محمد رشدي شربجي
بعد طول انتظار شابه انتقاد لاعتزاله الأزمة وتركيزه على تسويق العطور، “غرّد” الشيخ العريفي ناصحًا القيادة القطرية ما معناه أن عليها أن تتوب وتعود إلى رشدها وتكف عن التدخل في شؤون جيرانها وأن تنصاع لصاحب الحكمة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
العريفي الذي وقف قبل عدة سنوات بجانب محمد حسان والقرضاوي في ضيافة محمد مرسي “الإخواني الإرهابي” ليعلن الجهاد في سوريا، ها هو يعلنه مرة أخرى ضد قطر “فلا حياد مع من يكيد ضد المملكة، والجهاد بالكلمة دفاعًا عن وطننا واجب”.
قد يقول البعض إن العريفي تعرّض لضغوط، وهو ذات الكلام الذي قيل لتبرير موقف محمد حسان، وسعيد رمضان البوطي، وهو كلام غير مستبعد من ناحية المنطق، ولكن الحكم عليه يبقى لعالم الغيب، وهو بكل الأحوال ليس مبررًا لعلماء -وهي كلمة عجيبة لدينا تعني علماء الدين حصرًا وهذا نقاش آخر- أمضوا حياتهم يحاضرون في المسلمين ويجهدون في اختراع ما يجعل حياتهم أكثر تعقيدًا وبؤسًا وكآبة.
هناك توجه عام لدى المشايخ عمومًا، ومن يشبه العريفي خصوصًا، إلى إشغال المسلمين المعذبين بالسفاسف، هؤلاء لا يكفيهم من الإسلام المحرمات المعروفة، بل يحاولون جاهدين ما استطاعوا لتوسيع الدائرة بحجة التقوى، ورويدًا رويدًا تصبح الهوامش هي المتن، حتى وصلنا إلى أجيال مسلمة مضطربة تمشي كمن يتخبطها الشيطان من المس.
في كل الدولة العربية اليوم يلعب المشايخ دورًا ضروريًا ومحوريًا في استراتيجية الإخضاع التي يطبقها النظام العربي على شعبه، فلا شك أن ملء حياة المسلمين بسخافات تشغلهم عن القاع الذي نستقر فيه ضروري لاستمرار أنظمة الحكم الوظيفية هذه.
مصافحة المرأة للرجل، الاختلاط، الموسيقى، النقاب، تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، رؤية هلال رمضان بالعين المجردة، تحريم التصوير سابقًا، تحريم الديمقراطية سابقًا ولاحقًا، وغيرها كثير من القضايا التي أقل ما يقال عنها إنها تنتمي لعدة قرون خلت، ولا يجب أن تشكل جزءًا من المجال العام لأمة يعيش معظم أبنائها في المخيمات، إلا بجهود العريفي وأمثاله بطبيعة الحال.
وبكل تأكيد فإن تركيز أي شخص على أي قضية هي حرية شخصية لأي فرد، ولكن إشغال مجتمع كامل بقضايا بسيطة، ثم أخذ موقف الحياد والصمت والنفاق في المواقف الجادة هو ما أصاب الفرنسيين أثناء ثورتهم بالجنون، وهم يهتفون حينها “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس”.
هذه العقلية ذاتها هي التي تجعل أخوة المنهج في إدلب وهم محاصرون من كل أمم الأرض يجدون الوقت لمطاردة فلان لأنه مدخن، وأخرى لأنها لا تلتزم بالحجاب، ثم يسيلون الدماء بينهم أنهارًا لأتفه الأسباب.
والسؤال الذي يطرح نفسه ونحن نرى فشل مشايخ السلطة وغير مشايخ السلطة على كل الجبهات، لماذا على هؤلاء أن يكونوا دائمًا في مقدمة مجتمعاتنا؟ لماذا نعطيهم الصدارة في أفراحنا وأتراحنا وشاشاتنا ونستفتيهم في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا؟ ألم يحن الوقت أن ندرك أن قيمة هؤلاء هي ما نعطيهم له فقط لا غير؟ وأن علينا أن نتجاوزهم ونطلق العنان لعقلنا خارج سلطة الكهنوت؟ إن لم يكن الآن فمتى إذن؟