عنب بلدي – درعا
قيل قديمًا “اطلبوا العلم ولو في الصين”، لكن الحال اليوم يقول إن الصين أصبحت أقرب لطلب العلم بالنسبة للطلاب السوريين، من المرور بحواجز قوات الأسد والانتظار عليها لساعات.
فمع غياب الاعتراف الدولي بشهادات الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، وجد الطالب المقيم داخل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة نفسه أمام حلّين، أحلاهما مرّ، فإما الاستغناء عن حلم التحصيل العلمي العالي، أو اتخاذ القرار بالمغامرة والذهاب إلى مناطق سيطرة قوات الأسد، لتقديم امتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية رغم ما قد تحمله هذه المغامرة من صعوبات.
الحديث عن هذه الظاهرة ليس جديدًا، فهو يتكرر سنويًا، وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا خلال هذه الفترة من كل عام تنقل آلاف الطلاب من هذه المناطق نحو مناطق سيطرة قوات الأسد، بهدف تقديم الامتحانات للحصول على الشهادة الإعدادية أو الثانوية، ولكن ما لفت النظر هذا العام، أن الطلاب باتوا مضطرين للخروج من منازلهم في وقت مبكر جدًا، وإلا فاتهم الامتحان والعام الدراسي بأكمله.
الهدف: ترهيبنا
عنب بلدي تحدثت إلى أحمد، أحد طلاب الشهادة الإعدادية من مدينة داعل، وقال إنه تقدم للامتحانات في مدينة إزرع الخاضعة لسيطرة قوات الأسد، مضيفًا “ذهبت لمدينة إزرع قبل الامتحانات، وكنت أفكر في الإقامة فيها طوال فترة الامتحانات، ولكن المخاوف من الإجراءات الأمنية التي تطلبها قوات الأسد قبل الموافقة على الإقامة، جعلتني أقرر البقاء في داعل والذهاب في يوم الامتحان والعودة مجددًا”.
أحمد والعديد من الطلاب تفاجؤوا بإجراء لم يكن على بالهم، “عند الخروج من داعل باتجاه إزرع، نعبر على حاجز رئيسي يسمى (أبو كاسر)، تفاجأنا أنه يحتجزنا لساعات بحجة الإجراءات الأمنية والتفتيش”، الأمر الذي يهدد الطلاب بالتأخر عن امتحاناتهم، وأضاف الطالب “أصبحنا مجبرين بطلب من الحاجز على الانطلاق بعد الساعة الثالثة فجرًا، والانتظار لأكثر من ثلاث أو أربع ساعات، ونحن نجلس داخل الحافلة ننتظر المرور فقط”.
بحسب أحمد، فالإجراءات الأمنية ليست إلا حجة، ففي الأيام العادية لا يأخذ الوقوف على الحاجز أكثر من نصف ساعة، “ولكنهم كانوا يتعمدون إيقافنا لنشعر بالضغط والتعب النفسي، بالإضافة للتعب الجسدي قبل الوصول للامتحان”، وهذا ما انعكس على كثير من الطلاب، وأردف أحمد “شخصيًا في كثير من المواد، كنت أصل لقاعة الامتحان متعبًا بدنيًا ونفسيًا، وهو ما يؤثر على التركيز وتذكر المعلومات”.
المدرّسون ينصحون بالاسترخاء
هذه المعاناة قبل الوصول إلى الامتحان وجدت صدى لدى بعض المدرسين أيضًا، وتحدثت عنب بلدي مع الأستاذ محمود الحمصي، أحد مدرسي مادة الرياضيات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، واعتبر أن هذا النوع من الضغط والترهيب على الطلاب هدفه إرهاقهم فقط، “تفاجأنا بمثل هذا التصرف، خاصة مع طلاب الإعدادي الذين مازالوا يعتبرون أطفالًا، فلا يوجد أي إجراءات أمنية لازمة لإيقافهم أكثر من أربع ساعات”.
وعن دور المدرّسين في مثل هذه الحالات، أوضح الحمصي أنهم لا يستطيعون إلا تقديم النصائح العلمية، “أنا نصحت طلابي بمحاولة الاسترخاء وعدم القلق أثناء فترة الانتظار، وبعدم إرهاق أنفسهم في محاولة الدراسة أو المراجعة بين بعضهم، لأنهم هذه الظروف لا تساعد على الدراسة الصحيحة”.
وتوجّه المدرّس برسالة إلى القائمين على المراكز الامتحانية لمراعاة ظروف هؤلاء الطلاب بشكل خاص، “أنا أتمنى على القائمين على المراكز الامتحانية أن يكونوا عونًا لهؤلاء الطلاب، ومراعاة الوضع النفسي لهم، فهم عاشوا أساسًا طوال العام الدراسي في ضغط نفسي، أثناء إقامتهم في مناطق تشهد تصعيدًا عسكريًا مستمرًا، وغياب كثير من متطلبات الحياة، وأخيرًا حالة الإرهاق التي عاشوها قبل الوصول لقاعة الامتحان”.