مصادفةً خلال الحديث معه أن ورشته تعرضت للسرقة في حلب القديمة (المدينة)، قرب القلعة، في منطقة كانت تحت سيطرة المعارضة.

لكن النجار يؤكد أن الورشة سرقت إبان استعادة السيطرة عليها من قبل النظام، وليس طيلة سنتين قضاهما خارج سوريا. وحين سؤاله عن المسؤول عن سرقة الورشة، اعتبر أن “الوضع عرضي”، وأنه لا يعلم من فعل ذلك.

ومايزال “أبو عبدو” يتجنب فتح ورشته، خشية أن تُقتحم وتُسرق مرةً أخرى، ولذا بدأ يعمل مع نجارين آخرين، في منطقة أخرى، ريثما يستتب الوضع تمامًا.

وفي حالات مشابهة تواصلت عنب بلدي مع أصحابها، تجنب البعض الحديث عن الوضع الأمني، مشيرين إلى وجود الاستقرار والأمان، وقدرتهم على متابعة حياتهم اليومية.

ولعل ترددهم بالحديث عن الوضع الأمني والتجاوزات عامةً، يعود لحالة الخوف الذهنية التي فرضها النظام على المواطنين عبر سنين.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع