سامي الحموي
بعد أن سيطر الجيش الحر على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في 15-08-2012 نشأت تجارة السيارات المستعملة في الشمال السوري، والتي لم يعمل بها السوريون من قبل، حيث يقوم التجار بشرائها من أوروبا الشرقية وكوريا الجنوبية وشحنها عن طريق البر والبحر إلى سوريا، لتكون تركيا طريق عبورها ودخولها إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية. وقد لاقت هذه التجارة رواجًا كبيرًا وانتشارًا في المناطق المحررة، وبالذات الشمالية والشرقية منها، حيث بات أغلب سكان هذه المناطق يقتنون سيارات لم يعهدوا وجودها قبل الثورة، من حيث النوعية والجودة والثمن المناسب، إذ لا قيود ولا ضرائب تفرض على مالك السيارة المستعملة في حين أن النظام يفرض ضريبة «رفاهية»، بالإضافة للرسوم الجمركية المرتفعة على هذا النوع من السيارات.
تُشحن السيارات الأوروبية من بلغاريا بالناقلات، حيث تتسع الناقلة لثماني سيارات صغيرة أو سبع كبيرة، وتدخل برًا من الحدود التركية البلغارية لتصل إلى ميناءي مرسين واسكندرون، واللذين يستقبلان بدورهما السيارات الآسيوية القادمة من البحر، حيث يتم تخليصها جمركيًا، ومن ثم إلى معبري باب الهوى والسلامة الحدوديين مع تركيا، وتقوم السلطات التركية بتنظيم دخول السيارات وتوقف عمليات الإدخال في حال الازدحام الشديد أو الاشتباكات قرب المعابر، ليدخل بشكل تقريبي عشرون ناقلة يوميًا، وفق ما أفادنا به «أحمد» تاجر السيارات، والذي أضاف في حديثه لعنب بلدي: «كان السوق قوي جدًا ولكن بسبب الجبهات المشتعلة والطرقات المقطعة بعد المعارك مع داعش ضعفت هذه التجارة، إضافة إلى إشباع ريف إدلب من هذه السيارات واعتمادها بالتصريف على المنطقة الشرقية ومحافظة حلب، حيث يقدم تجار هذه المناطق ليشتروا سياراتنا بالجملة».
تقع بلدة سرمدا على بعد 30 كم شمالي إدلب على مقربة من معبر باب الهوى، مما جعل منها منطقة استراتيجية، والسوق الأساسي لتجارة السيارات في المناطق المحررة، فتنتشر فيها المعارض وتشهد ازدحامًا يوميًا وحركة شرائية كبيرة، حيث يطلق عليها أهالي المنطقة «السوق الحرة» ويعتبرون أن مستقبلها سيكون كبيرًا بعد إسقاط النظام، إذ يراهنون على ازدهار التجارة مع تركيا التي ستكون المصدر الأساسي للتجارة السورية حسب وصفهم، يتابع أحمد في حديثه فيقول: «تتراوح أسعار السيارات ما بين 4000 إلى 10000 دولار في أفضل حالاتها، وتعمل كلها على الديزل، مما زاد في رغبة الأهالي بشرائها لتوافر هذه المادة ورخص ثمنها قياسًا بالبنزين مرتفع السعر، ولكن هنالك العديد من المشاكل تواجه البائع والمستهلك، فالمازوت المكرر يسبب للسيارات أعطالًا كثيرة، إضافة لعدم توفر قطع الغيار وقلة الأيدي العاملة الخبيرة في صيانة محركات الديزل».
في مطلع العام الجاري أصدرت الحكومة التركية قرارًا تمنع بموجبه مرور السيارات الأوروبية والآسيوية على أراضيها، مما أثار حفيظة التجار واعتبروه قرارًا جائرًا، والسماح للتجار بالوقت نفسه باستيراد السيارات المستعملة التركية، ويعزو التجار هذا القرار لضغط من تجار تركيا لأجل الشراء من السوق التركية حصرًا، وإخراج السيارات القديمة منها والاستفادة الكبيرة للاقتصاد التركي من هذا القرار، يضيف أحمد: «أكثر من 3000 سيارة بقيت عالقة في الموانئ بعد إصدار القرار، ومنذ أسبوعين سمحت السلطات التركية بإدخال السيارات الموجودة على أراضيها، وعند الانتهاء منها سيسمح للسيارات المرصوفة على الموانئ والبواخر بالدخول إلى سوريا، مما يشكل أعباءً مادية كبيرة على التجار بسبب التكاليف الإضافية التي ستفرض على الشحن».
لم يقدم الائتلاف السوري أو الحكومة المؤقتة أي تسهيلات لمالكي السيارات المستعملة أو أي ضمان لها من السرقة أو المصادرة، فلا يملك أصحاب السيارات سوى ورقة برقم السيارة ونوعها، وفي أفضل الحالات يكتب التاجر عقدًا بينه وبين الزبون، ليبقى هذا العقد شكليًا وغير قانوني، الأمر الذي أدى إلى انتشار حالات السرقة والمصادرة للعديد منها، وبالذات من قبل عناصر تنظيم الدولة في المعارك الأخيرة بين الأخير وفصائل الجيش الحر، لتبقى الكثير من إشارات الاستفهام حول مستقبل السيارات المستعملة في سوريا وحقوق الملكية لأصحابها.
مجلس الأمن يحتاج لدمار بلد بأكمله، فما الحاجة لإدراك أي شيء حينها.