إدلب – طارق أبو زياد
لم يكن منذر همّل، وهو سائق تكسي من مدينة إدلب، ينقل الزبائن خارج المدينة بعد غروب الشمس، إلا أنه اليوم يعمل حتى العاشرة ليلًا متنقلًا بين قرى وبلدات المحافظة دون خوف أو فزع، وفق تعبيره.
حدّت الحركة التي تشهدها الطرقات بين إدلب وريفها ليلًا، في الأسابيع الأخيرة، من تنقل قطّاع الطرق و”المشلّحين”، في ظاهرة لم يألفها الأهالي منذ سيطرة المعارضة على المدينة في آذار 2015، إذ عانوا سابقًا من صعوبة التنقل في شوارع خالية غزتها عصابات تمتهن السرقة.
ومنذ توقف الطيران في سماء المحافظة، بدأت الحياة تعود إلى سابق عهدها، ما سهّل الحركة بين المدن والبلدات ليلًا، بعد أن كان “خطًا أحمر” لدى الأهالي. ويقول همّل إن جملة من المعوقات كانت تعترضه سابقًا، أولها رشاش الطيران الحربي الذي يستهدف الطرقات، وعصابات “التشليح”.
يوصل السائق زبائنه اليوم إلى مناطق “قريبة نسبيًا” من إدلب، مثل بنش وأريحا ومعرة مصرين، ويوضح لعنب بلدي، “في السابق كانت تأتيني طلبات اضطرارية لمريض أو مسافر إلى خارج المدينة، إلا أنني رفضت معظمها، ولكن عملي اليوم تحسن كثيرًا ولم يعد خطرًا كما كان عليه”.
وتشهد المحافظة هدوءًا وتراجعًا في حدة القصف، منذ توقيع اتفاق “تخفيف التوتر”، مطلع أيار الماضي، بين الدول الضامنة في “أستانة”، وهي روسيا وتركيا وإيران.
نشاط “المشلحين” ينخفض
توقف الطائرات الحربية المزودة برشاش ” L39 ” عن استهداف الطرقات الرئيسية والسيارات المتنقلة عبرها، كان نقطة البداية في وضع حد لنشاط قطاع الطرق. |
يقول علاء زكور، أحد عناصر القوة التنفيذية في مدينة إدلب، لعنب بلدي، إن قطاع الطرق لا يمكن ضبطهم بشكل نهائي، إلا أنه أكّد تراجع عملياتهم “بشكل كبير”.
وعزا السبب إلى توقف الطيران، الذي سمح للناس بالسفر، “تتحرك عشرات السيارات ما يعيق عمل المشلحين الذي يتركز على اختلائهم بسيارة واحدة بعينها”، لافتًا إلى تدابير أمنية للحد من الظاهرة.
لكن زيادة الحركة في بعض الطرقات، لا تنسحب على كلّ المناطق، فمازالت بعض الطرقات شبه خاليةً ليلًا إلى اليوم.
فالطريق من إدلب إلى أريحا سالك في أي وقت، كونه يقع في منطقة تشهد كثافة سكانية، إلا أن المناطق النائية أو القرى الصغيرة، لا يمكن ضمان المرور في طرقاتها، وتمنع المخاطر الأهالي من السفر ليلًا.
السفر ليلًا غير آمن في جميع الحالات
“الصباح رباح والليل هدوء ووحشة”، يقول الخمسيني منير عبد الكافي من إدلب، معتبرًا أنه “لا داعيَ لتنشط حركة السيارات ليلًا، فالمضطرون قلة ونحن في حرب لا يمكن لأحد أن يتوقع ما يتغير خلال ساعات أو ربما دقائق”.
ويقول عبد الكافي لعنب بلدي إن “مشاكل الفصائل فيما بينها كافية لتمنعك من السفر ليلًا، فلا تعلم بأي لحظة ينشب الخلاف”، مضيفًا “ربما يواجه الشخص مشاكل في السيارة أو صعوبات أخرى ولن يجد من يساعده”.
وتشهد المحافظة اشتباكات “داخلية” متكرّرة بين فصائل المعارضة، وسبق للحواجز التابعة لها اعتقال مدنيين أو مقاتلين لشكوكٍ بانتمائهم لفصائل منافسة على خلافٍ فكري معها.
ينظر المدنيون في إدلب لاتفاق “تخفيف التوتر” بأنه ربما يكون مفتاحًا لعودة الحياة إلى طبيعتها، في محافظةٍ عاشت قصفًا مستمرًا لسنوات، ومعارك “داخلية” أو ضد قوات الأسد استنزفت طاقاتها، وخلّفت فوضى في مؤسساتها المدنية وبناها التحتية.