لا عيد في دير الزور.. الذكريات رهنٌ للخوف والحنين
أورفة – برهان عثمان
رغم بُعد المسافات بين قرى وبلدات ديرالزور ومدنها، إلا أن الحال الذي يعيشه الأهالي يكاد يكون واحدًا.
يعيش أهالي مدينة ديرالزور في شطرين، ضمن مناطق تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأخرى يسيطر عليها النظام السوري، ويحاول اليوم التقدم لإخضاع كامل المحافظة. |
“لم يبق لأفراح العيد مكان، بعد أن أخذت أجزاؤه تختفي الواحدة تلو الأخرى تاركة الذكريات”، يقول الشاب عارف (34 عامًا)، وهو نازح من مدينة دير الزور ويقيم في الريف الشرقي للمحافظة، مضيفًا “اليوم يأتي العيد بالحزن ويمر موعدًا زمانيًا ليس له معنى”.
العيد بالنسبة للشاب يتمثل بـ “فرحة الأطفال بالألعاب، ولم شمل العائلة خلال الزيارات المتبادلة، وربما موعدٌ مع من نحب أو السير على ضفاف الفرات ومشاهدة الجسر المعلق”، كمظاهر عاشها أغلب أهالي المدينة، وأصبحت جزءًا منهم في وقت سابق.
ويخشى عارف على دير الزور ومدنها من أن ينساها العالم، بعد رحيل الكثير من أبنائها، مضيفًا “أصبح وجودنا اليوم مهددًا بسب استمرار المعارك والقصف والنزوح، المستمر منذ أشهر.
ذاكرة مملوءة بثقوب الرصاص
“العيد بالناس والراحة والاستقرار والأمن والفرح”، كما ترى الشابة علياء (27 عامًا)، من حي القصور في المدينة، معتبرةً أن من بقي في دير الزور “فقدوا الأمل بتغير الحال وتحسن الأوضاع، ويعيشون كأشباح بشرية آخر ما تهتم به هو أفراح العيد وبهجة الحياة”.
لا تختلف الممارسات كثيرًا بين شطري ديرالزور، وفق الشابة، التي تحاول حاليًا استكمال دراستها الجامعية بتأمين إذن سفر إلى محافظة أخرى، “فالخوف يسيطر على كل مكان رغم اختلاف الجهة التي تحكم كل شطر، في ظل ضغوطات أمنية واقتصادية”.
ليس النازحون أفضل حالًا من سكان المدينة، بحسب علياء، “فهم يعيشون حالة حنين تعزلهم عن محيطهم الجديد، وتجعلهم يعيشون في ذاكرة مملوءة بثقوب الرصاص وشظايا القذائف وهدير المعارك المستمر”، على حد وصفها.
تجهيزات العيد
غابت طقوس العيد للعام الرابع عن ديرالزور، كما تقول أم محمد (46 عامًا)، والتي ماتزال تقطن داخل الأحياء التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة” في دير الزور، مضيفةً أن حظر التجوال “يكاد يكون مستمرًا في ظل انخفاض عدد الأهالي بشكل كبير، فالقصف لم يترك حجرًا على حجر”.
لا شيء من مظاهر العيد في هذا الجزء من ديرالزور، فالتنظيم قضى خلال سنوات حكمه على كل شكل للفرح في المنطقة، كما ترى السيدة الأربعينية، التي فقدت اثنين من أبنائها في معارك ديرالزور، أحدهما كان منتسبًا لصفوف التنظيم.
“في كل عيد أبكيهما عن بعد، رغم حنيني لزيارة قبريهما”، تقولها أم محمد بحرقة، فالتنظيم منع زيارة القبور أثناء العيد، وأخفى معالمها، ما جعل من الصعب تمييزها عن بعضها، كما منع مظاهر الاحتفال والتجمع والتكبير في المساجد، وحدد عقوبات مالية وجسدية لكل من يخالف قراراته.
فقر وجوع وحصار
يقول أبوعبد الله (50 عامًا)، وهو نازح من دير الزور، إن التنظيم يحاصر مدنيي الأحياء التي يسيطر عليها، من خلال التشديد الأمني والتفتيش “المهين” على الحواجز، ما دفع الناس للخروج من المدينة أو التزام بيوتهم، “الحياة هناك غدت جحيمًا لا يطاق، والجميع يفكر بالرحيل متى توفرت له الإمكانيات المادية اللازمة “.
خرج الرجل الخمسيني من منزله قبل أكثر من عام، بعد أن أعدم التنظيم أحد جيرانه، كما يقول لعنب بلدي، ويقيم اليوم في قرية قريبة من المدينة “لا أشعر داخلها بالحياة كي أشعر بالعيد”، مضيفًا “منعوني من زيارة منزلي واستولوا على جميع محتوياته، كما هددوني بالسجن في حال عودتي”.
سنوات الشقاء التي قضاها أبو عبد الله في بناء منزله، ذهبت أدراج الرياح، فهو اليوم لا يملك قوت يومه، ويعيش مع عائلته على بعض المساعدات، إلا أنه مايزال يأمل بعودة قريبة.
يُجمع معظم من التقتهم عنب بلدي، على حنينهم لمدينتهم وشكل العيد فيها رغم بساطته، محاولين نقل ذكرياته إلى أطفالهم، من خلال حكايات وقصص تروي طقوس العيد ومظاهره.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :