عنب بلدي – العدد 107 – الأحد 9/3/2014
ككتّاب وصحافيين نكتب في جرائد حرّة ثورية، نهتم بتوجيه كلماتنا وأفكارنا للإنسان بشكل عام، أيا كان توجهه وانتماؤه السياسيّ، ونتوقّع أن يكون لدى قارئ الكلمات -أيا كان- فكرًا يتمكّن به من محاكمة عقلية لما يقرأ، أو على الأقل القدر الأدنى من مشاعر إنسانية تكفل تفاعله مع ما نرويه من مناطق مختلفة في سوريا عن ويلات الحرب وأهوال الحصار..
لكنّ المراقب للردود التي نتلقاها على أي مقال وأي تقرير أو تحقيق واصف لصعوبة العيش، أو منتقد لزاوية ما في المناطق المحررة، يلاحظ كمّ اللاإنسانية، اللاموضوعية، والأسلوب غير الفكري البتّة الذي يتمّ الرد به على المواضيع من قبل مؤيدي النظام.
المشكلة ليست في الردّ -هو ليس حكرًا على جهة دون أخرى أساسًا-، بل في أنّه لا يحاجج المواضيع فكريًا، وغير قادر على التفاعل إنسانيًّا مع ما يرد في المقال لمجرّد أنه على جريدة ثوريّة.
الحقد، الشماتة، التشفي وروح الانتقام، تشعر بأن كاتب الكلمات يريد تجاوز الشاشة لينتقم منك ومن كل من وصفتهم في سطورك بشكل مباشر، لماذا أفقدت الحرب البعض إنسانيتهم بهذا الشكل؟ ولماذا أعمت العقول عن المحاكمة المنطقية للأفكار والكلمات؟
لا نتحدث هنا عن الجيش الأسدي الذي فقد مقومات العقل والإنسانية منذ اليوم الأول في درعا، ولا عن الشبيحة وعناصر الأمن.. حديثي عن المدنيين، ممن جاورناهم على مقاعد الدراسة والعمل، ورافقناهم في التنقل والتسوق وهموم البلد. قد تختلف معي في الرأي حول موضوع الثورة، قد تكون ممن لا يحبذون الثورات طريقًا للتغيير، قد ترى أن الثورة تحمل المسؤولية عن كل الشهداء الذين أزهقت أرواحهم، لكن ألست وإياك سوريّين؟ ألسنا قبل أن نكون سوريين، بشرًا نحمل ذات الدم الإنسانيّ؟ وهل من المفترض أن يشارك كل من في جانب النظام في التشبيح، سواء عسكريًا أو افتراضيًا عن طريق التشبيح اللفظي؟
عدم القدرة على التحاور مع الطرف الآخر بعقلانية أمر نفتقده منذ اللحظة الأولى، وبات اليوم يترسخ بشكل أكبر. لماذا لا تجدي المفاوضات والمحاورات بين الطرفين؟ ﻷننا لم نعتد على مناقشة ما لدى الآخر، جلّ ما لدينا هو التخوين، التجريم، الاتهام.. لا نملك -في الطرفين- وسائل وأدوات المناقشة العقلية والفكرية لمضمون حوار الآخر وآرائه.. التشبيح اللفظي على الانترنت يزيد الهوّة بيننا للأسف.
كم كنت أتمنى أن يعلن المدنيون المؤيدون للنظام الحداد على أرواح شهداء الكيماوي في الغوطة مثلًا -باعتبار أنهم يتهمون الجيش الحر بالمسؤولية عن المجزرة-، لا يعني أنك تميل إلى جانب ما فكريًا أنك توافق على كل تصرفاته، ولا يعني أن كل من يحمل الفكر الآخر هو «عدو» لك ينبغي قتله.
التعامل مع الضحايا المدنيين -من الطرفين- بطريقة التشفي والانتقام، الشماتة بالمصاب والفرح برائحة الدم إذ تفوح في الجانب المقابل، هي أكبر خسارة في هذه الحرب، الحجر سيبنى من جديد، الشجر سنعاود زرعه، المواليد الجدد سيحملون رسالة الشهداء، لكن الأفكار، الرحمة، التعاطف، الحبّ والألفة.. لا يمكن أن تعود إذا اخترنا قتلها بأيدينا، بكلماتنا، بأفعالنا «الوحشية».
أكبر خسارة ليست في موت الإنسان، بل في موت الإنسانية!