لبنان: مليون لاجئ سوري ومليارات الدولارات

  • 2017/06/18
  • 12:10 ص

إبراهيم العلوش

دخول حزب الله إلى سوريا واندفاعته الهائجة ضد المدنيين، وممارسته الخنق والتجويع بحق المدن والبلدات السورية، التي كانت قبل سنين قليلة تقدم الدعم المطلق له، أمر لا يعادله إلا دخول قوات الردع السورية الى لبنان عام 1976 وممارسات حافظ الأسد لأبشع أنواع الجرائم في الحرب الأهلية اللبنانية.

جرائم الأسد نفذتها المخابرات السورية، وكان آخر قادتها غازي كنعان، ورستم غزالة في لبنان، أعادها حسن نصر الله الى سوريا. وكما كان الأسد مدعومًا من الأمريكيين في بداية دخوله، كذلك اليوم حزب الله مدعوم من إيران، التي تصرف مليارات الدولارات من أجل أن تقوم بدور العجوز المتصابية، وتحاول إعادة شبابها الفارسي الذي أصبح غابرًا، ولم تعد تليق به إلا المقابر.

اليوم يقطن لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري، وهم كتلة بشرية كبيرة بالنسبة للبنان، الذي لا يزيد عدد سكانه عن أربعة ملايين، ولا بد من شكر الشعب اللبناني على هذا الاستقبال.

رغم التبرم الشديد لدى جهات لبنانية كثيرة من السوريين، فإن جهات أخرى ترحب بهم، مثل بعض الأوساط الطائفية التي تستعمل وجودهم ضد طوائف أخرى، وترحب بهم الفعاليات الاقتصادية، إذ يلتهم الاقتصاد اللبناني مليارات الدولارات من مدخراتهم. وترحب بهم أيضًا شركات الأعمال اللبنانية التي تحصل على أيدي عاملة فنية ومؤهلة وبأبخس الأثمان، بالإضافة إلى حاجة هذه الشركات الماسة لدخول وليمة الإعمار السورية التي ستدر عليها مليارات الدولارات، فحافظ الأسد وابنه دمرا سوريا إلى حدود العدم، ناهيك عن كون البناء الذي أقاموه عبر نصف القرن الفائت قد كان هزيلًا، وغير قابل للصمود أمام الانفتاح الاقتصادي الهائل الذي ستفرضه شروط نهاية الحرب، مما سيجعل المباني والمنشآت السورية التي سلمت من الدمار، مجرد أشباح لا تنتمي الى العصر الحديث، بسبب عدم جدية المقومات التقنية، والاقتصادية لنظام البعث الذي كانت الشعارات البراقة وسيلته الوحيدة لتمرير الأيام في كراسي الحكم.

أربعون عامًا مرت منذ دخول القوات السورية الى لبنان، وحكمها له بقوة المخابرات والقمع، وصولًا إلى تبادل السلعة القمعية التي صدّرها لبنان أخيرًا لنا، وهي فاشية حزب الله وارتهانه العبثي للإرادة الإيرانية. لكن لبنان، ورغم الحكم الأسدي له، استطاع السيطرة على معظم المؤسسات المالية والتقنية السورية، فشركاته كانت تسيطر على الكثير من البنوك الخاصة السورية، وعلى تقنيات شركتي الاتصالات، وعلى الكثير من الشركات القابضة التي برز فيها رامي مخلوف كممثل لمصالح أجهزة المخابرات، حيث يدخل شريكًا مع المؤسسات اللبنانية والأجنبية، بدون أي رأسمال أو جهد، فهو لصيقة مخابراتية، لا بد من وضعها على كل شركة، أو بنك يتم تأسيسه لينال الصلاحيات فوق القانونية، أسوة برجالات المخابرات الذين رسخوا وجودهم وهيمنتهم فوق سقف الوطن!

وعندما خرجت القوات السورية في عام 2005، استبدلت نفوذها المباشر بنفوذ غير مباشر، مستعينة بحزب الله وحركة أمل، حيث تم استكمال تصفية كل شخصية بارزة تعارض الهيمنة السورية والإيرانية على لبنان، من أمثال جورج حاوي، وسمير القصير، وجبران تويني، وصولًا الى اغتيال العميد وسام الحسن، وظل طريق دمشق بيروت هو القناة التي تأتي عبرها أسماء الحكام اللبنانيين من رئيس الجمهورية والبرلمان، والوزارات، إلى الإدارات المختلفة مهما كانت هامشية، ومايزال هذا النفوذ موجودًا الى اليوم وإن بمشاركة إيرانية طاغية، ولكن الأداة صارت واحدة هي حزب الله ومشتقاته السورية الإيرانية.

على الطرف الآخر وفي التلفزيون السوري تجد أن حلم المذيعات أن يتكلمن باللهجة اللبنانية، وتم تعميم صوت فيروز ليل نهار طوال نصف قرن على السوريين، وساعدت على ذلك كلمات وألحان الكثير من أغانيها التي جمعها الرحابنة من الأرياف السورية، ورغم أنها لم تغن لحافظ الأسد ولا لابنه، فإن الإعلام السوري استولى على صوتها وعلى شهرتها، حتى إن جيش الأسد عندما احتل بعض البلدات الثائرة في الجنوب السوري كان جنوده يبثون أغاني فيروز من مكبرات الصوت التي على المآذن، وأكد ابنها زياد الرحباني على علاقة قادة المخابرات السورية بعائلته وسهرهم في بيت فيروز بعد نهارات التعذيب الطويلة التي يرتكبونها بحق اللبنانيين والسوريين، وزياد نفسه مايزال مؤيدًا لنظام بشار الأسد باسم اليسار والممانعة.

رغم السمات الإيجابية الكبيرة التي تجمع البلدين، إلا أن نظام الأسد ومافياته اللبنانية قد غلّبوا الجوانب الوحشية للتبادل بين البلدين، فقد كان حافظ الأسد، ومحمد ناصيف، وغازي كنعان، ورستم غزالة، وحسن نصر الله، ونبيه بري، وسليمان فرنجية، وميشال سماحة… عناوين التبادل بين البلدين، وهي عناوين فاشية تتسم بتبادل الأدوار بين البلدين، بعيدًا عن روح الأخوة والجوار، وهذا ما تتسم به أخلاق المافيات.

الغرب سيدير الملف السوري بعد الحرب من بيروت، والمليارات ستعبر البنوك اللبنانية حتى تصل الى أهدافها في المدن والقرى السورية المراد إعمارها أو إسعافها بالأساسيات، لمنع إعادة توطين التنظيمات الإرهابية في سوريا، وهذا الأمر ينطبق على أموال أوروبا وأموال الخليج، وهذان الطرفان هما الأكثر جدّية في وعود إعادة إعمار سوريا، والاتحاد الأوروبي كان شديد الصراحة في اعتزامه صرف المليارات لإعمار سوريا، بشرط إقصاء الأسد وفريقه المتورط بالجرائم، وحتمًا ستتم إدارة مساعداته عبر لبنان، نظرًا لعلاقات لبنان الوطيدة مع أوروبا. ودول الخليج التي ستنفق مبالغ أكبر لن تصرف الأموال بوجود هذه النسخة الإيرانية من حزب الله، وهي ستمرر أموالها عبر لبنان أيضًا.

لم يبتعد لبنان عن سوريا عبر العقود الماضية، ولن يبتعد مهما كان شكل الحكم المستقبلي فيها سواء ظل مركزيًا، أو صار فيدراليًا، أو اتحاديًا، بل إن لبنان قد تلتهمه الصيغ التي يتم تفصيلها في أقبية الدول الكبرى، وينضم شعثه الى شعث الوضع السوري، وتتم المعاملة الإقليمية والدولية معه بنفس الموازين والمآلات السورية، ومهما كانت مفاجئة وقاسية.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي