إدلب – طارق أبو زياد
قد تكون إدلب من أصغر المدن السورية، ومساحتها لا تتجاوز مساحة بعض البلدات في ريف دمشق، على سبيل المثال، إلا أنها جمعت سوريين من مختلف المحافظات، فترى ابن المدينة يُجاور آخرين من حلب وحمص وحماة والرقة، جميعهم يعيشون في مجتمع واحد.
“إدلب تجمع رفاق الثورة وإخوة من مناطق متفرقة، وإن كنا صمدنا حتى اليوم فمن المحبة التي لم تنته رغم ندرتها”، يقول عبد الهادي العبد (40 عامًا)، واصفًا الحال التي تعيشها مدينته، التي تضم الآلاف من المهجرين.
لهجاتٌ مختلفة في المدينة
مع كل نشاطٍ يشارك فيه عبد الهادي، يتعرف على أشخاص جُدد، كما يضيف لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن اللهجات تتنوع داخل المدينة، “الحمصي تعرفه من عبارة يعطيك العافيي أخي، والحلبي بلكنته المعروفة، أما ابن الشام فيُردد دائمًا: كيفك معلم”.
تُشكّل اللهجات لوحة فسيفسائية رائعة، وفق عبد الهادي، ويوافقه الشاب أحمد ريان، من أبناء إدلب، الذي يرى أن “انتشار المهجرين من جميع المناطق في المدينة، جعلها تتقدم وتتطور على كافة المستويات، لا سيما تجاريًا، من خلال انتشار الصناعات التقليدية التي تشتهر بها كل مدينة”.
يشتهر أبناء حماة القاطنين في إدلب بصناعة الحلويات، بينما يُعرف أهالي داريا، غرب دمشق، بمهنة النجارة، أما صيانة الدراجات النارية، فهي لأهالي مضايا، ووفق ريان فإن “لكلٍ عمله الذي حسّن الصناعات بشكل واضح، ووفر فرص عملٍ للبعض”.
“لا بد من مشاكل”
رغم التعايش بين الأهالي، إلا أن حالات قليلة تحدث كل حين، بحسب من استطلعت عنب بلدي آراءهم، “فلا يمكننا نكران العصبية للمدن، فأحيانا تحدث مشكلة بين شخصين، وتتحول إلى نداءٍ مناطقي”، وفق خالد فهد، أحد مهجري حي الوعر الحمصي.
ويقول خالد لعنب بلدي، إن راوي المشكلة يُردد “حمصي تعرض لإدلبي أو العكس”، ما اعتبره تحريضًا “غير أخلاقي، فقد تتطور المشكلة لتصبح حديث الشارع، لكن معظم الحوادث تنتهي بسرعة”، مردفًا “في كل مجتمع هناك الصالح والطالح”.
إدلب محطة والهدف تركيا
استقبلت إدلب الآلاف من مهجري ريف دمشق وحمص مؤخرًا، في عملية وصفت بأنها “تغيير ديموغرافي”، بإدارة النظام السوري والميليشيات الإيرانية. |
وفق رؤية الشاب الثلاثيني علاء حداد، المُهجّر من حي القابون في دمشق، فإن إدلب محطة مؤقتة لأغلب المهجرين، الذين يسعون للسفر إلى تركيا أو الهجرة إلى الدول الأوروبية، مبررًا لعنب بلدي السبب، “نحن نعيش الغربة منذ خروجنا، فلماذا نعيشها في مكان غير آمن.. الأفضل بدء حياة جديدة خارج سوريا”.
وتبقى وجهة نظر حداد مقتصرة على فئة قليلة، إذ يرفض كثيرون الخروج بعيدًا عن سوريا، آملين العودة القريبة إلى منازلهم، “فلكل شخص وطنه ومدينته وحيه ولن يتخلى عنها”، كما يقول البعض.
ويقول سمير زكّار النازح من مدينة حماة، إن إدلب تساعده وآخرين على لملمة الجراح، تحضيرًا للعودة إلى مدينته، “فالثورة لن تتوقف والتحرير قادم لا محالة، وسنظل ضيوفًا هنا نحلم بالعودة”.
المدينة فقدت هويتها
يعتبر محمود زكريا، من أهالي ريف إدلب الجنوبي، أن المدينة فقدت هويتها، “فقد أصبح الأدالبة قلة في مدينتهم، وسط عدد كبير من المهجرين”، مشيرًا إلى أنه “لم يعد يعرف من يسكن في هذا البيت أو ذاك، حتى الأحياء الشعبية فقدت ميزتها”.
ويؤكد زكريا لعنب بلدي أن حديثه “ليس معممًا أو بقصد الإساءة، لكن أصبح من السهل في الوضع الحالي، تخريب المدينة وإثارة الفتنة من خلال مجموعات تستغل الأوضاع الحالية”، مقترحًا إحصاء أعداد الأهالي والمهجرين، على “اعتبار أن التخريب يضر الجميع دون استثناء”.
ويعيش ريف إدلب الحالة نفسها، “لكن بشكل مضبوط”، وفق زكريا، الذي يرى أن الريف يستوعب العدد الأكبر، “كل منزل معروفٌ من يقطنه، وفي حال حدوث خلاف أو مشكلة، يتم احتواؤها بشكل سريع”.
عادت الحياة إلى طبيعتها في إدلب، مع دخول اتفاق “تخفيف التوتر” حيز التنفيذ، 6 أيار الماضي، بعد أن عاشت قصفًا مستمرًا لسنوات، ومعارك “داخلية” أو ضد قوات الأسد استنزفت طاقاتها.
ورغم أن ما سبق خلّف فوضى، في المؤسسات المدنية والبنى التحتية في إدلب، إلا أن كثيرين يصفونها بـ”عاصمة الشمال”، كونها أكبر نقاط سيطرة المعارضة مساحةً في سوريا.