محمد رشدي شربجي
مع تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي، وتصويت الأمريكيين لصالح دونالد ترامب بخطابه العنصري الكاره للأجانب والإسلام والنساء، بدا أن اليمين المتطرف بدأ يكتسح معاقل “العالم الحر”، وليس نادرًا أن تجد في الصحافة العالمية مواد تشبّه بين ما يحدث الآن وبين ما جرى في أوروبا عام 1933 حين وصلت النازية بانتخابات ديمقراطية إلى السلطة في ألمانيا.
وقد حدث تمييز في الخطاب العام بين ديمقراطيات ليبرالية وأخرى غير ليبرالية، وتعيب الثانية على الأولى تفريطها واستسخافها الثقافة المحلية لصالح ثقافة معولمة أمريكية في صلبها ولكنها هجينة بذات الوقت لا لون لها، ثقافة “ليبرالية” لم تظهر احترامًا كافيًا لمكون الدين في ثقافة الشعوب ولا لعاداتها وتقاليدها التي بالغ الليبراليون بتقدير ضعفها. ويحاجج الليبراليون بأن مجتمعًا متعدد الأديان والأعراق والتوجهات لا يمكن حكمه إلا بثقافة ليبرالية تمسح الفوارق الثقافية بين كل هؤلاء، وهذا نقاش آخر.
سادت موجة من التفاؤل في الغرب بعد فوز حزب الشعب للحرية والديمقراطية في الانتخابات الهولندية، وهو حزب يميني أيضًا بالمناسبة، ولكنه بجانب خيرت فيلدرز ظهر كملاك وديع، عززها انتخاب مانويل ماكرون رئيسًا لفرنسا، بأن موجة الشعبوية آخذة في الانحسار. الرئيس الشاب الذي استطاع بعد خبرة سياسية ليست أكثر من عامين أن يطيح بنخب سياسية، حكمت فرنسا منذ ستة عقود، جرى تصويره كأفضل ممثل للديمقراطية الليبرالية ولقيم الاتحاد الأوروبي. وقد ازداد شعبية حين ألقى خطابًا مؤثرًا بعد انسحاب دونالد ترامب من اتفاقية المناخ.
ولكن بالرغم من هذه النظرة المختلفة بين المعسكرين للعالم، فإن كلاهما يتفقان بالسياسة الخارجية عندما تصل الأمور إلى الشرق الأوسط، قلب السياسة الخارجية العالمية، فكلاهما مؤيد مطلق لإسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق نظام فصل عنصري اليوم، وكلاهما يرى أن الأولوية فقط للحرب على الإرهاب، وأن الإرهاب لا يمكن علاجه بطريق واحدة هي ذاتها المتبعة منذ عقدين من الزمن. وكلاهما مؤيد شرس لكل انقلاب عسكري في المنطقة، وكلاهما يرى أن السيسي والأسد وأمثالهما هم الخيار الأمثل لحكم شعوب المشرق.
خلال الأسبوع الماضي أجرى ماكرون حوارًا مع ثماني صحف أوروبية قال فيه بالحرف إن “بشار الأسد هو عدو للشعب السوري وليس عدوًا لفرنسا، ورحيله ليس شرطًا للحل السياسي، لأنني لم أرَ بديلًا شرعيًا”.
تصريح أنيق، مختصر، أخّاذ، أوروبي، ويعبر بوضوح عن الفارق النوعي بين اليمين الأوروبي الشعبوي المتطرف الكاره للأجانب والإسلام، وبين التيار الأخلاقي الليبرالي المتيّم بحب الأجانب والإسلام.
ماكرون لا يرى في رجل قتل نصف مليون سوري وخلق أكبر أزمة لاجئين في العصر الحديث عدوًا للعالم، هو عدو للسوريين فحسب، ولأنه كذلك فلا مشكلة في التعامل معه.
أعتقد أن ما أراد ماكرون قوله هو على الشكل التالي: بشار الأسد هو عدو للشعب السوري وليس عدوًا لفرنسا (ولذلك) فإنني لا أرى له بديلًا شرعيًا.