عنب بلدي – العدد 104 – الأحد 16/2/2014
يتردد أهالي المعتقلين بين الأفرع الأمنية، ومؤسسات الدولة المختصة من القصر العدلي إلى وزارة العدل فالقضاء العسكري فالشرطة العسكرية فمحكمة الإرهاب فوزارة المصالحة الوطنية، وكذلك قصر الشعب، وذلك للسؤال عن حالأبنائهم، أو لمجرد الحصول على معلومات تؤكد بقاءهم على قيد الحياة، بعد القصص الكثيرة التي يسمعونها عن استشهاد المعتقلين داخل السجون السورية وتحت التعذيب، ويقفون ساعات طويلة أمام القصر العدلي يراقبون باصات نقل المعتقلين، علّهم يجدون أبناءهم في أحد هذه الباصات.
ويتلقى الأهل أثناء انتظارهم الكثير من الإهانات، ناهيك عن مشاق الطريق، وقطع البعض مسافات طويلة من محافظات أخرى، ولكن دونما اكتراث من الجهات المسؤولة، إضافة إلى تسجيل عدة حالات اعتقال لأهالي قدموا يسألون عن أبنائهم.
إحدى السيدات، والمتقدمة بالعمر، وصلت إلى مقر الشرطة العسكرية في القابون للسؤال عن ابنها المغيّب منذ أكثر من عام، دخلت المكتب، ووجدت أبًا يسأل عن ابنه، ليخبره الموظف أن ابنه «ميّت»، وتختلط الكلمات بدموع الأب «يا أخي هيك بهي البساطة ابنك ميت، طب قول إني رجال كبير ومريض وعامل عملية قلب»، ليلتفت الموظف إلى الامرأة الجالسة سائلًا إياها عن اسم ابنها، ليخبرها ضاحكًا «لا تقوليلي كمان أنتي عاملة عملية قلب، لأنوهيك ما بقى فيني خبرك أنو ابنك ميت».
وفي أروقة محكمة الإرهاب يتجمع الأهالي، يقدّمون طلبات للبحث عن أبنائهم المفقودين، لتأتي الردود بعد ثلاثة أشهر، ويتم تعليق الأسماء على الجدار، ويوضع خط أحمر تحت بعض الأسماء، وعند سؤال السيدة أم عماد، والتي جاوز اعتقال ابنها السنتين، عن دلالة هذا الخط، أجابها الموظف المسؤول هناك، أن هذا يعني «أن ابنك موجود بالقوائم عنا، بس ما فينا نخبرك وين هو، وولو ميت كنا خبرناكي فورًا، مالنا خجلانين من حدا».
تروي السيدة أمل قصة ذهابها إلى القضاء العسكري (المزة) للسؤال عن زوجها وأخويها، إذ تم إدخالها إلى غرفة الضابط المحقق، وأخذت هويتها الشخصية، وبدأ مسلسل التحقيق معها، مع تعرضها للإهانات الكثيرة والشتائم، لكونها من داريا، وأجرى الضابط عدة اتصالات، مهددًا بتوقيفها بتهمة تكرار سؤالها عن «إرهابيين»، وعند دخول النقيب إلى المكتب، أمسك بهويتها قائلًا: «ما بكفي نص عيلتك مطلوبة، ونصفها معتقل، كمان لسا بدك هويتك، لا ترجعوا لها الهوية، خليها تروح تجيبها من الفرع 215».
بينما تتكرر معاناة السيدة أم قصي، والتي لم تترك مؤسسة إلا وسألت فيها عن ابنها المعتقل، وقد توجهت إلى وزارة العدل، التي سحبت بدورها يدها من موضوع المعتقلين، بحجة أن هناك جهات أخرى أكثر أحقية بمتابعة أمور المعتقلين من وزارة العدل، وقد اقترح عليها أحد موظفي الوزارة أن تقدم «معرض بحث» باسم ابنها، في القضاء العسكري (المزة)، وتأخذ الطلب إلى الشرطة العسكرية (القابون)، وهناك يتم البحث عن ابنها في سجلات المفقودين والموتى.
وتتابع حديثها «فعلت كل ما أخبروني به، وحتى اللحظة لم أجد أثرًا لابني الذي مضى على اعتقاله عامان ونصف، ثم سمعت عن عضو مجلس الشعب (محمد أوسو) أنه يقوم بتسجيل أسماء المعتقلين والمفقودين الذين لم تثبت عليهم أية إدانة، وذهبت لمكتبه في مقر مجلس الشعب، ووعدني خيرًا، وحتى الآن لم يأتني خبر منه، وكذا وضعت اسم ابني في قوائم وزارة المصالحة الوطنية، بحجة أنهم يجهزون قوائم للمبادلة حسب بنود جنيف2، وكذلك الأمر، لم تثمر المحاولة بعد».
لتقف السيدة أم خليل، والقادمة من محافظة حماه، مذهولة في سجن صيدنايا، إذ أخذت موافقة من الشرطة العسكرية لزيارة ابنها، وهناك بعد مسلسل الرعب والتفتيش والانتظار الطويل عدة ساعات، كما تقول، أخبروها أن ابنها غير موجود. تقول أم خليل أنها تحدثت إلى أحد الموظفين في السجن، وناشدته التأكد من وجود ابنها فيه أو في إحدى المستشفيات، بعد أن حصلت على تأكيد من الشرطة العسكرية على وجوده في صيدنايا، لكن الموظف أكد لها عدم وجوده «مستحيل ما في حدا مننقله ع المشفى طالما متواجد عندنا أدوية وأطباء»، لتنهار الأم وتصرخ «معناها أعدمتو ابني..قتلتوه ..ما فيكم رحمة « فيقطع الضابط صراخها «مين هاد اللي خبرك أنو عم نعدم حدا.. لأنو نحن عم نشتعل جزارين.. هاد اللي خبرك لازمه إعدام.. بس شاطرين ينزعوا العلاقة بين الشعب والجيش والأمن».
ويسمتر أهالي المعتقلين في مسح إهاناتهم ومعاناتهم في انتظار خبر يطمئنهم عن أبنائهم المعتقلين والمغيّبين في زنزانات النظام السوري.