بانياس.. من الحراك السلمي والدم إلى مسيرات التأييد
حسام الجبلاوي – بانياس
«بحب وجه رسالة للعالم كلو وقلو شعب بانياس مسالم، بانياس هلأ محاصرة ونحن مانا مسلحين، طلعنا نطالب بالحرية، سلاحنا بس عقلنا، قلمنا وكاميرتنا»، بهذه الكلمات اختصر الناشط أنس الشغري حال بانياس يوم أرادها أهلها سلمية وترجمها النظام في قرية البيضا دهسًا وتنكيلًا.
من يقرأ تاريخ بانياس في الثمانينات والاعتصام الشهير لتجار المدينة ردًا على مجزرة حماة، وما تبعها من اعتقالات وتنكيل بأهلها لم يسلم منه رجال الدين مثل الشيخ عبد الستار عيروط، المغيب حتى الآن، لا يستغرب ريادتها بأولى المظاهرات السلمية بعد درعا بتاريخ 18 آذار 2011 بأكثر من أربعة آلاف متظاهر هتفوا للحرية ودرعا.
توالت المظاهرات وخرج الآلاف في جمعتي «الشهداء» و «الصمود»، ثم تعرضت المدينة للاقتحام واعتقل المئات من أهالي بانياس والبيضا على أيدي قوات الأمن، فخرجت صور الدهس والتنكيل لتحفر في ذاكرة أهلها يومًا أسودًا وتقتل التعايش المشترك الذي آمن به أهلها البسطاء سابقًا.
بانياس، تلك المدينة الهادئة المتربعة على ساحل البحر المتوسط جنوب محافظة طرطوس، يزيد عدد سكانها عن الخمسين ألف نسمة، تتعايش فيها الأديان والطوائف (السنية، العلوية، المسيحية)، مدحها أبو الفداء المؤرخ الجغرافي لكثرة أشجارها، وتغنى بحكمة أهلها أبو الياقوت الحموي، وتشتهر بقلعة المرقب التي يعود تاريخ بنائها إلى عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، يعمل معظم أهلها بالزراعة وصيد السمك، لها أهمية استراتيجية رغم صغر حجمها، فمصفاة بانياس هي الأكثر إنتاجًا في سوريا، كما أنها مرفأ هام لتصدير النفط، وتحتوي على محطة حرارية تزود المدينة بالكهرباء، هذه الميزات دفع ثمنها أهل بانياس، إذ تعتبر المدينة واحدة من أكبر مراكز التلوث في سوريا.
في الثالث من أيار2013 لم ينعم أهل بانياس بالهدوء كعادتهم بعد أن اجتاحتها الميليشيات الطائفية وارتكبت واحدة من أكبر المجازر في تاريخ المدينة والثورة السورية، استمرت المجزرة على مدى خمسة أيام وراح ضحيتها أكثر من 900 شهيد، بحسب المجلس العسكري في بانياس، وتوزعت في أحياء رأس النبع والقلعة والرحمن والتقوى، إضافة لقرية البيضا حيث أعدمت عائلات بكاملها ذبحًا على أساس طائفي، وألقيت بعض الجثث في نهر بانياس. الم المجزرة دفعت الكثير من العائلات لمغادرتها خوفًا من هجمات أخرى، وأخلت بالميزان الديموغرافي للمدينة، الذي كان متوازنًا.
من أبرز ناشطي المدينة الطالب الجامعي أنس الشغري، شارك بتنظيم المظاهرات والتواصل مع وسائل الإعلام العربية والدولية لإيصال صوت المحتجين، وكان لافتًا أنه ينشط باسمه الحقيقي. عرف بتحديه لنظام الأسد ومطالبته بإسقاط النظام، وهو من أوائل الأصوات التي نادت بالتغيير. اعتقل أنس بتاريخ 15 أيار2011 إثر كمين للأمن العسكري بعد الدخول العسكري لمدينة بانياس بعدة أيام. منذ اعتقاله غابت أية معلومات عنه، ولم تسمع عائلته عنه أية أخبار، حتى من خلال معتقلين مفرج عنهم، هذا بالاضافة للشيخ أنس عيروط، رئيس المجلس الثوري لمدينة بانياس، الذي قاد أول مظاهرة ضد النظام من جامع الرحمن وطالب باسقاط الظلم عن المدينة وتحقيق مطالب الشعب.
يذكر أن المدينة عرفت بشجاعة نسائها، وهو ما تجسد بقطع الطريق الدولي بين طرطوس واللاذقية من قبل النساء والأطفال أثناء الحملة الأمنية على مدينة جبلة المجاورة.
بانياس اليوم تعيش في ظل القبضة الأمنية المحكمة لقوات النظام بعد أن غيب نشاطها السلمي بالقوة، واعتقل مئات الناشطين، وكان آخر فصول المدينة ما شهدته من مسيرات مؤيدة تطالب ببقاء الرجل المسؤول عن إزهاق إرواح الكثير من أبنائها. مسيرات يعرف الكثير حكايتها، ولن يخذل التاريخ يومًا مدينة عرفت بجبروتها في وجه الطغاة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :