أعوام ثلاثة تكاد تمر على بدء الثورة السورية فيما لا تزال الأخبار السياسية والعسكرية تتصدر وسائل الإعلام وتحتل الجزء الأكبر من التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما لا تزال المشاكل التي تواجهها فئة الشباب في المجتمع السوري مهمشة وتعيش تغييبًا شبه تام، فلا يرد ذكرها إلا بين مجموعات قلة من المعنيين، وينحصر نقاشها بين الشباب أنفسهم.
عنب بلدي التقت عددًا من الشبان والشابات من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة واستطلعت المشكلات التي يواجهونها اليوم بعيدًا عن مواقفهم السياسية.
فادي ابن الريف الدمشقي ذو الثلاثة وعشرين عامًا، أصغر إخوته وأول من يلتحق منهم بالجامعة، كان يأمل أن يحقق «شيئًا مختلفًا ومميزًا ومفيدًا» لأسرته ومجتمعه المحيط، لكنه اليوم بات «محبطًا» حسب تعبيره، فهو عاطل عن العمل بعد أن أغلق المعمل حيث كان يعمل، ولا يتقن أي حرفة يدوية، فيما لا تزال الشهادة الجامعية بعيدة المنال إذ أنه يؤجل تخرجه بغية «التهرب» من خدمة العلم الالزامية؛ «مستواي الدراسي جيد، لكنني لست من المتفوقين ولا أضمن لنفسي مقعدًا في الدراسات العليا، لذا تعمدت الرسوب في بعض المقررات العام الماضي، وهذا ما أنوي فعله هذا العام أيضًا»، يقول فادي.
وإذ لا يدرج فادي فكرة السفر ضمن مخططاته الحالية، فهو الآن مستقر مع عائلته و «مشّي أموري» ولا يدري ما ينتظره في الغربة، إلا أنه «يحسد» البعض الذين توفرت لهم فرص مناسبة لذلك، ويرى بأن هؤلاء هم من المعارضة في الخارج، أو من الناشطين أو «معارفهم». «إنهم يحصلون على فرص خيالية للدراسة في الخارج، وللعمل، لم نكن نحلم بها يومًا، كما يستفيدون فكريًا وماديًا من دورات تدريبية متنوعة»، وحسبما يرى فادي إن المشكلة في هذه الفرص أنها محصورة بفئة معينة، وليست متاحة للجميع. ويقول إن ما يحبطه فعلًا هو الشعور بأنه، وأصدقاؤه، الخاسر الأكبر في هذا الوضع، فالأصغر سنًا لا تزال الفرص متاحة أمامهم، بينما اتخذ الأكبر سنًا طريقهم في الحياة مسبقًا.
أما لينا، ابنة مدينة دمشق، فتجمل حديثها بعبارة «نحن تخرجنا بوقت غلط»، فكل ما خططت له لينا منذ سنوات تهدم أمام الأزمة التي تمر به البلاد، فزفافها الذي كان مقررًا بعد التخرج تم إلغاؤه حين رفضت اللحاق بخطبيها الذي سافر، حسب تعبيرها، «إلى المجهول» في الأردن، أما تراجع مستواها الدراسي في العام الأخير فقد أغلق الباب أمام فكرة متابعة الدراسات العليا.
وتضيف لينا أن يومها بات روتينًا «قاتلًا»، فهي تمضي وقتها بين تصفح الانترنت والأعمال المنزلية ومع من تبقى من أصدقائها في المدينة. وتوضح لينا أن هناك بعض الفرص والنشاطات لا تزال متاحة أمامها، كالعمل في التدريس أو تطوير مهاراتها على الحاسوب، إلا أنها «فقدت الأمل من كل شيء» والمعاناة التي عاشتها العام الماضي أشعرتها بأن كل ما تقوم به «ليس له قيمة» وهي ليست على استعداد لمواجهة «فشل آخر»، لذا عزفت عن أي نشاط.
ولا تقتصر مشاكل الشباب السوريين على ما يتعلق بدراستهم أو عملهم، فقد تأثر كذلك الشبان والفتيات في عمر الزواج؛ فريم، مدللة والدها، حسب ما يصفها أقرباؤها، تقول أنها «رضخت» لرغبة والدها الذي يريد أن «يطمئن على مستقبلها» في هذه الأوضاع بتزويجها من ابن صديقه بعد أن تخلت عن دراستها الجامعية بسبب الظروف الأمنية وحالات الاختطاف التي تكررت في المنطقة، إلا أن لهذا «القرار» انعكاسات سلبية على ريم، فهي تشعر بأن والدها «يريد أن يرتاح من همها» نظرًا للتنازلات التي قدمها لأهل العريس، فحفل الخطوبة المتواضع والمهر القليل مقارنة بالمهر الذي كان معتادًا أن تشترطه العائلة الميسورة على الخاطبين جعلا ريم تنأى عمن حولها وتشعر بأنها «أقل من بنات عمها». وتؤكد ريم أنها على يقين من أن والدها يسعى لمصلحتها، وهي لا تريد تخالف رغبته إلا أن هذا لم يكن ما تريده الآن، ولكن ما من خيارات أخرى.
وإذ تأمل ريم أن تتحسن الأحوال وتستقر الأوضاع من جديد علّها تجد مخرجًا من هذه الخطبة، يشاركها كثيرون الأمل إنما بهدف آخر، فهدى التي نزحت عن مدينتها تأمل بأن يتقدم شاب مناسب لخطبتها في حال استقرت الأحوال، إذ لا تملك عائلتها الكثير من المعارف حيث يقيمون خلال النزوح، ومن تقدم لخطبتها خلال هذه الفترة لم يكن «مناسبًا كفاية» بالنسبة لعائلتها. وكذلك ابراهيم ذو الستة وعشرين ربيعًا الذي ينتظر «معجزة» تستقر بعدها الأوضاع ليستطيع التقدم لخطبة الفتاة التي يحبها والتي لن توافق عائلتها على تزويجها له الآن، إذ يقيم في مزرعة أقربائه مع عائلته وأعمامه وجديه، ناهيك عن الضائقة المادية التي يمر بها، ولا يدري ما إذا كان بناء العائلة، حيث يملك منزلًا، لا يزال موجودًا أم لحقه الدمار نتيجة القصف.
وبعيدًا عن تفصيل المشكلات التي يعيشها الشباب السوري اليوم ترى آلاء أن المشكلة تمكن في «عقلية المجتمع» التي لا تزال تهمش الشباب ولا تعطي أهمية لمشكلاتهم بغض النظر عن طبيعتها، فآلاء لا ترى المشكلة في مسألة الدراسة أو العمل أو الزواج بحد ذاتها، وإنما في الطريقة السلبية التي يتعاطى بها محيط الشاب أو الفتاة مع هذه المسألة، بدءًا بالعائلة وانتهاء بالمجتمع الأعم الذي يراقب و “ينظّر» ويقيم الآخرين دون تقديم حلول فعلية لمشكلاتهم، الأمر الذي –وللأسف- لا يبدو أنه سيتغير قريبًا.