عنب بلدي – درعا
تستقبل درعا عيد الفطر السابع في عمر الثورة السورية، وعلى الرغم من حجم الاختلافات التي شهدها شهر رمضان في السنوات الماضية، إلا أن المبادرات والنشاطات الإنسانية والإغاثية كانت الغالبة عليه دائمًا، سواء بحملات الإفطار، أو المطابخ الرمضانية، أو النشاطات التي تستهدف المخيمات بشكل خاص، إلا أن هذا العام شهد اختلافًا واضحًا.
استطاعت المعارك المندلعة في مدينة درعا، سرقة أعين واهتمام الأهالي في جميع مدن وبلدات المحافظة، لما لها من أهمية كبيرة، فحازت على الاهتمام الأوسع خلال الشهر، ليس على المستوى العسكري فقط، بل تعدتها إلى الحالة الإنسانية والإعلامية التي تميز بها شهر رمضان، طوال السنوات القليلة الماضية.
“الموت ولا المذلة” حدث رمضان
بدأت معركة “الموت ولا المذلة” في شباط الماضي، لكنها شهدت تطورات متصاعدة في حزيران، بمحاولة قوات الأسد والميليشيات الأجنبية إحراز تقدم على جبهات درعا، في ظل قصف جوي وبري يعدّ الأكبر على المدينة منذ عام 2017. |
تميزت هذه الحالة بشكل واضح، بعدما شهدت محافظة درعا واحدة من أكبر حملات جمع التبرعات في المساجد، لكنها لم تكن، كالمعتاد، لصالح الأعمال الإنسانية، بل لصالح غرفة عمليات “البنيان المرصوص”، التي تقود فصائل المعارضة في معركة “الموت ولا المذلة” في مدينة درعا.
وتحدثت عنب بلدي إلى “الشيخ أبو أيوب”، أحد المساهمين في هذه الحملة، واعتبر أنها “دليل على وعي عالٍ لدى الأهالي”، موضحًا “اعتدنا دائمًا على جمع التبرعات لصالح المساجد أو الأعمال الخيرية، وخاصة في شهر رمضان، لكن أن تكون التبرعات لصالح العمليات العسكرية، فهذا يعكس مدى الوعي العالي لدى الأهالي، بأهمية المرحلة الحالية”.
وأضاف أبو أيوب أن الحملة استطاعت جمع عشرات الملايين من الليرات السورية، “كان إقبال الأهالي كبيرًا، بهدف دعم العمل العسكري، وكسب الأجر في رمضان بالتبرع بالمال”، متحدثًا عن إحدى “قصص التبرع” التي ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي “سمعنا عن الطفلة التي فتحت حصالتها وفيها بضع ليرات، لصالح دعم الثوار في مدينة درعا، وهنالك قصص كثيرة مشابهة، وهذه من المظاهر التي أسهمت في إعادة التكاتف للأهالي، الأمر الذي غاب عن ثورتنا خلال الفترة الماضية”.
وأشار الشيخ إلى أن خطب الجمعة في رمضان كانت مميزة هذا العام، “في رمضان تمتاز خطب الجمعة بتذكير الناس بتعاليم وعادات رمضان، لكن هذا العام تميزت بدعوة الناس عمومًا والفصائل خصوصًا لضرورة التكاتف والوقوف صفًا واحدًا ضد ما تتعرض له المنطقة”.
فعاليات العيد حاضرة
في ذات السياق، يحرص الأهالي بالتعاون مع الفعاليات الشعبية في ريف درعا، على إبقاء تداعيات الأحداث العسكرية بعيدة عن أجواء العيد المقبلة، ولا سيما بين الأطفال، فقد ظهر واضحًا الحرص على عدم حرمانهم من “فرحة العيد”، سواء بإنشاء ساحات الألعاب أو توزيع الملابس الجديدة.
في هذا الصدد، تحدثت عنب بلدي مع عمر المحاميد، من أهالي بلدة صيدا، وأكد في البداية على تأثير معارك مدينة درعا على أجواء شهر رمضان وتجهيزات العيد في بلدة صيدا، مضيفًا “المعركة على بعد كيلومترات قليلة، والبلدة مليئة بأهالي مدينة درعا الذين نزحوا بفعل المعارك، فنحن نعيش المعركة ساعة بساعة، وأصبح الحديث اليومي عن المعركة، هو الطاغي على أحاديث رمضان والعيد”.
ولكن هذا لم يمنع من ظهور “المشاهد الرمضانية” في أسواق البلدة، وأضاف المحاميد “الثورة امتدت لأعوام طويلة، ولا نريد لجيل الأطفال الذي نشأ خلال هذه الثورة، أن يكبر وهو لا يعلم معاني رمضان والعيد”، لذلك حرص الأهالي، بالتعاون مع بعض الفعاليات الشعبية والخيرية، على تجهيز بعض الأماكن المخصصة للعب الأطفال في العيد، بالإضافة لتوزيع الملابس الجديدة عليهم، “تضاف هذه المساهمات، إلى ما تقوم به جمعيات كفالة الأيتام، وحملات الإفطار الجماعي للأطفال، لمنحهم فرصة عيش أجواء رمضان، التي حرموها منها بفعل الحرب”.
لم تعمد قوات الأسد والميليشيات الأجنبية الداعمة إلى تدمير المدن والبلدات السورية وتهجير أهلها فقط، بل تضاف لمصائبهم التي جروها على الشعب السوري، سعيهم الدائم لحرمانه من لذة الأجواء الرمضانية وفرحة العيد. وتحت أصعب الظروف استطاع أهالي درعا بإصرارهم التغلب على هذه السياسة، فباتت حملات تبرعاتهم لصالح الدعم العسكري، ونشاطاتهم وفعالياتهم، لإحياء العادات والتقاليد الرمضانية، ومنح الأطفال الفرصة، ليكون العيد فرحة لهم رغم الألم.