حرب الكهرباء في إدلب.. النظام يوفّرها والهيئة والأحرار يقطعونها
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
حرب جديدة نشبت بين “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام” في الشمال السوري، لم تكن أداتها المواجهات العسكرية، بل اكتفت بـ “حرب بيانات” حول قضية الكهرباء التي تعد الشغل الشاغل لأهالي المنطقة، وسط تخوّف من تطور الصراع إلى مواجهات عسكرية بينهما.
اتهامات متبادلة شهدتها الأيام الماضية بين “هيئة إدارة الخدمات” التابعة لـ”حركة أحرار الشام” وبين “الإدارة المدنية للخدمات” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، حول المسؤولية عن قطع الكهرباء والمشرف العام على إيصال التيار الكهرباء إلى الأهالي وتحديد كلفة تسعير الأمبير الواحد.
وبالرغم من أن مسألة الكهرباء تمس حياة المواطنين بشكل مباشر بسبب أهميتها، ومطالبة الطرفين بإيجاد حل ينهي الصراع وتسليم القضية إلى مؤسسة مدنية بعيدة عن العسكرة، إلا أن الحل مازال مستعصيًا حتى الآن.
وصول الكهرباء بعد اتفاق مع النظام
سكان مدينة إدلب وريفها عانوا في العامين الماضيين من انقطاع الكهرباء، نتيجة خروج أغلب المحطات عن الخدمة، بسبب قصفها من قبل النظام السوري، ما دفعهم إلى اللجوء نحو اعتماد مولدات كبيرة (مركزية) للتزود بالكهرباء، مقابل دفع رسم اشتراك لمستثمر المولدة.
وكان فريق التحقيقات في عنب بلدي تناول وضع الطاقة في الشمال السوري في تحقيق بعنوان “مدن الأمبيرات.. شبكات الكهرباء تنهار أمام أعين السوريين”.
لكن مع بداية آذار الماضي، توصلت أطراف محسوبة على “هيئة تحرير الشام”، بحسب مصادر لعنب بلدي، إلى اتفاق مع النظام السوري حول إصلاح خط الكهرباء القادم من مدينة حماة، والذي يمر بريف حماة الشرقي وريف إدلب الجنوبي ليصل إلى محطة الزربة، التي تعتبر المحطة الأساسية المغذية لكافة مناطق الشمال السوري، مقابل إيصال الكهرباء إلى مناطق النظام في مدينة حلب.
وبعد وصول التيار إلى محطة الزربة تم إيصال خط من خطوط المحطة باتجاه إدلب بشكل كامل، يغذي المشافي والمخابز والمرافق العامة فقط بشكل مجاني تحت اسم “خط إنساني”.
مؤسسة كهرباء تولد مع الخلافات
بعد توصيل الكهرباء عقد اجتماع لتشكيل مؤسسة عامة للكهرباء تعمل على توزيع الطاقة بشكل عادل في المناطق، يكون لها صلاحيات كاملة على المنشآت والتجهيزات الكهربائية وخطوط النقل.
واتفقت الأطراف، ومن بينهما الهيئة والأحرار، وفق بيان صادر في 18 آذار، على تشكيل مؤسسة عامة بنظام داخلي يكون لها كامل الصلاحيات على المنشآت والتجهيزات الكهربائية، إضافة إلى استبعاد الفصائلية عن إدارة المؤسسة وتعود عائدية ما يخص الكهرباء لها.
لكن “هيئة تحرير الشام” نسبت المؤسسة إليها، وأعلنت تبعيتها لها دون علم المؤسسات الموقّعة على اتفاق تشكيلها، بحسب ما قالت “هيئة إدارة الخدمات” التابعة للأحرار، في بيان لها في 12 حزيران، متهمة إياها بسرقة اسم المؤسسة التي من المفترض أن تكون مستقلة.
في حين قال نائب المدير العام لمؤسسة الكهرباء، عمر محمد، في حديث إلى عنب بلدي إنه ” تم توقيع محضر اتفاق للعمل على تأسيس مؤسسة عامة للكهرباء مع هيئة إدارة الخدمات باسم مؤسسة كهرباء الشمال، لكن ما لبثت هيئة الخدمات التابعة للحركة أن انسحبت، ومع ضبابية موقفهم تابعت المؤسسة العامة للكهرباء العمل”.
بداية الصراع وحرب بيانات
ومع وصول التيار اقترحت “هيئة إدارة الخدمات”، التابعة لـ “أحرار الشام”، إيصال الكهرباء إلى آبار مياه الشرب والمشافي والمرافق الخدمية مجانًا ودون أخذ جباية منها، بحسب ما قاله مسؤول الخدمات في هيئة إدارة الخدمات، أبو الزهراء المدني، لعنب بلدي.
وقال المدني إن “الهيئة عملت على توصيل الكهرباء بما يخدم الناس بأقل تكلفة، وأخذ أسعار رمزية تكافئ فقط أجور العاملين ومصاريف الصيانة، وفي حال وجود فائض من الكهرباء، توزع على المواطنين عبر الأمبيرات بسعر ألف ليرة، 600 ليرة منها تدفع لصاحب المولدة بسبب استخدام شبكة المولدة الخاصه به، إضافة إلى 100 ليرة تدفع للمجلس المحلي و300 ليرة تدفع مصاريف صيانة”.
لكن “الإدارة المدنية للخدمات” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام”، طرحت سعر الأمبير الواحد بـ 2500 ليرة، إضافة إلى ضرائب ورسوم فرضتها على مياه الشرب والآبار وغيرها، بحسب المدني، الأمر الذي نفاه عمر محمد بالقول “المشافي تمت تغذيتها مجانًا، في حين الآبار العامة ستغذى بتسعيرة رمزية، على أن يتم الإعفاء عند وصول خط 66 كيلوفولط بشكل دوري”.
محمد أكد أن تسعيرة “الإدارة المدنية” اتخذت على عدة اعتبارات، منها التكلفة الكبيرة التي دفعت للمحطات وشبكات التوتر العالي، إضافة إلى التكاليف التي ستوضع لتجهيز شبكة التوتر المتوسط والمحولات لتغذية شبكة الأمبيرات.
وحول “تسعيرة الأحرار” (ألف ليرة للأمبير) اعتبر محمد أن “الأحرار تبيع ما لا تملك، وما لم تضع عليه أي جهد أو تكلفة، وتسعيرتها مع حالات انقطاع التوتر ستسبب أزمة، لأن المولدات لن تعمل أكثر من ساعة باليوم على هذه التسعيرة، أما تسعيرتنا (تحرير الشام) فتعود لأن المواطن يدفعها على كل الأحوال لأصحاب المولدات، حتى لو تم تغذيته بالكهرباء مجانًا، لأن التغذية محدودة جدًا وغير مستقرة، فلو استغلّ هذا المبلغ للمولدة ولتجهيز الشبكات والحصول على ساعات تغذية كثيرة تصل لـ 12 ساعة باليوم، والفائض مما يدفعه لتقديم خدمات مدينته، سيكون لصالح المواطن وبلدته”.
وإلى جانب الاتهامات بالتسعيرة، برز اتهام حول الجهة الملمّة بأمور الكهرباء في الشمال السوري، إذ تقول بيانات “هيئة تحرير الشام” إنها تعتبر نفسها المشرفة على إدارة ملف الكهرباء من بداية الثورة، وإن حركة الأحرار لم تسهم بأي جهد معنوي أو مادي، وهذا ما أشار إليه محمد بالقول إن “الإدارة العامة للخدمات كانت تشرف على إدارة ملف الكهرباء من بداية الثورة ودخول الثوار مدينة حلب واستمرت بذلك سنوات، دون وجود خدمات لحركة أحرار الشام”.
وأضاف “عند تشكيل هيئة إدارة الخدمات قبل أقل من عامين دخلت الحركة ملف الكهرباء، لكن بطرق غير فنية وغير خدمية، ما أدى إلى بدء الخلاف الذي يعود إلى العام الماضي عند تفجير برج بمنطقة عطشان، للضغط على النظام لتقاسم حبوب الصوامع بقلعة المضيق”.
“هيئة إدارة الخدمات” التابعة للحركة ردت، في بيان لها في 12 حزيران، أنها تشرف على أهم محطات الكهرباء في المنطقة وأكبرها وعلى رأسها محطة ريف حماة ومحطة المعرة ومحطات جيش الفتح التي تشترك مع إدارة إدلب فيها، مشيرة إلى أن “الاتفاق مع هيئة تحرير الشام على تشكيل مؤسسة العامة للكهرباء يكذّب ادعاءاتهم بأنهم الوحيدون العاملون في مجال الكهرباء، وإلا لماذا اتفقوا معنا على تشكيل المؤسسة؟”.
تدخل العسكرة وقطع التيار
حرب البيانات تزامنت مع قطع كل طرف لخطوط تيار الطرف الآخر عن المدن التي يغذيها، فالمدني قال إنه بسبب عرض الأحرار(ألف ليرة للأمبير) اعتقلت “هيئة تحرير الشام” مسؤول القسم التنفيذي في الكهرباء، وقطعت أبرز مخارج التغذية التي تغذي عدة مدن وبلدات وقّعت هيئة الإدارة معها (الدانا ترمانين وكتيان وسراقب) لإيصال التيار، الأمر الذي نفاه محمد بأن “المؤسسة لم تفصل الكهرباء عن أي بلدة سوى بلدة واحدة، بسبب توقيعها عقد تغذية مع الحركة، من أجل ترك المجال للحركة لتغذيها من محطاتها وبخط من تجهيزها، مع علمنا بعدم قدرتها، لكن ليدرك أهل البلدة أن الحركة تبيعهم ما لا تملك”.
وأشار إلى أن “الحركة تعمل على استغلال الخطوط الإنسانية التي جهزتها المؤسسة، وتوقع اتفاقات مع البلدات لتغذيتهم من هذه الخطوط دون مراعاة لخطة التغذية والكميات وطريقة توزيع الكمية”.
وردًا من “هيئة إدارة الخدمات” على قطع خطوطها، عطلت الخط الرئيسي القادم من مدينة حماة في منطقة عطشان بريف حماة الشمال الشرقي، وسط اتهامات لها بتفجير برج كامل، لكن المدني نفى ذلك وأكد أن ما أشيع عن تفجير أبراج كبيرة والصور التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي غير صحيحة، وهي أبراج دمرتها هيئة تحرير الشام سابقًا.
وأكد المدني أن “هيئة إدارة الخدمات” اضطرت لافتعال عطل على “عمود استناد للكبل”، من أجل الضغط على الهيئة لإعادة الكهرباء لكافة المناطق التي تم القطع عنها، مشيرًا إلى أن العطل هو مؤقت يمكن إصلاحه خلال ساعة أو ساعتين في حال التوصل لاتفاق.
تسليم الكهرباء لمؤسسة مدنية
وإلى جانب الاتهامات تضمنت البيانات دعوات من قبل الطرفين إلى التوقف عن المهاترات الإعلامية وتغليب المصلحة العامة، فأبو الزهراء المدني طالب بالجلوس لمعرفة نية كل طرف والتفاوض لتحقيق أفضل الخدمات للمواطنين.
في حين طالب نائب مؤسسة الكهرباء، عمر محمد، توقف عسكريي “الأحرار” عن التدخل بملف الكهرباء، وعن البلبلة مع المجالس المحلية، داعيًا جميع المجالس الإدراك أن “المؤسسة العامة للكهرباء في الإدارة المدنية للخدمات، هي الوحيدة المخولة لتغذيتهم”، كما دعا إلى “الالتزام بخطة الجباية التي تضمن تحسين واقع الكهرباء وعدم التعدي على الشبكة والعمل على الحفاظ عليها وقمع السرقات والتبليغ عن السارقين”.
وبين دعوات الطرفين يرى كثير من المواطنين، بحسب ما رصدت عنب بلدي، أن الصراع بينهما هو صراع على المفاصل الاقتصادية للمحافظة، خاصة وأن الشهر الماضي كان الصراع بينهما على القمح وشرائه من الفلاحين واليوم تحول إلى قطاع الكهرباء.
ويرى الكثيرون أن الحل الوحيد هو انسحاب الفصائل من ملف الكهرباء، وتسليمها لمديرية الكهرباء التابعة للحكومة السورية المؤقتة التي تضم خبراء ومختصين بالطاقة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :