الصحافة السورية وتعاقب الحكومات

  • 2014/02/11
  • 9:52 م

عنب بلدي – العدد 103 – الاثنين 10/2/2014

حنين النقري

كثيرة هي الصحف والمجلّات التي انطلقت عقب اشتعال شرارة الثورة ما بين محليّة وعالمية، ولعلّ البعض يدلل بكثرة المنشورات والصحف الثورية على حالة من التشتت الفكريّ وعدم اتحاد الصفّ والكلمة، فهل الأمر حقيقة كذلك.. لنحاول أن نستطلع مسيرة الصحافة السورية منذ بدايتها، لعلنا نجيب على هذا السؤال.

كانت جريدة «الشهباء» بداية الصحافة الأهلية السوريّة عام 1877، بعد أن كانت الصحف أداة بيد الحكومة العثمانية لنشر أفكارها وقرارتها وما تريده من حوادث سياسيّة، وكعادة أي مستبدّ يرى في الكلمة سيفًا مشهرًا في وجهه، أوقفت الحكومة العثمانية جريدة الشهباء مرارًا، إلى أن توقفت نهائيًا عام 1879، تلا ذلك صدور عدة صحف سوريّة تطبع باللغتين العربية والتركية مثل «اعتدال»، «دمشق»، «الشام»، وبعض الصحف «السريّة» الأخرى مثل جريدة «المنبر» في حمص، والتي هاجمت الاستبداد العثماني بقوّة.

ويعتبر المؤرخين أن الفترة الممتدة من 1908 إلى 1917 تمثل فترة نمو للصحافة العربية، على الرغم من بطش الاتحاديين الأتراك بالصحفيين وملاحقتهم، إذ صدرت العديد من الصحف السورية بلسان عربيّ تمامًا -دون ترجمة للتركية- وربما كان أقواها جريدة «المقتبس» والتي تعرّضت للإيقاف مرارًا، بالإضافة للعديد من الصحف الساخرة الهزلية مثل «حط بالخرج»، «ضاعت الطاسة»، «السعدان».

ولعلّ التقلبات العسكرية والسياسية في المنطقة، ثم الاحتلال الفرنسي لسوريا لم يمنع الأقلام من الكتابة، فازداد عدد الصحف والمنشورات في تلك الحقبة متحدية القمع والإيقاف المتكرر.

الفترة التالية لاستقلال سوريا في 1946 تذكرنا بشكل كبير بما نعيشه حاليًا، حيث صدر عدد كبير جدًا ومتنوع من الصحف في كافة المدن والمحافظات السورية، إلا أن كثرة الانقلابات الحاصلة في تلك الفترة جعلت الإيقاف المؤقت والالغاء يطال العديد من الصحف حسب ما تراه كل حكومة جديدة، ولعلّ ما نشرته جريدة المنار الجديد في تلك الفترة يصف لنا واقع الحال «الصحفيون في هذا البلد أصبحوا مضغة على فم كل حاكم، فكلما تغير حكم بحكم أو تبدل عهد بعهد، وضع الصحفيون أيديهم على قلوبهم ولبثوا ينتظرون مصيرهم الجديد ومستقبلهم الغامض»

حكم حزب البعث وسيطرته على السلطة عام 1963 أدخل الصحافة السورية نفقًا جديدًا مظلمًا لم يسبقه إليه أحد من الحكام أو المحتلين، إذ أغلق الحزب كل الصحف السوريّة عدا ثلاثة منها -أحدها البعث-، وأغلق دور الطباعة وصادر آلاتها، ثم صودرت أموال أصحاب الصحف وفرضت عقوبة «العزل المدني» على عدد كبير منهم بتهمة بثّ الأفكار الشعوبية والعمل على زعزعة ثقة الشعب بقوميته، والحصول على الأموال من هيئات أجنبية ورجعية.

هذه العقليّة المتهمة بالعمالة والتي رفعت فور تسلّمها السلطة شعار «لا أريكم إلا ما أرى» كانت عنوان نصف قرن كامل من حكم البعث، وبعد قيام ما علّمنا النظام أنها «الحركة التصحيحية» في 1970، باتت الصحف السورية هي ما نحفظه كلنا «البعث، تشرين، الثورة»، لتكون المصدر الوحيد للأفكار والأخبار والأحداث.

الناظر لهذه المسيرة المتقلبة، يرى بقليل من التفكير أن نظام الأسد وحزبه الحاكم عاد بالصحافة والإعلام قرنًا كاملًا إلى الخلف، فغدا الإعلام إعلام حكومته فقط، والصحف صحفه هو، تمامًا كما كان الحال في بدايات الصحافة أيام العثمانيين.

لذا فإن كثرة عدد الصحف السورية اليوم هو مؤشر هام على حقبة صحفية جديدة لسوريا، لعلنا نستطيع أن نلحق فيها بركب الإعلام العالميّ، ذاك الذي جعلنا النظام متخلفين عنه بقرن كامل.

ولئن قال كليمنصو يومًا «الصحافة حبر وورق، وحرية»

فمن المنصف أن نقول اليوم «الصحافة هي حريّة، وحرية فقط!»

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب