قراصنة الخليج ومصائر الشعوب العربية
عنب بلدي- عبادة كوجان
أسقط اختراق الوكالة القطرية للأنباء، وما تبعه من هجوم إعلامي مبالغ فيه على دولة قطر وأميرها تميم بن حمد آل ثاني، أي رهان على مجلس التعاون الخليجي، وربما نشهد مستقبلًا اهتراء هذه المظلة السياسية الجامعة، واتساع حالة الاستقطاب في الدول العربية عمومًا، والانتقال من السجال الإعلامي إلى الحرب الباردة في الخليج، ما ينذر بتهديد حقيقي لمصائر الشعوب العربية.
تخالف قطر النسق الخليجي الذي تقوده الإمارات المتحدة والسعودية، القائم حاليًا على محاربة الإخوان المسلمين محليًا وعلى المستوى الدولي، وهو ما ينسحب على الحكومة التركية، وحكومة الإنقاذ الليبية، والحكومة الشرعية في اليمن، وإخوان مصر وتونس والمغرب، وحركة “حماس” الفلسطينية في غزّة.
كما تتخذ الدوحة موقفًا معتدلًا من إيران و”حزب الله” اللبناني، رغم رفضها مشاريعهما في سوريا واليمن وغيرها من البلاد العربية، إلا أنها ترى وجوبًا في البحث عن نقاط التقاء معهما، فيما تتخذ السعودية والإمارات مواقف علنية أكثر حدّة، وهو ما أسهم في اتساع رقعة الخلاف القطري- السعودي الإماراتي على مستوى السياسات الخارجية عمومًا.
ولقطر اليد الطولى في سوريا، على الجانب المغاير للنظام، إذ تشهر تحالفًا تاريخيًا مع تركيا، وتشرف على تمويل فصائل بعينها، كـ “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”فيلق الرحمن” و”فيلق الشام”، كما ترتبط بعلاقات وتفاهمات مع “هيئة تحرير الشام”، التي تعدّ “جبهة فتح الشام” الفصيل الأبرز فيها، بينما تشرف السعودية على تمويل “جيش الإسلام”، وتدخل الإمارات في توليفة غرفة “تنسيق الدعم العسكري” (الموك)، وتقدم دعمًا لفصائل محددة في “الجيش الحر”.
خلاف “فيلق الرحمن” و”هيئة تحرير الشام” من جهة، و”جيش الإسلام” من جهة أخرى، في الغوطة الشرقية، الذي كانت آخر فصوله تقسيم الغوطة إلى مناطق نفوذ، أو إمارات عسكرية بالمعنى الأدق، عزاه البعض إلى تنامي الخلاف السعودي- القطري، ما قبل زيارة ترامب إلى المملكة، وظهور الخلاف إلى العلن بعدها، وهو ما ينذر بتصدّع أكبر في الجسم العسكري المعارض في سوريا مستقبلًا.
لا يقتصر الأمر على سوريا المفتتة أصلًا، فبدأت الإمارات مؤخرًا اللعب على وتر انفصال الجنوب في اليمن، والانقلاب على الحكومة الشرعية، بدعمها وتمويلها “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي طالب علنًا بالانفصال عن الشمال، بينما تستمر قطر بدعم الحكومة الشرعية، لتبدو حالة الاستقطاب ظاهرة على العلن هناك.
الواقع الليبي ليس بأفضل من اليمني، إذ تصر قطر على دعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وهي الحكومة التي نالت اعترافًا من الأمم المتحدة، في حين تدعم الإمارات والسعودية قوات “الجيش الوطني الليبي” التي يقودها المشير خليفة حفتر، لتتسع دائرة المواجهة بين الفريقين المدعومين خليجيًا، وهو ما يباعد بين ليبيا والاستقرار الأمني والاقتصادي رويدًا، ويدخلها دائرة الحرب الأهلية.
أسهمت السعودية والإمارات في الانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي لمصر، محمد مرسي، في تموز 2013، ودعمت وصول الفريق عبد الفتاح السيسي إلى سدة الرئاسة، الذي شرع في ملاحقة رموز الإخوان المسلمين في مصر، وزجّ معظم قيادات الصف الأول في السجون، بمن فيهم مرسي، وهو أمر اعتبرته قطر انقلابًا على الشرعية، وواجهت السيسي إعلاميًا، وكانت أول مواجهة سياسية بين المعسكرين (قطر- السعودية والإمارات).
تدعم قطر، سياسيًا، حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، بينما تعتبرهما الرياض وأبو ظبي إرهابيتين، وتتحالف قطر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فيما دعمت الإمارات محاولة انقلاب فاشلة عليه عام 2013، وفق تقارير دولية.
لم يكن الاختراق، إن صح أو كان ادعاءً، إلا حلقة في سلسلة تراكمات وخلافات خليجية عميقة، بدت وكأنها ستتحول رويدًا رويدًا إلى حرب علنية، تسعى الرياض وأبو ظبي من خلالها إلى عزل الدوحة وترويضها، بمليارات دخلت خزينة ترامب مؤخرًا خلال مؤتمرات الرياض.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :