عنب بلدي – العدد 103 – الاثنين 10/2/2014
بثت وكالة الأناضول خلال الشهر الفائت صورًا قالت إنها لمعتقلين قضوا تعذيبًا في سجون النظام كان قد سربها أحد الضباط المنشقين. تلك الصور لاقت صدىً كبيرًا في الإعلام، وتركت أثرًا بالغًا لدى الأهالي الذين فقدوا أبناءهم سواءً أكان في المناطق المحررة أم في الخاضعة لسيطرة النظام.
هذا الأمر قام باستغلاله بعض عناصر النظام من أصحاب الرتب العالية، ونشطوا في تجارتهم التي تقوم على مبدأ وضع وسيط قانوني من محامين وقضاة قادرين على التوجه للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام –أي غير ملاحقين أمنيًا– بحيث يكون هذا الوسيط مرجعية لأهالي المعتقلين يطلبون منه السؤال والبحث عن ابنهم المفقود مقابل مبلغ كبير يتم الاتفاق عليه مسبقًا ويسلمه ذوو المعتقل له بعد أن يأتي لهم بالخبر الشافي. هذا النوع من التجارة لاقى رواجًا نظرًا لعدد المفقودين الكبير خلال 3 سنوات الفائتة.
المحامي أبو إسماعيل، هو أحد الوسطاء القانونيين في هذه التجارة، يصف هذه التجارة بـ «الابتزاز»، ويقول لعنب بلدي: «رغم لاقانونية هذا العمل ولكنني مضطر لأن أعمل في هذا الجانب من أجل تطمين قلوب العديد من الأمهات والآباء الذين فقدوا أبناءهم…» ويتابع المحامي: «هناك اتفاق مسبق بيننا وبين عدد من الضباط، نقوم بتسليمهم الاسم المراد البحث عنه وهم بدورهم يرجعون لسجلات وأوراق أو يبحثون عنه عبر الحاسوب، وعند معرفة مكان المعتقل يقوم الضابط باستلام مبلغ من المال مقابل هذه العملية».
مكاتب القانونيين امتلأت بذوي المفقودين والمعتقلين بعد أن قاموا بمحاولات عديدة من أجل الحصول على معلومة بسيطة تقودهم إليهم، لكن محاولاتهم غالبًا ما كانت تفشل، إذ يرفض عناصر الأمن الإدلاء بأي معلومة.
وفي حديث مع أهالي المعتقلين عن معاناتهم بهذا الشأن، يقول بعضهم إنهم جابوا معظم الأفرع الأمنية في سوريا ولم يتركوا بابًا للسؤال وكان الجواب يأتيهم دومًا «ابنكم مو عنا»، ويضيف الأهالي إن عناصر الأمن يتَّبعون هذا الأسلوب بغية تحقيق مكاسب مادية عبر المحامين الذين لهم صلات مع ضباطهم.
الأمر الذي أكد هذه المزاعم المذكورة، أن الأهالي كانوا يعثرون على أبنائهم في فروع كانوا قد سألوا مسبقًا فيها عنهم ولم يحصلوا على أجوبة شافية، ولكن الأمر اختلف عندما قام أحد القانونيين بالسؤال.
«تعبت من البحث عن ابني الذي فقد على أحد حواجز مدينة إدلب» هكذا بدأت أم أحمد حديثها لجريدة عنب بلدي وتابعت قائلة: «في كل مرة أسأل ولا أحصل على نتيجة ولكن عندما طلبت من المحامي السؤال عنه أخبرني بأنه موجود في سجن عدرا المدني وأخذ مني مبلغ 25 ألف ليرة سورية، سددتها لها بعد أن قمت ببيع خاتم ذهبي كنت أحتفظ به لنفسي والحمد لله زرته بالسجن منذ يومين».
التجارة كانت موجودة قبل ظهور صور 11000 معتقل، لكن اللافت بعد هذه الحادثة أنها انتشرت بشكل كبير، ومعظم الأحيان يأتي القانوني بأخبار سيئة، فلقد تكررت ظاهرة قدوم الوسيط القانوني بشهادة وفاة المعتقل إضافة لبطاقته وأغراضه الشخصية، ورغم ذلك يصر الضباط على أخذ حصتهم من المال مقابل هذا الخبر.
وتبقى هذه المعلومات غير مؤكدة، وأحيانًا يقوم الوسيط بنقل أخبار عن بعض عناصر الأمن، ويؤكد أحد المحامين بأنه قد أحضر 4 شهادات وفيات لأشخاص، وبعدها تفاجأنا بعودتهم إلى بيوتهم وقد أطلق سراحهم.
وأخيرًا دفعت صور المعتقلين القتلى تحت التعذيب بعدد كبير من الأهالي لزيارة المراكز الإعلامية، خصوصًا أصحاب الدخل المحدود، علّهم يجدون ضالتهم قبل التوجه لأحد المحامين، ولكن بعد رؤيتهم للصور المغطاة الوجه والاسم، يتبادر إليهم سؤال «لماذا لم يقم الضابط المنشق بنشر الأسماء أو الصور الحقيقة للمعتقلين؟».