عنب بلدي – العدد 107 – الأحد 9/3/2014
حالمًا بمنزل صغير، بداخله موقد حطب يجلس أمامه مساءً وهو يداعب طفلتيه الشقراوتين، اللتين لا تعرفان من العربية سوى بضع كلمات، وراتب شهري يتابع به حياته الفارهة وينسى به ما حمله رأسه من مآس جلبها من وطنه، حزم خالد حقيبته الصغيرة التي تظهره كرحالة يستعد لرحلة سفر طويلة، مودعًا أهله في مطار بيروت ومنطلقًا نحو مدينة اسطنبول، ليقابل المهرب، الذي تكفل بالعملية واتفق معه على بعض التفاصيل وأمن له جواز سفر إيطالي عليه تأشيرة تصلح لأربعة أيام وبعض البطاقات الائتمانية، مع قائمة ببعض الكلمات الإيطالية للاستخدام عند سؤاله.
في غرفة الفندق التي وصلها خالد في اسطنبول، بدأ بمحاولة تقمص شخصيته الجديدة وتعلم لغة البلد الذي سيرحل إليه، ليشعر فجأة بخوف غريب فأقفل باب غرفته وخبأ جواز السفر منتظرًا صباح اليوم التالي ليتجه نحو المطار. وهناك، في مصلى المطار، صلى خالد ودعا الله أن تتم الأمور على خير، ثم غفا قليلًا منتظرًا الطائرة التي ستقله إلى مدينة استوكهولم كمحطة أولى في رحلته ليعود إلى حلمه: «الأبنية الشاهقة والشوارع النظيفة وموظف الاستقبال الذي ينتظره في الفندق لحمل الحقائب».. ليصحو على صوت موظف المطار الذي أيقظه ليقوم ويبدأ المرحلة الأصعب من رحلته.
انطلق خالد مبكرًا نحو بوابة التوجه إلى الطائرة، لتستقبله موظفة شقراء طلبت بابتسامة جواز سفره، وهو يدعو ربه ألا ينكشف أمره، وبقيت الموظفة عدة دقائق محاولةً التأكد من المعلومات والبيانات مستعينة بموظف آخر من موظفي المطار، وتسأله بعض الأسئلة لتقوم أخيرًا بوضع ختم الخروج على جوازه بابتسامة أخرى وعبارة «رحلة موفقة».
دخل خالد إلى قاعة الانتظار وبدأ بطمأنة عائلته بنجاحه في تجاوز موظفي المطار، سائلًا إياهم «شو بدكم هدايا من إيطاليا».
مرت نصف ساعة من الزمن، والابتسامة العريضة لا تفارق وجهه، وإذا بموظف المطار يوجه نداءً للمسافرين للتوجه نحو الطائرة، صعدها خالد باحثًا عن مقعده ليفاجَأ بالمضيفة تخبره بضرورة التحقق من بعض أوراقه مجددًا وتطلب منه التوجه إلى شركة الطيران في المطار.
لحظات مصيرية وحاسمة، قام خلالها موظف الشركة بالسؤال عن إثبات يدل على أن خالد مقيم في إيطاليا، واتصل الموظف بالسفارة الإيطالية في اسطنبول وطلب من خالد أن يكلمه، ليفاجَأ بأنه لا يجيد الإيطالية، ولتنتهي الرحلة بمنع المغادرة.
خالد، 23 عامًا، ابن مدينة درعا، والتي غادرها قبل سنة ونصف نحو لبنان ليعمل فيها كمسؤول قسم في إحدى كبريات المطابع، ويتقاضى أجرًا مقداره ١٠٠٠ دولار، أقدم على ثلاث محاولات للهجرة، ولكن أيًا منها لم ينجح، وعلى الرغم من شعوره البائس، تحلى خالد بروح الدعابة والمرح، وختم حديثه بأن القصة لم تنته بعد، وأن محاولات السفر «يتبع».