فهم الموقف الألماني من الأزمة الخليجية

  • 2017/06/11
  • 3:17 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

كُتب الكثير في تحليل الموقف الإماراتي السعودي وخلفياته وعلاقة الولايات المتحدة المضطربة به، وعن السبب الذي يدفع بدول خليجية للانخراط في جنون بهذا المستوى، وهي دول لم تنجح في معركة واحدة في تاريخها الحديث اللهم إلا تثبيت انقلاب دموي في مصر.

ولكن ما لفت نظري قلة المكتوب عن تحليل الموقف الألماني من الأزمة الخليجية، وهو موقف مهم دوليًا ومؤثر بشكل كبير على الساحة الأوروبية بشكل خاص، ولأنني أمضي كثيرًا من وقتي في قراءة الصحافة والإعلام الألماني فإنني أعتقد أنه من الجيد لقراء عنب بلدي الاطلاع على محددات موقف هذه الدولة الأوروبية التي يكثر في الإعلام تسمية مستشارتها بـ “قائدة العالم الحر”.

ينطلق الموقف الألماني من حقيقة أن اتهام السعودية لقطر بدعمها للإرهاب هو مثير للسخرية، لا يعني هذا طبعا تبريئًا ألمانيًا لقطر في ملف الإرهاب، ولكنه أميَل إلى عدم تصديق الرواية السعودية، فالجميع يعلم أن 15 من أصل 19 منفذًا لأحداث 11 أيلول كانوا من السعودية، وأن الحركات الجهادية العالمية تستقي عقيدتها من العقيدة الوهابية التي تشكل عقيدة الدولة السعودية الحالية.

علاوة على ذلك بدأت في ألمانيا حملة ترافقت مع إعلان الاتفاق النووي مع إيران مفادها أن السعودية مسؤولة عن الاضطراب في المنطقة وتوليد الإرهاب أكثر من إيران، وأنها دولة متخلفة لا تجري فيها انتخابات على أي مستوى ولا يسمح للمرأة فيها بقيادة السيارة، وغيره من الكلام المعروف.

محددٌ مهمٌ آخر للموقف الألماني هو الافتراق الألماني الأمريكي مرة أخرى، فالإعلام الألماني يرى في ترامب مطلق الشرور، وبعد مضيه في سياسة تجارية حمائية، وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ ما يشكل ضربة قاضية لها، هاهو ينشر طريقته “ الترامبية”، بحسب تعبير وزير الخارجية الألماني، في الخليج ما يضيف صراعًا آخر على منطقة مثقلة بالصراعات. يجد الموقف الألماني نفسه يتموضع تلقائيًا ضد ترامب، هذا الرئيس الذي بات يشكل خطرًا على ألمانيا وأوروبا، بحسب ما يقول الساسة الألمان.

أخيرًا ولعله الأهم لفهم الموقف الألماني هو الاستثمار القطري الهائل في ألمانيا، تمتلك قطر 17%‏ من مجموعة “فولكس فاغن” الألمانية، وهي أكبر شركة سيارات في أوروبا والعالم، كما تمتلك حوالي 8% من البنك الألماني “دويشته بنك” وهو أكبر مصرف أوروبي، عدا عن عشرات الشركات والاستثمارات التي ضختها قطر في ألمانيا تحديدًا وأوروبا بشكل عام، وإذا وضعنا في الحسبان قطر باعتبارها أكبر مصدّر للغاز المسال في العالم، وهو غاز تعتمد عليه أوروبا بشكل متزايد، فإن اضطراب قطر وحصارها يعني اضطرابًا للاقتصاد الألماني والأوروبي.

لمجمل هذه الأسباب يمكن فهم الموقف الألماني من الأزمة الخليجية الداعي للحوار ورفع الحصار عن دولة قطر، وهو مفيد لفهم عالم بات شديد التشابك (برغم دعوة ترامب نحو الانعزالية) تلعب فيه دولة صغيرة الحجم في الخليج العربي دورًا محوريا في اقتصاد دولة عظمى في وسط أوروبا.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي