حذام زهور عدي
بالفم الملآن، قال الرئيس ترامب، أثناء حملته الانتخابية، “سأحل المشكلات الاقتصادية لأمريكا، وسأوظف القوة الأمريكية لتحصيل ما أعتبره الحقوق الطبيعية للولايات المتحدة”.
وهذه الحقوق كما يفهمها التاجر والمقاول الكبير السيد ترامب هي ببساطة تامة أموال الشرق الأوسط وتشغيل مصانع السلاح الأمريكية المتعثرة، وغيرها، مقابل حمايته من الخطر الإيراني، فلن تنفق أمريكا بعد الآن فلسًا واحدًا مجانًا، ومن يشعر بالخطر عليه أن يبذل الغالي والرخيص لحماية نفسه، وعندما دخل البيت الأبيض رئيسًا كرر نظريته تلك أمام الجميع، الأوربيين والآسيويين، وأمام درة التاج الأمريكي الشرق الأوسط.
وبالرغم من بساطة تلك النظرية ظاهريا ًإلا أنها تحمل من التعقيدات ما غفل عنه ترامب، فبضاعته ليست الوحيدة في الأسواق، ونظام العولمة الذي رعته بلاده بالدرجة الأولى كان له بالمرصاد، ومفاهيم الربح والخسارة تبدلت من دولة لأخرى بحيث كبرت العراقيل وجرت مياه كثيرة تحت جسوره، لكنّ منطقة واحدة من العالم ظلت قابلة لتنفيذ نظريته تلك، بفعل الظروف التي جهد ملالي إيران لزعزعة استقرارها، من عدوانية وابتزاز وتوريط بمواقع لم تردها يومًا ولم تك من صنعها، جعلتها اضطرارًا تجلس على مقاعد البازار سعيدة بأنها استطاعت أخيرًا الحصول على تعهدات بالحماية، وإعادة استقرارها.
تفَحّص السيد التاجر بضاعته، فوجد أن أهم وأغلى ما عنده ليعرضه في أسواق المملكة ودول النفط العربي هو أنواع السلاح المسموح بيعه لها وفق التفاهمات الإقليمية والدولية وبحسب المصلحة الذاتية لدولته، أما البضاعة المخفية المسربة إعلاميًا قصدًا فهي السطو على أموال السعودية المخزنة في بنوك دولته والسندات التي اشترتها المملكة يومًا لمساعدتها على تجاوز أزمتها، فقد سال لها لعاب كونغرسه ولعابه، بعدما اختلقت الحجج والروايات التي تسبب إزعاجًا للمملكة، حتى لو كان هو وأجهزة دولته أكثر الناس معرفة بكذبها، بل بالأيدي الحقيقية التي صنعتها.
لم يكن التاجر مضطرًا لعرض بضاعته، فقد كانت المملكة تعرف مسبقًا الثمن الذي عليها دفعه، وزادت على الثمن تلك القمة الضخمة التي دعت لها، لتقول له: “أنت لا تتعامل مع زبون عادي يملك المال فقط، إنما تتعامل مع زعامة وقيادة العالم العربي الإسلامي الذي يبلغ تعداده حوالي الملياري نسمة، ولقد سهّلتُ لك التفاعل معه، فحجمي الدولي ليس بالمال فقط، وإنما أيضًا بمدى النفوذ الذي أستطيع تأمينه لك، وبخاصة عندما أقارن بإيران، كما كان سلفك يفعل”.
وهكذا عاد، كما يبدو، وهو فرح بما جناه منها، فقد تحولت هذه الصفقة إلى أهم ما يُفاخر به، وأهم منجزاته، لدرجة أنه بشّر الشباب الأمريكي فور عودته، بأنه حقق بها ما يحل مشكلة البطالة التي تنامت مؤخرًا في الولايات المتحدة، كما برهن بها على مصداقية نظريته في الحكم، وكان في أشد الحاجة لها بعد الاضطراب الذي سببته تسريبات علاقة حملته الانتخابية بروسيا، تلك النظرية القديمة المجددة على يديه.
واللافت للنظر أن ترامب هنا لم يكن يهتم بأجواء ألف ليلة وليلة عندما كان يرقص هبوطًا وصعودًا بالسيف، ويُجامل لباس السعودية الوطني، وعدم وجود نسائهم بينهم، بالرغم من اصطحابه لزوجته وابنته، فالصفقة هي الأهم وليكن فولكلورهم مختلفًا عمّا ألفه في مجتمعه، أليس أحد أحلام الغربي أن يعيش أجواء ألف ليلة وليلة؟
وبما أن القاعدة المعروفة “النجاح يجلب نجاحًا آخر ويُعززه”، بدأت تصريحات أخرى تعلو بدون مواربة أنّ من يستحق نفط العراق وثرواته هي الولايات المتحدة فقط، أليست هي التي خلصت العراقيين من صدام؟ فلماذا تستأثر به إيران وعملاؤها، مع أنها لم تصرف دولارًا واحدًا لتحقيق ما حققته بلاده هناك؟ وعلى العراق اليوم أن يُسدد الدين الذي عليه ويرده إلى ترامب ليُتابع خططه الاقتصادية الناجحة، علّه يضمن بذلك تجديد انتخابه مرة أخرى والبقاء بالبيت الأبيض الذي تعب طويلًا حتى دخله.
في قياس منطق ترامب الصوري، العراق على المملكة، تجاهل وتغابٍ مقصود، فما سببَه عدوان بلاده على دولة مستقلة كانت ذات سيادة، وعن الخراب والتدمير الذي ألحقه بها، صارمن حقها في القانون الدولي أن تطلب تعويضًا مناسبًا يدفعه المعتدي لترميم بعض نتائج أفعاله، لكن من يملك القوة يستطيع قلب الحقائق كما يُريد، وكأنّ ما نهبته الإدارة الأمريكية من احتلالها العراق،غير كافٍ لسد شهوتهم بالسلبطة على العراق ونفطه.
أغلب الظن أن إيران تتحسس الآن رأسها، فعندما سينتهي السيد التاجر من أموال دول الخليج والعراق سيحين دورها، وملاليها، وبالرغم من دور البغي الذي يُمارسونه في الشرق العربي، فهم من الخبث ما لا يخفى عليهم مثل هذا الاحتمال، والرسالة تُعرف من عنوانها، ولعلّ ما تُحاول اليوم تسويقه عن استعدادها للحوار حول مقدار النفوذ الذي تطلبه في المنطقة لقاء هدية السلام التي ستمنحها، هو المقدمة لما تتحسب له في مقبل الأيام، وهو نوع من الحروب الدبلوماسية المستقبلية تُحقق وهي في أرض المعركة ما لن تستطيع تحقيقه بعدما ستُطرد منها.
فهل أدرك ملاليها أن سياسة الهيمنة على أربع عواصم عربية، ونظرية تصدير الثورة وتفكك الشرق العربي كله، كانت وبالًا على جميع دول الشرق الأوسط بما فيه دولتهم، وأن سياسة رفسنجاني وخاتمي في انتهاج حسن الجوار هي السياسة الأمثل للاستراتيجية الإيرانية، وأن ما يُمارسونه من استكبار وعنجهية، هو أغبى سياسة عرفها الشعب الإيراني الذي دفع من تنميته وإفقاره الكثير ليشتري أوهام الولي الفقيه.
ما على الولي الفقيه فعله إن أراد سلامًا واستقرارًا لبلاده وللشرق العربي، هو أن ينسحب من أراضي الدول العربية كلها وأن يكف عن صنع و دعم أذرعه الميليشياوية التي بثها فيها، ويوقف تشييع شعوبها، وعدوانه عليهم، فلربما يقبلون الحوار معه بعد ذلك، ولربما ينقذ نفسه والمنطقة من أطماع النظام العالمي الجديد، وبكل الأحوال فالثقة هي في الشعب الإيراني الذي سيستعيد صوته، ولن يترك الكارثة تدق بابه وقتًا طويلًا، وعندها سيقول لوليه الفقيه: عُد إلى أوهامك وأحلامك واستمتع بنوم عميق.
أما التاجر الأمريكي فسيعرف بعدها أن حلم نهب نفط الشرق الأوسط كان جزءًا من أجواء ألف ليلة وليلة ليس إلا… فهل يفعلها الشعب الإيراني قبل فوات الأوان؟