أمام تشاؤم العقـل هل تتماسـك الإرادة

  • 2014/02/23
  • 8:41 م

عنب بلدي – العدد 105 – الأحد 23/2/2014

بيلسان عمر – عنب بلدي

أخرجونا من بيتنا، وقتلوا والدي، واعتقلوا إخوتي الشباب، وسرقوا محتويات المنزل، ومن ثم أحرقوه، وعاثوا في مدينتنا فسادًا، ونكلوا بالمعتقلين شر تنكيل، وقتلوا دونما أن يراعوا حرمة دم، أو يرأفوا بطفل أو أم أو شيخ عجوز، حتى الحيوانات لم تسلم من شرهم، فلا الحجر ولا البشر نجوا مما يحصل، واعتمدوا سياسة الترهيب والتجويع لقتل حتى إنسانيتنا، رغبة منهم بتحويلنا وحوشًا يأكل أحدنا لحم القطط والكلاب وأوراق الشجر بل وحتى لحم أخيه الميت.

غدونا بدون بيت، بعد أن كان حلمنا ومستقرنا الأول، وملاذنا بل وقصرنا المشيد، وأمسينا أيتامًا نتوق لكلمة «بابا» ولصدر حنون يضمنا، وكذا بدون أخ نشد عضدنا به، وذقنا الفقد بكل أنواعه، حتى أصبحنا نعيش على الذكريات، ونقتات من صدى أصوات أحبتنا، ونفترش صورهم أرضًا لنا، ونلتحف الأحلام التي تراودنا بسلامتهم دثارًا يزمّلنا من صقيع بعدهم عنا.

هذه ليست حالي بمفردي، بل حال جارتنا وأختي وعمتي وصديقتي وأستاذ مدرستي ومؤذن المسجد وطبيب الحي ومهندس العمارة وغالبية السوريين، بين يتيم ومهجر ونازح ومحاصر ومصاب ومعتقل، وأم لواحد منهم أو زوجته أو والده أو أخيه أو أحد أفراد عائلته، لدرجة أننا بتنا نخاف أن نجلس مع ذواتنا لحظة، كي لا ندرك الواقع وما يجري معنا على حقيقته، نصارع لحظات الواقع ربما «بأشياء عبثية» مخافة أن تلتقي أعيننا مع حقيقة ما يجري، فترانا  نفرح حال عودتنا من الفرن طيلة النهار، لا –فقط-  لحصولنا على الخبز، وإنما أيضًا لأنه مر يوم وانقضى من أيامنا المعدودة في أجلنا، وبات الأخير منها قريبًا، فالتمسّك بأمور كنا نخالها «مزق الحياة» أمسى إرادة نصارع أنفاسنا لنحياها، ونحن ندّعي أن إرادتنا متماسكة، ولا تصغي لصوت عقلنا المتشائم.

وكذلك مع تجريبنا لكل أنواع الفقد ابتداء من «كيس شيبس» مرورًا برغيف خبز قمح، وقطعة لحم، وقصعة أرز ودجاج، وبيضة مع كأس حليب مع حبة فاكهة طازجة وخضار نافع، إلى وصفة طبيب غير مفقودة في الصيدليات، إلى فقد الأهل والأحبة والأصدقاء والجيران، ثم فقد المنزل والبلدة والوطن، وصولًا إلى مرحلة فقد الأمل «بالعودة» ليس فقط إلى بلدتنا وإلى ما كنا عليه، بل إلى حال أقل من ذلك بدرجات ودرجات، ويبقى صوت العقل المتشائم مما جرى ويجري، «يصطدم» كل لحظة مع تماسك الإرادة والحلم بـ «بمستقبل» أفضل، مبررين لذواتنا أن أحدنا يمكنه أن يحيا دونما «كماليات الحياة»، نعم «كماليات» فقد فقدنا حتى القدرة على التعبير عن «أساسيات» حياتنا، وباتت بطانية وشرشف وطراحة وغرامات من العدس والأرز والسكر والطحين من جمعيات الهلال الأحمر، كنز نحصل عليه بعد طول عناء وانتظار على عتبات الجمعيات، بل ونتمسك به خوفًا من مزيد فقد، بل ومع امتياز حصولنا على «كماليات الحياة، بوقت يحلم أهلنا بالمناطق المحاصرة بطيف ما نحصل عليه، حتى مع «فقدنا لكرامتنا» المتبقية في ظل سوء استقبال أهالي «دمشق» والمناطق شبه الآمنة لنا «كنازحين» بل كمعدمين بنظرهم يأتي ترتيبنا في الدرجة الأخيرة من سلّم الدرجات الاجتماعية، وكأننا كنا نعيش في «الشوارع» ولم نعرف بيوتًا من قبل، فاستقبلونا بغلاء إيجارات بيوتهم، بل وحتى بإغلاق بيوتهم في وجوهنا، «وحلال ع الشاطر» منهم الذي يتاجر بنا وبكرامتنا أكثر.

ومع كل حالة قد يعود «الصدام»، أجل فهذا ليس «حوارًا» بين العقل المتشائم وتماسك الإرادة، بين العقل الذي رأى الثورة خلاصًا له من آلامه ولهاثه السابق وراء لقمة عيشه، فإذا بها حرب ضروس أحرقت الأخضر واليابس وقطعت الأنفاس، وبين الإرادة التي ترغب بالتماسك علّها تحيا وتشهد لحظة وضع الحرب أوزارها.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب