ضريبة التقرب من روسيا، من جنيف 2014 إلى موسكو 2016
عنب بلدي – العدد 107 – الأحد 9/3/2014
عقد مؤتمر مدريد للسلام المتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي في العام 1991 برعاية أمريكية- سوفييتة تحت شعار «الأرض مقابل السلام»، وتُوّجت نتائجه في العام 1993 باتفاق أوسلو في العاصمة الأمريكية واشنطن بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل؛ كذلك انعقد مؤتمر جنيف2 في سويسرا برعاية أمريكية-روسية تحت شعار «مؤتمر السلام» بين المعارضة السورية والنظام السوري، ودون معرفة أين سيكون الختام، فهل سيكون في موسكو 2016؟
اتبعت روسيا الاتحادية مع الحالة السورية استراتيجية التلاحم مع النظام، إضافةً لفتح قنوات تواصل دائمة مع أعدائه، حتى جرهم إلى الهزيمة وفق مخططات مدروسة، كتقليد لاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الملف الإسرائيلي-الفلسطيني.
وكما تعتبر الولايات المتحدة أمن إسرائيل القومي جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي، كذلك يُظهر التعاطي الروسي مع الملف السوري بأن بقاء نظام الأسد، بمؤسساته كافة، جزء أساسي من استراتيجية سياستها الخارجية، فهو نظام أظهر قدرته عبر عقود حكمه على ضمان مصالحها وخدمة أهدافها، وتقديم الولاء والطاعة الكاملين لها.
لا تتوقف المقاربة هنا، فأحمد الجربا الذي يحاول التقرب من روسيا، كما تدلل زياراته المتكررة إلى موسكو مع وفوده المرافقة، يشبه إلى حد بعيد الراحل ياسر عرفات الذي كان يعتبر الأمريكيين أصدقاء له، ولم تتوقف زياراته إلى العاصمة الأمريكية واشنطن أو إلى مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك.
اختتمت الجولة الأولى من مفاوضات جنيف2 بين وفدي المعارضة والنظام بلا نتائج، والجدل نفسه يدور حول ملفات الإرهاب وطبيعة الحل السياسي المطروح كما حصل في مفاوضات أوسلو.
ما اتفق عليه الطرفان، بغض النظر عن أولوية الطرح في البنود على طاولة المفاوضات، هو بند وقف العنف ومكافحة الإرهاب، وهو ما يشبه إلى حد بعيد البند الأول من اتفاق أوسلو 1993 «تنبذ منظمة التحرير الفلسطينية الإرهاب والعنف وتحذف البنود التي تتعلق بها في ميثاقها كالعمل المسلح وتدمير إسرائيل»، وهذا عدا عن تخلي السلطة الفلسطينية عن حقها في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
وكذلك لا ننسى الاعتراف المتبادل بالكيان الآخر وشرعنة استمراره، حيث اعترفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدولة إسرائيل على مساحة 78% من الأرض الفلسطينية، فيما اعترفت إسرائيل بسلطة الجبهة على قطاع غزة والضفة الغربية كإدارة للحكم الذاتي، دون الاعتراف بمنحها السيادة كدولة على إقليم، وهو ما يشبه إلى حد بعيد الحديث عن مناطق محررة ومناطق خاضعة لسلطة الدولة، وغيرها من الأطروحات، في الحالة السورية.
المفاوضات التي ستطول حسب تصريحات مسؤولين صينيين، ستؤدي -إن استمرت جولات المؤتمر- إلى إطالة عمر المعاناة وتفاقم الأزمة، خصوصًا فيما يتعلق بملف اللاجئين وقضية الدولة المركزية وسوريا الموحدة والسيادة التامة على الأرض، لأن تاريخ أوسلو يقول بأن ما اتفق عليه في 1993 «بعد ثلاث سنوات تبدأ مفاوضات الوضع الدائم وتتم خلالها مفاوضات بين الجانبين بهدف التوصل لتسوية دائمة» لم ينجز حتى الآن، والتجربة التفاوضية مع النظام كما التجربة التفاوضية مع إسرائيل تقول بالنتيجة التالية: التفاوض لأجل التفاوض بهدف التفاوض.
جنيف موسكو 2016 هو ما سيؤول إليه الوضع، إذا ما عدنا إلى نمط التحالفات والمصالح لدى رعاة المؤتمر، وكيفية التعاطي مع القضايا ذات البعد الاستراتيجي وفق محددات السياسات الخارجية للدول الرئيسة المتحكمة بخيوط اللعبة (أمريكا-روسيا).
فكما استخدمت أمريكا سلاح الفيتو في وجه أي قرار بمجلس الأمن لا يصب في مصلحة إسرائيل بعد أوسلو 1993، على الرغم من اقترابها من منظمة التحرير الفلسطينية، كذلك ستعمل روسيا على استخدام هذا السلاح في معادلة 3 + ~ (لا نهاية)، طالما لن يصب في صالح النظام السوري على الرغم من تقربها من الائتلاف الوطني السوري.
إنه لضرب من الخيال الدخول في مثل هذه اللعبة، فضريبتها على السوريين ستكون كبيرة للغاية، فروسيا لن تتخلى أبدًا عن نظام الأسد، ولن تقترب أبدًا من أبسط الطموحات التي يسعى إليها الشعب السوري، فاتفاق أوسلو على تفسيراته المتعددة سيشبهه اتفاق موسكو 2016، وسيبقى الملف قيد الاطلاع في الأمم المتحدة، وسيبقى الائتلاف ممثلاً شرعيًا للشعب السوري، وبوادر انشقاقه كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية في عدة مناسبات باتت تلوح في الأفق.
إلا أنه ورغم كل ذلك يبقى الواقع العسكري، المتغير الأبرز الذي قد يحول دون حدوث مثل هذا السيناريو، وهو ما يجب أن تعول عليه المعارضة السورية، وعليها أن تتمسك به بكل قوتها، وتظهر أمام المجتمع الدولي عمومًا وروسيا خصوصًا، على أنها تمتلك أدوات التوازن والتغيير على الأرض، وعليها أن تعيد حسابات تحالفاتها وتلتزم دائرة واحدة وواضحة، دون الابتعاد المطلق عن حلفاء الأسد، ولكن بوعي كامل وقراءة لا تغيب عنها دروس التاريخ.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :