سكان حلب تحت الأنقاض
ليان الحلبي
تعيش حلب مخاضًا عسيرًا، علّه يتمخّض عن ولادة جديدة تحت سماء تخلو من البراميل، وأرض تخلو من الظالمين، هكذا بات المشهد اليومي السائد على مدى أكثر من شهر متواصل من عشرات البراميل اليومية التي يُغير بها طيران الأسد على الأحياء السكنية الشرقية في حلب.
- نقص في الأدوات يقضي بوفاة الكثيرين
حالة من الترقب ترافق سقوط البرميل من الجو على المدنيين، الذين لا يملكون أي وسيلة لإيقافه، تنتهي عند انفجار هائل بين الأحياء السكنية، لتنتشر فرق الدفاع المدني في مكان الحدث مُطوّقة المنطقة بالكامل، وتبدأ عملها بانتشال الناس من تحت الأنقاض.
ولكن «المأساة» هنا تكمن في انعدام الآليات اللازمة لإزالة الأنقاض، هذا ما يعبر عنه بيبرس مشعل، مدير فريق الدفاع المدني في المدينة، ويقول: «لجأنا إلى طرق أخرى باستخدام المعدات الموجودة مثل فتح الحفر في الأسقف لسحب المصابين والجثث، أو تكسير الحجارة بشكل يدوي للتخفيف من حجم الضغط على المصاب».
وأضاف بيبرس أن الفريق عادة ما يتلقّى المساعدة من المدنيين والمسعفين في المنطقة، ولكن غالبًا ما يكون وجود المدنيين «عبئًا أكثر منه عنصرًا مساعدًا»، وذكر أنه في إحدى المرات بينما كانوا يحاولون إنقاذ سيدة من تحت الأنقاض لم يكن يظهر منها سوى الرأس، أدخلوا إليها بصعوبة شديدة أنبوب أوكسيجين لإبقائها على قيد الحياة أطول فترة ممكنة، ريثما يستخرجونها يدويًا، وبعد عمل متواصل لمدة 6 ساعات استطاعوا إخراجها حيّة، ولكن وبسبب تدخّل أحد المدنيين سقطت إحدى الحجارة الكبيرة عليها، ما أدى إلى وفاتها.
وأردف بيبرس أن نقص الآليات كان سببًا لكثير من المجازر المروّعة، ففي حي الميسر قضت عائلة بأكملها تحت الأنقاض «بعد أن بقينا نسمع أصواتهم على قيد الحياة لمدة ساعة كاملة قبل أن تتلاشى نهائيًا»، وفي الكلاسة «حيث المجزرة الأفظع، استمرينا في العمل 8 أيام متواصلة ليلًا نهارًا، ولكن ولنقص الآليات استشهد 62 شخصًا».
- مبادرات فردية لسدّ النقص
واتهم ناشطون مجلس محافظة حلب ووحدة التنسيق والدعم بالتقصير الكامل في هذا المجال، ما حدا ببعض الناشطين إلى إجراء مبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات، خاصة من السوريين في الخارج، تزامنًا مع ازدياد وتيرة القصف بالبراميل، وفي حديث لعنب بلدي مع الناشط ورد فراتي عن هذه المبادرات يقول: «اضطررنا لعمل أكثر من مبادرة في ظل الظروف السيئة ونقص الآليات، الأولى كانت بمحاولة بناء ملاجئ إسعافيه لكنها لم تنجح؛ ثم حاولنا تأمين تركسات جديدة بسبب تعطّل المتوفر منها ولكننا أيضا لم ننجح، عندها فكرنا بمبادرة جمع المبالغ اللازمة لتصليح تركسين عاطلين، وبالفعل تمّ تأمين المبلغ كاملًا خلال 7 ساعات فقط، وتم إصلاح التركسالأول وباشرنا العمل به، وتأخر إصلاح الآخر بسبب مشاكل إجراءات التحويل، وسيتم إنهاؤه خلال الأيام المقبلة».
كما تطرّق ورد لمبادرة أخرى يقوم بها ناشطون لجمع المبالغ اللازمة لشراء «وسادات هوائية» خاصة برفع الأنقاض ومتوفرة في تركيا، وأنه لم يتم شراء أي وسادة حتى اللحظة ريثما يتم استكمال جمع المبلغ اللازم.
- «التغريبة الحلبية»
ومع استمرار حملة البراميل اليومية، لم يكن أمام سكان هذه الأحياء خيارٌ سوى النزوح، فبدأت قوافل النازحين تأخذ طريقها إما إلى تركيا أو إلى الأحياء الغربية من حلب التي تخضع لسيطرة الأسد.
وبدأت ما دعاها الناشطون «التغريبة الحلبية»، حيث تتكرر يوميًا مشاهد لأطفال ضائعين وسط الزحام الذي يشهده معبر «كراج الحجز»، وأمهات تبكي بحرقة عند الحاجز الذي منعها من العبور، إضافة لرصاصات القناص بين حين وآخر مستهدفة المدنيين المتهافتين على طريق المعبر.
وقد أكد ناشطون لعنب بلدي التضييق الشديد على العابرين، واعتقال العديد من الشباب من قبل حراس المعبر، كما يغلق المعبر أغلب الأيام في وجه النازحين القادمين، ما اضطرهم -خاصة في الأيام الأولى للنزوح-إلى افتراش أرض المعبر ريثما يتم السماح لهم بالعبور.
وقد أفاد مراسل في شبكة حلب نيوز يوم الخميس 13 شباط أن حاجز النظام يفتح المعبر ويغلقه دون أي توقيت محدد أو منظم، مع فرض مبالغ تصل إلى 3000 ليرة سورية على المتوجهين إلى المناطق المحررة من حلب، و1000 ليرة لكل من يعود إلى المناطق التي مازالت تحت سيطرة النظام، إضافة إلى تكرار حوادث التحرش والمضايقات ضد النساء عدة مرات، حيث يُشترط أحيانا لمن يعبر أن يترك زوجته أو أخته لدى حاجز النظام ليُسمح له بالعبور. وقد سُجّل يوم الخميس إيقاف فتاتين واعتقال شاب في السابعة عشرة من عمره بعد ضربه بشكل مبرح.
- طرد النازحين واستغلالهم
أما داخل أحياء حلب التي تخضع لسيطرة الأسد فمعاناة أخرى، إذ تعمد الحواجز إلى التشديد واستعمال الألفاظ النابية والمُهينة لكل من يحمل هوية من الأحياء المحررة، إضافة إلى توقيف العديد منهم.
وقد منعت سيارات مُحمّلة بأثاث بعض النازحين من دخول بعض الأحياء، كما منعت العديد من العائلات من المبيت في منازل المقربين لهم، ورافق ذلك حملات تفتيش واسعة للمنازل للتأكد من وجود النازحين فيها لا يحملون إيجار لا تقل مدته عن السنة.
وساعد في ذلك نسبة كبيرة من أصحاب المكاتب العقارية الذين تربطهم علاقات وطيدة مع الأمن، فما إن يأتيهم النازح حتى تبدأ عملية التضييق عليه بإجباره على توقيع عقود إيجار بمبالغ كبيرة تفوق قدرته المادية.
وأفاد ناشطون أن بعض المساجد رفضت إيواء النازحين، مشترطةً إحضار ورقة من الأوقاف، التي لم تتعاون مطلقًا في هذا المجال. وأما المدينة الجامعية فهي ممتلئة تمامًا منذ حملة النزوح الأولى (في رمضان 2012 حين دخل الجيش الحر إلى حلب) ولا مكان فيها لنازحين جدد.
- الجانب التركي لا يستطيع استيعاب العدد
الجانب الآخر من الحدود التركية لم يكن أفضل حالًا، فقد تدفّق آلاف النازحين إلى معبر باب السلامة، وافترشت العائلات كراج كلّس منتظرةً «فرجًا قريبًا»، وأفادنا الناشط محمد دامور أن قدوم «أعداد كبيرة أحدث بلبلةً كبيرة على المعابر، فالجيش التركي (حرس الحدود) وكعادته يغضّ الطرف كثيرًا عمّن يدخلون بطرق التهريب، ما خلق حالة استنفار كبيرة لدى كلّ من والي كلّس ووالي عنتاب ووالي نيزب» الذين يخشون استغلال بعض عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لهذا الفلتان الأمني والدخول إلى تركيا، ومن جهة أخرى يريدون المساعدة لحل مشكلة تدفق اللاجئين وتأمين ما يلزم لهم.
وألمح دامور إلى أن الحكومة السورية المؤقتة «لم تُبد تفاعلًا مع هذا الموضوع وكأن الأمر لا يعنيها»، مشيرًا إلى أن الأيام القليلة الماضية قد شهدت خفّةً في حدة هذه الأزمة، فلجأ البعض إلى مخيم كلّس الذي ارتفع عدد ساكنيه من 9 آلاف إلى 20 ألفًا، بينما حظي البعض الآخر بفرصة من يؤويه داخل الأراضي التركية، أما القسم الأخير فقد عاد أدراجه إلى سوريا بعد أن أُغلقت كل السّبل في وجهه، خاصة أنه لا يملك المال الذي يُمكنه من استئجار منزل متواضع في تركيا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :