إبراهيم العلوش
هل تعلن الحكومة السورية المؤقتة مسؤوليتها عن إدارة الرقة التي توشك الخلاص من داعش، وتدخل السباق مع جهات دولية ومحلية كثيرة تتسابق للوصول إلى الرقة تحت مختلف الشعارات، وأهمها محاربة الإرهاب؟ هل توقف الحكومة هجرتها وترجع الى الوطن السوري، وتبدأ البناء من أرض الواقع، وتوقف الاكتفاء بالوعود الدولية؟ الرقة وغيرها من المدن المحررة اليوم من داعش، جزء من الوطن السوري ومن واجب الائتلاف وحكومته المطالبة بإدارتها وعدم الاكتفاء بمراقبة الأحداث من بعيد، وكأن ما يجري في الرقة وغيرها، لا يصل صداه الى اسطنبول وإلى غازي عنتاب!
في آذار عام 2013 تم تحرير الرقة من قوات النظام، ووجهت الفعاليات المدنية في الرقة نداء للحكومة المؤقتة، التي تسكن في اسطنبول، للعودة الى الوطن وإدارة الرقة كأول مدينة محررة من نظام الأسد، وجعلها نموذجًا لإدارة جديدة تعطي للسوريين أملًا في الخلاص من إدارة الأسد وأجهزة قمعه الوحشية، ولكن المسؤولين المتنعمين في اسطنبول بتدفق الأموال الكثيرة آنذاك، ردوا بلا مبالاة، فالأكاذيب الدولية كانت تعدهم بالرحيل إلى دمشق بين شهر وآخر.
لم تمر عدة أشهر بعد التحرير والنداء، إلا وكانت داعش تفترس فصائل الجيش الحر، وتبطش بالفعاليات المدنية، وتعتقل كل من يرفع رأسه بكلمة انتقاد واحدة، ولاحقًا صارت تبحث عن كل مشارك بالثورة أو بالجيش الحر، وكأنها كانت تقوم بدور النظام وإيران في تأديب كل متمرد على الاستبداد، وعلى المد الإيراني المنفلت من عقاله.
اليوم استخدمت أمريكا خبرة حزب البي كي كي القتالية، وجمعت له بضعة فصائل على قياسه، وبدأت معركة تحرير الرقة بحماية جوية ومخابراتية وعسكرية صاعقة، جعلت أركان داعش تتزعزع وتستسلم قطعات كثيرة منها للصفقات العشائرية، والعسكرية، متخلية عن وهم الخلافة، الذي لم يفضِ إلا الى الخراب وتعميم الخطف، والتعذيب، والسبي، وتهجير الناس، والاستيلاء على بيوتهم، وبيع أثاثهم كغنائم بأبخس الأثمان من قبل أمراء داعش المرتزقة.
ورغم الانتصارات الكبيرة لقسد المنبثقة من حزب العمال الكردستاني، وتفاؤل الناس بالخلاص من داعش ومن شرها المستطير، إلا أن القاعدة الشعبية تنفر من هذا التنظيم البديل، ذي الميول الانفصالية، والذي يحمل نفس مشاعر داعش تجاه السكان المحليين، فداعش كانت تعتبر أهل الرقة كفرة ومرتدين، بينما قسد في ممارساتها الميدانية تعتبر كل عرب الجزيرة إما بعثيين أو دواعش، حتى يثبت العكس، وقد اقتطعت لنفسها منطقة تل أبيض وسلوك وعين عيسى كجزء من الدولة الانفصالية المزمع إنشاؤها، رغم أن نسبة السكان الأكراد في تلك المناطق لا تزيد عن العشر، وقامت بفرض صور عبد الله أوجلان والمناهج الكردية بشكل شبه قسري، بالإضافة إلى عمليات التهجير ومنع عودة السكان العرب إلا بكفالات، مما أثار تنديد المنظمات الدولية.
تحرير الرقة اليوم صار حقيقة محلية ودولية، ولم تعد القوات التي تحاصرها قادرة على التوقف عن إنجاز مهمتها، خاصة وأن داعش تتهاوى خطوطها في الرقة بين هجمات القوات المحاصرة، وبين كراهية الناس لها، حيث إنها لم تترك أحدًا من تنكيلها ومن شرها.
والسؤال اليوم هو عن اليوم التالي بعد التحرير، والاحتفاظ بالأرض المحررة، لئلا ترتد إليها داعش أو نوع جديد من مشتقاتها، أو خضوعها للقسر القومي والانفصالي الذي تتمناه قوات قسد، خاصة وأنها تستبعد أي قوى تعلن تمثيلها لأبناء الرقة أو تعد خططًا لإدارة الرقة كجزء من الدولة السورية الجديدة، مثل لواء ثوار الرقة الذي يتمتع بدعم من قبل القوى المدنية والفعاليات الأهلية الرقية.
رئيس الوزراء التركي، السيد بن علي يلدريم، أعلن أن الولايات المتحدة أعلمت بلاده ببدء معركة تحرير الرقة اعتبارًا من 2 حزيران الجاري، وتدور أقوال كثيرة ومقالات وتحليلات أن الأمريكيين يسترضون الغضب التركي، إثر استبعادهم من المعركة، بوعود للإشراف على إدارة الرقة بعد تحريرها من داعش.
ومن ضمن القوات المتحالفة مع التحالف الدولي وقسد توجد قوات النخبة برئاسة رئيس الائتلاف السوري السابق السيد أحمد الجربا، والذي ماتزال له صلات قوية بالحكومة وبالائتلاف، وهو أحيا تحالفًا تاريخيًا بين بدو قبيلة شمر والقبائل المليّة التي كان يرأسها زعيم كردي ويعود تاريخ الحلف القديم إلى ما قبل القرن العشرين، وقد استطاع الجربا اليوم إقناع الأمريكيين بمشاركته في تحرير الرقة.
فهل يمكن لرئاسة الائتلاف والحكومة المؤقتة أن تفوزا بإدارة الرقة، أو المشاركة بها على الأقل، خاصة وأن الائتلاف مقبول من قبل أهل الرقة ومن السوريين أكثر من قسد التي تميل إلى الانفصال حينًا، وإلى التحالف مع النظام حينًا آخر، والائتلاف مقبول من قبل الأتراك أيضًا باعتباره مايزال مقيمًا في اسطنبول وغازي عنتاب حتى الآن، بعدما فشل في العودة إلى الوطن سابقًا حينما نقل أجزاء من إدارات الحكومة المؤقتة إلى إدلب التي هيمنت تنظيمات القاعدة على أجزاء كبيرة منها، واعتبرت تلك التنظيمات أن الائتلاف غير مقبول من قبلها لأن مشروعها يتخطى الإرادة السورية، ويحلم بقيادة العالم الإسلامي من الفيلبين الى جزر الهونولولو.
القوات الروسية والإيرانية تدعم النظام لمحاولة الاشتراك في معركة تحرير الرقة، وقد احتلت عدة قرى من الريف الغربي قبل عدة أيام، في محاولة منها للمشاركة بالغنائم وبالمساحات التي تخرج منها داعش وهي تفر إلى البادية السورية، كما هو متوقع، بسبب فهم التنظيم الصحراوي للإسلام وللمجتمع، وبعد فشله في إدارة كافة المدن التي استولى عليها منذ طفرته السوداء في صيف 2014، حين احتل كل مدن وادي الفرات السوري والعراقي بالإضافة إلى الموصل وغيرها من المدن السنية العراقية وأسهم في تهجير سكانها، وتدميرها لاحقًا.
وحدهما الائتلاف وحكومته المؤقتة يرفضان التفكير في المشاركة في معركة الرقة، ولا يسعيان إلى فرض إرادة السوريين في إدارة المدن المحررة من داعش، بدلًا من استفراد النظام وقسد بالاستيلاء على هذه المدن، وكأنهما ينتظران استلام الحكم في سوريا عبر قرار دولي يرسل إليهما بالبريد، ودون بذل أي مجهود سياسي وقانوني وبدون أي مبالاة بالأوضاع السورية على الأرض، بل قامت الحكومة المؤقتة بحل المجلس المحلي للرقة قبل أن تعلن قسد مجلسها المحلي، وبدت كأنها متواطئة بذلك الحل، وإن استدركت الأمر لاحقًا بشكل روتيني لا ينبئ عن عزيمة سياسية حقيقية لفرض مجلسها المحلي.
تستطيع مدن مثل الرقة والحسكة والقامشلي والطبقة ومنبج وجرابلس ولاحقًا دير الزور ومدنها الميادين والبوكمال، استيعاب معظم المهاجرين والنازحين في تركيا، ومساحاتها وعدد سكانها أكبر من دول كثيرة في المنطقة يتم الصراع عليها، لكن أعضاء الائتلاف والحكومة يستسلمون للتفرج على المعارك الإعلامية المشتعلة، وخاصة بين قطر والبحرين والإمارات مع السعودية، وينحازون إلى هذا الطرف أو ذاك، متجاهلين السوريين وحاجتهم إلى التصرف الواقعي على الأرض للتخفيف من آلامهم وللإسراع بعودتهم إلى الوطن.