«ضاعت الطاسة» في حمام الثـورة
عنب بلدي – العدد 105 – الأحد 23/2/2014
ضاعت الطاسة، اسم جريدة من الجرائد التهكمية السورية التي صدرت منذ مئة عام تقريبًا، أقدّم اليوم الاسم كاقتراح لمن ينوي إنشاء جريدة أو مجلة سياسية جديدة في الداخل المحرّر، هناك حيث يشعر الناس أنهم ضيعوا الطاسة وإلى الأبد!
بعد حركات النزوح المتكررة، آثر الكثيرون العودة لمنازلهم، أو على الأقل مدنهم، لينعموا بالحرية التي حققها لهم الجيش الحرّ، لم يأبهوا بقصف أو دمار أو فقدان أساسيات العيش من كهرباء وماء واتصالات، أسوأ الحالات المعيشية أمنيًا حيث القصف اليومي لم تثنهم عن الاستمرار ومحاولات إعادة الحياة لبلداتهم، المهم أنّ الاعتقال لن يطالهم، إنهم يعيشون في منطقة محررة يسودها الحبّ والتوافق..
إلى هنا كانت «الطاسة» لا تزال موجودة ولم يضيّعها أحد بعد، إلى أن بدأت التحزبات تظهر على السطح، والدعم يقسّم على أساس الانتماء الحزبي لا على كل أبناء البلد، ليأتي بعدها الحصار فتظهر الفروق المعيشية أكثر فأكثر، يأكل ناس ويجوع آخرون، وكلّهم في نظر العالم تحت الحصار.
الحصار أيضًا أظهر صرعة جديدة اسمها «شراء الحاجز»، أنت تاجر كبير، تريد إدخال بضاعة ومواد غذائية، لا رأفة بالناس -معاذ الله- إنما هي الفرصة للثراء قد لاحت أمامك، تدفع للحاجز الأسديّ عشرات الملايين لقاء فتح المعبر -عفوًا الحاجز- لبضاعتك المصون والتي تكون قيمتها أقل عادة من المبلغ المدفوع للحاجز، ليسدد الجياع لك ثمنها الحقيقي والرشوة التي دفعتها ومربحًا «برانيًا» لجيبك العامر.
«شراء الحاجز» سرعان ما تحوّل إلى موضة وتنافس غير شريف بين التجار، فأصبح لوحده سوق مضاربة ومزادًا سرّيًا بين التجار من جهة، وجنود النظام من جهة، عالم يشبه عالم العصابات والمافيا، قبيح أسود دمويّ فاسد، من يدفع أكثر يملك الحقّ في إدخال بضاعته -مع اشتراطه منع بضاعة غيره طبعًا- وهكذا، النظام يربح، التجار يربحون، والشعب يستنزف ويموت حتى يدفع لكلّ منهما ربحه، ليحصّل لقمة عيش مرّة قاسية مغمّسة بالدم والذلّ، واللعنات تنهال في فمه على الجميع بلا استثناء.
ضغط نفسيّ ومعيشيّ هائل، جعل حالات من الاضطرابات النفسية تلوح بين صفوف المحاصرين والجوعى بشكل ملحوظ، فغدوت لا ترتاع إذا ترى عجوزًا طاعنًا في السن -في أرذل العمر كحالنا جميعًا- يمشي في الشارع ويكلم الشجر والحجر والطير والسماء، متعبًا منهكًا منكسر الظهر زائغ النظرات، يبحث بين ركام منزل مهدّم، عن طاسة ضيعها الجميع، في حربهم على الإنسان!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :