قامت مجموعة مسلحة مساء الخميس 13 شباط الجاري باختطاف عدد من الناشطين في داريا واعتقالهم لساعات، في محاولة للانقلاب على الثورة في المدينة، وتهديد سلامة الأشخاص الذين يرفضون القبول بشروط الهدنة التي يعرضها النظام على الثوار فيها.
فعند الساعة 12 بعد منتصف ليل يوم الخميس الماضي أقدمت تلك المجموعة على اقتحام بعض المنازل التي يقيم فيها أعضاء من المجلس المحلي وقادة من الجيش الحر، واختطفوا عددًا منهم وهم أبو يامن وأبو ماجد وأبو الخير وأبو الفدا وأبو زهير وأبو عمار أعضاء المجلس المحلي، بالإضافة إلى رئيس المخفر أبو أحمد ومساعده علاء أبو براء، إضافة إلى أبو تيسير قائد لواء سعد بن أبي وقاص.
وأفاد مراسل عنب بلدي في المدينة أن المجموعة المسلحة المؤلفة من قرابة 25 شخص ويرأسها الملازم أبو شاهين -عضو قيادة لواء سعد بن أبي وقاص سابقًا- ونهاد الحو وأبو علي حبيب وعبد الجبار السيد وأبو أحمد شعيب، قامت بسرقة محتويات المنازل التي قاموا باقتحامها، ومن ضمنها أموال المكتب الإغاثي، التي تضم أموالًا كانت مجهزة للتوزيع على عائلات المدنيين، بحسب ما أفاد أبو عمار مدير المكتب الاغاثي. كما قامت المجموعة بالبحث عن أبو عماد رئيس المجلس المحلي لمحاولة اختطافه أيضًا، لكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه.
وقبيل العملية قام الخاطفون بوضع حواجز عسكرية في شوارع المدينة وأوقفوا بعض المارة وقاموا بسبهم وإذلالهم، كما تبين لاحقًا أن الملازم أول أبو شاهين قام بسحب معظم عناصره من الجبهات قبيل القيام بعملية الاختطاف بشكل مفاجئ. ويذكر أحد أعضاء المجلس، الذي كان من بين المخطوفين، أن المجموعة قامت بشتمهم وسبهم بأعراضهم كما هددتهم مرارًا بتسليمهم لقوات النظام، وذلك بعد أن نقلتهم إلى نقطة قريبة من مناطق تمركز عناصر النظام، ولكن وصول خبر الاختطاف لقيادة لواء شهداء الإسلام ولواء المقداد بن عمرو والمجلس المحلي حال دون ذلك، وقد قام اللواءان على الفور بتجهيز قوة لتحريرهم، وطالبوا الخاطفين بتسليم أنفسهم.
وقد نجحت العملية بتحرير جميع المختطفين خلال ساعات، واعتقال بعض من قام بالعملية بينما لاذ الآخرون بالفرار، ويجري البحث عنهم. وقد أفاد مراسل عنب بلدي في المدينة أن سيارة نهاد الحو -أحد المسلحين الذين قاموا بعملية الاختطاف- تعرضت لإطلاق رصاص عصر يوم الخميس قبل عملية الخطف من جهة مجهولة، وكان بداخلها عدد من أفراد عائلته ما أدى إلى مقتل اثنين وإصابة جميع من في السيارة. ويفيد أحد المخطوفين أن ساعات الاختطاف كانت سيئة جدًا، وشهدت تحقيقًا ترافق مع الضرب المبرح والشتائم، والتهديد بالتسليم للنظام أو القتل، كما طلب منهم أثناء التحقيق الاعتراف بقضايا عديدة، وإجبارهم على القبول بالهدنة، وقد نشرت صور على الانترنت تظهر آثار الضرب المبرح على أحد المختطفين.
في سياق متصل أصدر المجلس المحلي والألوية العاملة في داريا يوم الجمعة 14 كانون الثاني، بيانًا دعا القائمين على العملية بتسليم أنفسهم خلال 48 ساعة من تاريخ صدور البيان إلى لجنة المحاسبة المنبثقة عن المجلس المحلي للمدينة والألوية الثلاثة الوحيدة العاملة فيها، واتهمهم البيان بضلوعهم بجريمة قتل، وإشعال الفتنة في صفوف المجاهدين وتفريغ الجبهات من المقاتلين وسعيهم لتسليم المدينة، واعتبر البيان أن المخطوفين في حال لم يسلموا أنفسهم خلال المهلة الزمنية المحددة يعدون فارين من وجه العدالة ويصبح دمهم مهدورًا. وأضاف مراسل الجريدة أن الأشخاص الذين قاموا بعملية الخطف هم من أشد الناس تحريضًا للاستسلام، حيث كانوا يحثون الناس على القبول بشروط الهدنة، بعد أن تم انتخاب لجنة مفاوضات للتداول في أمور الهدنة التي يعرضها النظام، كما حاول نهاد الحو والملازم أول أبو شاهين إدخال لجنة المفاوضات المبعوثة من قبل النظام بدون علم اللجنة المنتخبة في الداخل.
بالتزامن مع ذلك تم اعتقال عدد من الأشخاص الذين يحاولون بث الفتنة والخلاف بين الأهالي، ومنهم عمر الحو -أحد محتكري المدينة- والذي كان يجمع تواقيع من المدنيين الذين سكنوا في المعضمية بهدف الضغط على المجلس المحلي والألوية العاملة للموافقة على شروط النظام للهدنة، ويفيد أحد المخطوفين أن عمر الحو كان مع الخاطفين أثناء العملية الأخيرة.
كما اعتقل أبو أحمد الخطيب رئيس الشرطة العسكرية الذي كان شريكًا في عملية الاختطاف وأطلق النار على المجموعة التي حاولت السيطرة على الفوضى الحاصلة، وبحسب ما أفاد مراسل عنب بلدي فقد عرف أبو أحمد الخطيب في الفترة الاخيرة بتعذيبه المبرح للموقوفين في الشرطة العسكرية، وبضلوعه في عدة حوادث سطو طالت بيوت بعض المدنيين باسم الشرطة العسكرية. وفي تصريح لأحد اعضاء المكتب التنفيذي للمجلس المحلي رفض الكشف عن اسمه، قال إن محاولة الانقلاب لم تكن على المجلس المحلي، بل كانت على داريا الثورة والصمود والتنظيم، والذين شاركوا بمحاولة الانقلاب يريدون أساسًا هدنة على شروط النظام وهي في حقيقة الأمر استسلام كامل للنظام بعد كل تلك التضحيات التي بذلتها داريا وأهلها. وأضاف عضو المكتب التنفيذي لدى سؤاله عن اتهامه للمجموعة الخاطفة بالعمالة لصالح قوات النظام أنه لا يتهم المتورطين بالتواطؤ والعمالة للنظام، فليس هناك شيء مؤكد حتى الآن، ولكن رغبتهم في عمل هدنة وفق شروط النظام هي أكبر خيانة للثورة. وتابع أن الذي حصل هو خطوة كبيرة ومهمة للتمحيص ومعرفة الذين يجيشون الناس لصالح تسليم المدينة، «وقد وقعوا في شر أعمالهم» وأضاف أن وضع الجبهات ممتاز والأمور تحت السيطرة بشكل كامل الآن، وإنهم تمكنوا من القبض على بعض المطلوبين إثر العملية، وبعضهم لازال متخفيًا داخل المدينة، ومنهم من هرب إلى مدينة المعضمية ويجري التواصل مع المسؤولين هناك لتسليمهم.
يذكر أن لواء سعد بن أبي وقاص كان قد أصدر بيانًا يوم الخميس 11 شباط بعزل الملازم أول أحمد طقق (أبو شاهين) من قيادة اللواء بعد أن كان يشغل منصب قائد العمليات، إثر محاولته الانقلاب على قيادة اللواء. وبعد جولة ميدانية للقادة العسكريين على الجبهات أكد أبو وائل قائد لواء شهداء الاسلام وأبو سلمو قائد كتيبة أسود التوحيد أن وضع جميع الجبهات جيد بعد الضعف الذي أصابها جراء العملية، وإن ما حدث هو لصالح مستقبل المدينة، وعلى الجميع التحلي بالمسؤولية وعدم نشر الإشاعات ورواية قصص غير حقيقية.
وجاءت هذه العملية في الوقت الذي يحاول فيه وفد النظام الوصول إلى هدنة، يرفضها معظم ناشطي المدينة ويصفونها بـ «الاستسلام»، بينما يحاول الذين قاموا بالانقلاب الضغط على الثوار للقبول بشروط النظام.